محفظة مواطن

mainThumb

10-11-2008 12:00 AM

محفظة المواطن من القصب مصنوعة ، تنتظر الرزق من دعوات بالإجابة مشفوعة ، ضحكات القروش فيها مسموعة والوصفات الطبية في أحضانها موسوعة ، الدنانير فيها من النوم ممنوعة والفواتير فيها ما زالت غير مدفوعة .

قلت لها : لا تحزني يا محفظتي , فرايات الطفر ما زالت مرفوعة . المحفظة فاقت باكرا يوم الراتب , فاليوم لن يبقى مدين عليها عاتب , يوم الحشر كان في البنك أمضيته بين محاسب وكاتب .

جاء الراتب أخيرا بعد أن تصبب العرق غزيرا , فالجمع أمام الصندوق كان غفيرا , لا تسمع فيه للناس إلا شهيقا وزفيرا , وبجانبي سمعت لمريض بالأزمة من أنفاسه صفيرا , وبقربي أرملة سئمت الانتظار وكبّرت تكبيرا ، فما بال الناس لا يحترمون امرأة ولا كبيرا , وتحت السقف كانت صيحات المحاسب زئيرا , وبعد كل هذا العناء ليت الراتب كان وفيرا . كانت الديون لراتبي مثل الجراد فوق المحاصيل ، والدكاكين فئران , تقضم كالبرسيم الغض أوراق الدنانير ، وفي المؤسسة كانت بقايا الراتب تلفظ أنفاسها الأخيرة بين الزيت والرز والسكر , وكمن ينتظر الطوفان , خرجت ويداي تمتلئ بالأكياس , وعدت قاصدا بيتي , وكانت عيون الصغار معلقة بتلك الأكياس .

أمّا الطناجر فقد كانت تزمّجر , فقد أوحشها السكون منذ منتصف الشهر , وقد حانت قيلولة الزيت والزعتر التي أصبحت عهدة ونزيلا دائما في أمعاء الموظفين .

نعم لقد استقبلت الراتب بنشيد طلع البدر علينا , ولكنّ أغنية عبد الحليم لا زالت تثير مخاوف محفظتي عندما يشدو قائلا : ابتدا ابتدا المشوار , وآه يا خوفي من آخر المشوار .

بعد أيام من الراتب كانت قبيلة راتبي قد أبيدت تماما , ولم يبق منها إلا الصغار من فئات العملة ، مددت يدي لجيبي , فارتجفت المحفظة خوفا , وصاح دينار لأخيه قائلا : كم لبثنا ؟ فقال له : يوما أو يومين .

وعندما أخرجت الدينار سألني باكيا : قليّ إلى أين المسير في ظلمة الدرب العسير ؟ فقلت له : لياليك في المحفظة قد طالت , والعمر لو تدري يا ديناري قصير .

وأنشدت له قائلا : محفظتي دائما نظيفه والجيوب مصممة للأوزان الخفيفه عيون الموظف عن الفواكه كفيفة وأمعاؤهم عن اللحم دوما عفيفة واذكروا في الختام قصيدة الشاعر الكبير موظف ابن الشحّاد في سوق البخارية عندما قال : يا معشر اياد أين الآباء والأجداد وأين الوظائف ذوات الرواتب الشداد اصبروا وانتظروا الزيادات القادمة يا فلذات الأكباد إنّ الراتب قد مات وكل ما هو آت آت من فواتير وكمبيالات فلا ديزل في التنك ولا كاز في الصوبّات أين أقلام الرصاص للمدرسة وأين رسوم الجامعات ؟ أين المحاشي وأين لحوم الخراف ذوات الليّات ؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد