وليمة لدحلان في زمان الخذلان!

mainThumb

03-11-2009 12:00 AM

د. خالد سليمان

المتهم بريء حتى تثبت إدانته دون ريب، لكن المؤشرات والقرائن التي تدعم القول بتورط بعض رجالات ما تُعرف بالسلطة الوطنية الفلسطينية في جرائم فظيعة كفيلة ـ في حال ثبوتها ـ بتعليقهم على قوائم الخيانة الوطنية قبل تعليقهم على أعمدة المشانق، باتت أكثر وأوضح من أن يتم تجاهلها، أو التظاهر كما لو أنها غير موجودة.

فخلال الأشهر الأخيرة، وهذا من باب ضرب الأمثال ليس أكثر، تفجرت على الملأ فضائح ضلوع عُصبة (عباس و دحلان) في جريمة اغتيال أحد أهم رموز القضية الفلسطينية (ياسر عرفات)، ومبادرتهما إلى مطالبة قيادات الكيان الصهيوني بعدم إيقاف العدوان الجائر على الأهل في غزة إلى أن يتم استئصال شأفة "حماس"، ومن ثم التواطؤ مع تلك القيادات لإخفاء ما اقترفته أياديها السوداء من جرائم همجية دموية بحق الأبرياء في القطاع الصامد، فيما عرف بفضيحة ( تقرير غولدستون)!

ما يجري يؤكد أن الخيط الواهي الذي كان يلتئم يوماً بين السياسة والأخلاق قد انقطع منذ أمد بعيد، ولم نعد ونحن أبناء حضارة إسلامية نجحت ذات زمان مضى في المزج بين الجانبين، أي بين السياسة والأخلاق، في توليفة فريدة محكمة، نأبه من قريب أو بعيد لهذه الأخيرة، التي بتنا ننظر إليها ـ أي الأخلاق ـ وكأنها مجرد شعارات فارغة لا معنى لها، ولا سبيل إلى تطبيقها أو الاحتكام إليها إلا من باب المزاودة والوعظ الببغائي العقيم!

(دحلان) الذي تملأ أخبار مغامراته السياسية والمالية الصحف والمواقع الإلكترونية يقصد عمان، وبدلاً من أن يقابله أهل المدينة بما يليق بأمثاله ممن تحوم حول سمعتهم الشبهات، نرى بعض كبار رجالاتها يستقبلونه بالأحضان والترحاب وولائم التكريم العامرة! وليتهم فعلوا ذلك في جنح الظلام، على الأقل حتى لا يوجهوا لقلوب شهداء غزة الذين لم تجف دماؤهم بعد المزيد من الطعنات، بل جاهروا بنشر أخبار مآدبهم التي نضجت لحومها على تأجج نيران القهر في قلوب الكثيرين!

ولكي تكتمل الصدمة وتتعمق الفجيعة، نجد بعض أنظف الأسماء في صحافتنا تتهافت على تلك المآدب، لتجعلنا نتساءل جدياً فيما إذا كنا ما نزال نستطيع الحديث حقاً عن الكثير من الأقلام النظيفة في هذا الزمان الرديء بأهله! يبدو أننا بحاجة ماسة إلى التذكير بأن الصحفي ليس مجرد جامع أخبار أو منمق كلمات أو صياد سبوق صحفية، بل إنه فيما يُفترض مثقف ملتزم وصاحب قضية، وعلى المثقف الحقيقي أن يحافظ ـ حفاظه على روحه ـ على لقبه هذا، فلا يهادن أو يساوم، ولا يسمح ليده بأن تصافح إلا الأيدي المجزوم بشرفها، ولا يعطي لرأسه الفرصة بأن يطأطئ، ولا يتيح لعينه المجال لأن تنكسر، مقابل إتخام معدته ببعض اللحم، مهما غلا في أسواقنا ثمن اللحم!

في هذا الزمن الباعث على الاختناق لفرط ما فيه من تلوث وأوغاد، الذي انحدرت السياسة العربية فيه إلى أقصى درجات الانكسار والانهزام والانتهازية والتلون، بضغط من اختلال موازين القوى وهيمنة المفاهيم التبريرية الساقطة التي تدور في فلك "الواقعية" و"البراجماتية" و"الدبلوماسية"...الخ، لم يعد لدنيا إلا الثقافة الشريفة الملتزمة وأهلها كي نراهن عليهم لمنحنا بعض الأمل بأن أمتنا المتعبة ما تزال أمة تستحق الحياة، وأنها ستعود يوماً إلى تقلد المكانة الرفيعة التي تستحق، بالرغم من كل ما يعصف بها الآن من صور النذالة والخيانة والهوان، فلا تخذلونا بربكم يا أهل الثقافة، بعد أن خذلنا بكل قسوة أهل السياسة!

sulimankhy@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد