احتضار العروبة على عتبات المونديال!

mainThumb

31-10-2009 12:00 AM

د. خالد سليمان

وجوه محتقنة، أوداج منتفخة، عروق نافرة، أصوات ساخطة متحشرجة، عيون تقدح شرراً، جباه تتصبب عرقاً، أصابع ترتجف غضباً...، هذه بعض المظاهر الصارخة الوضوح، التي نقرأها على قسمات الكثيرين ممن تورطوا في النزاع السخيف الذي تشهده الساحة العربية مؤخراً بسبب تنافس المنتخب الجزائري ونظيره المصري على الوصول إلى المونديال!

عندما تنحط الأمم، وتضرب بعيداً في بيادي السقوط الحضاري، تعبث الشياطين برؤوس أبنائها للتورط بإشعال أسخف المعارك العدمية وأتفهها، فتراهم لا يلقون بالاً لعشرات المعارك الكبيرة الجدية التي تطعن أمتهم في الصميم، وجوداً وكرامة، لينصرفوا في المقابل إلى خوض معارك سفيهة لا تبرز إلا الدرجة المريعة من التردي الذي انزلقوا إليه!

يكشف ذلك النزاع الأخرق الذي تتناقل الصحف والفضائيات أخبار جولاته المزرية عن وصول المرض في الروح القومية والإسلامية إلى مراحل بالغة الخطورة والاستفحال، حتى أخشى أنني لا أبالغ كثيراً إذا ما زعمت أنها تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة، تحت الأنظار الشامتة للقوى الأجنبية المتربصة، وبتصفيق من الكيانات القطرية الساذجة التي لا تريد أن تدرك أن الحل الوحدوي العروبي الإسلامي هو الحل الوحيد لكل مشكلاتها المزمنة: بدءاً بالتنمية المتعثرة، مروراً بالهوية المتبعثرة، وصولاً إلى الضعف المهين، الذي يجعل من كيان صغير متطفل لا يتجاوز تعداد سكانه سبعة ملايين دخيل يفرض وجوده وشروطه على أمة تجاوز أبناؤها المليار!

ولكن لنلتمس لأمتنا البائسة العذر، فربما يكون السلوك العربي الأرعن المتمثل في الاستماتة للفوز في ميادين الرياضة حيلة تعويضية دفاعية يهرب بها وعن طريقها من مواجهة واقع انكساره وضعفه، وكأن الانتصار في عالم الرياضة، حتى وإن كان ذلك الانتصار على أحد الأشقاء، سيجعله ينسى أو يتجاوز هزائمه المتكررة في عالم السياسة والحرب!

أظنني لا أذيع سراً إذا ما ذكرتكم بأن الأقصى مهدد جدياً بالهدم على رؤوس أصحابه، بينما أحفاد قطز وبيبرس وصلاح الدين ومصطفى كامل وجمال عبد الناصر في مصر أم العروبة لا يشغلهم إلا التفكير بطريقة لكسر أنوف إخوتهم الجزائريين في مباراة كرة قدم! نعم الأقصى مهدد جدياً بالهدم على رؤوس أصحابه، وأبناء وأحفاد المليون شهيد في الجزائر لا يكترثون إلا بإيجاد طريقة لتمريغ جباه أشقائهم في القاهرة على مسطحات المربع الأخضر!

على الرغم من تحيزي الشديد الذي لا أملك له دفعاً لانتمائي العروبي الإسلامي، إلا أنني لا أخفيكم أنني أشعر أحياناً، والقهر يفتك بي، بالخجل الشديد لانتمائي لهذه الأمة، فهل ثمة ما يشرف اليوم في الانتماء لأمة ما أصدق أن يقال عن كثير من أبنائها: "جسم البغال وأحلام العصافير"!؟

sulimankhy@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد