حكومات تصريف الأعمال

mainThumb

06-11-2009 12:00 AM

موسى إبراهيم أبو رياش

لا تختلف الحكومات الأردنية المتعاقبة في وظيفتها عن أية حكومة تصريف أعمال، كونها تقف فوق قنبلة التعديل أو التغيير التي ستنفجر تحتها في أية لحظة، فالحكومة برئيسها وفريقها الوزاري لا تشعر بالاستقرار لحظة واحدة، وهي على أهبة الاستعداد للرحيل منذ يومها الأول.

هذا الوضع يضع الوزارة في حالة قلق متزايد، وترقب مستمر، وتوتر مؤلم، وكل ذلك يُعطل الحكومة عن وظيفتها الأساسية، ويجعل من برنامجها حبراً على ورق، فالوزير كل وزير يهمه فقط أن يُصرِّف أعمال وزارته، وتسيير شؤونها بالحد الأدنى من الجهد، ولن يسعى إلى تطويرها والارتقاء بها وهو لا يضمن أن يعود إليها في اليوم التالي، فالوزير الذي لا يشعر بالاستقرار لن يُشغل همه، ولن يُتعب تفكيره من أجل وزارة في مهب الريح.

وما يزيد الطين بلة أن الوزارة تقع منذ اليوم الأول تحت مرمى النيران الصديقة والعدوّة على حد سواء، وخاصة من المستوزرين والحرس القديم والإعلام الموجه أو الإعلام المغفل، فكل يوجه سهامه نحو الوزارة لأقل خطأ أو خلل أو اجتهاد جانبه الصواب، فنرى المقالات والتحليلات تُش?Zرِّحُ عمل الحكومة بشكل اتهامي وتشكيكي مع وصفها بالتسيب والفساد وغير ذلك من التهم المعلبة.

أما النواب فسيوفهم مسلولة منذ ما قبل تشكيل الوزارة ترقباً لأي سقطة حكومية، أو حدوث خلاف بين النواب والحكومة حتى وإن كان يحتمل الاختلاف والاجتهاد، وغالباً ما تكون المناكفات على خلفيات شخصية ومصلحية خدمة لأغراض جغرافية وانتخابية، أو من باب الضغط على الحكومة لتحقيق مطالب ومكتسبات وتنفيعات.

ويكمل الحرس القديم من رؤساء وزارات ووزراء سابقين، وكذلك بعض المستوزرين الحملة بتناول أعمال الحكومة بالنقد والتجريح مع سوء الظن، وكل ذلك يصب في خانة توهين الحكومة وإشغالها بصد الحملات والرد عليها، وحتى إن تجاهلتها فهي تسيء إلى الفريق الوزاري وتثبط عزيمته، وتقلل راحته، فالعيار الذي لا يصيب يدوش.

المفترض برجال الدولة من رؤساء وزراء ووزراء سابقين ومسؤولين كبار وشخصيات وطنية أن تكون عوناً لأي حكومة وأن تضع خبرتها ومعرفتها في سبيل نجاح الحكومة وتنفيذ برنامجها المستمد غالباً من خطاب العرش السامي، لأن أية حكومة يفترض أن تكون حكومة وطنية للجميع في غياب حكومات حزبية، وإنه من المعيب أن تنشغل هذه الشخصيات بالمناكفات الصبيانية وإطلاق الدخان وتشتيت جهود الحكومة وتوتير الجو من حولها وإشغالها وإحباطها وتثبيط عزيمتها، وإشعارها بالعجز والتخبط.

وعلى الإعلام أيضاً أن يكون في خدمة الوطن وعوناً للحكومة وسنداً لها، لا نريده إعلاماً يمدح الحكومة وينافقها ويسبح بحمدها، وإنما إعلاماً راشداً يكون عيناً للحكومة لأي موطن خلل أو تقصير، ودليلاً للحكومة لسبل الإصلاح والتطوير والارتقاء، وذلك من خلال التقارير والتحقيقات الصحفية المهنية، والمقالات والدراسات التحليلية، وكلها يجب أن تصب في خدمة الوطن ومن أجل المصلحة العامة، لا خدمة لمصالح شخصية أو أهواء ذاتية أو تلميعاً لجهة ما، فالوطن أغلى من الجميع، وأهم من كل شخص أو مصلحة ذاتية.

إنّ?Z أية حكومة، ولو كان اختيار فريقها على الفرّازة، أو من أكثر أهل الأرض حكمة، لن تستطيع أن تفعل شيئاً في ظل التربص والتشكيك والاتهام من قبل النخب السياسية والإعلام، وبالتالي سيكون مصيرها الفشل لا محالة، فالمشكلة ليست في الحكومات بالضرورة وإنما في المحيط المعادي أو على الأقل المحيط المتربص أو غير المريح الذي تجد نفسها فيه، فيسقط في يديها وتبدأ بالتخبط والسير على غير هدى بسبب الضغوط وسيل الاتهامات والتحليلات المتجنية.

ليس من مصلحة الوطن، وليس من مصلحة كل وطني غيور تهمه المصلحة العامة أن تكون الحكومة في مهب الريح، أو تكون تحت وابل القصف العشوائي من المناكفين والمتربصين، فكل ذلك يخدم أعداء الوطن الذين يسعون إلى إشغال أبناء الوطن بأنفسهم من خلال افتعال خلافات هنا وهناك، وإحداث شروخ في كل مكان، وتعميق الجراح السابقة، وإحياء العصبيات والروح القبلية والنتن الإقليمي القذر.

إن المرحلة تتطلب وقوف كل القوى الوطنية الصادقة وكل المخلصين في هذا الوطن خلف حكومة وطنية تشعر بالاستقرار وفرصة البقاء لفترة زمنية معقولة لا تقل عن أربع سنوات، من أجل تحقيق برامجها ووعودها، ومن الضروري أن يقدم كل منا ما عليه تجاه الوطن، وأن لا ندخر نصحاً للحكومة، وبعدها يمكن أن نحاسب الحكومة ونقعدها مقاعد الحق والحقيقة لتوضح وتبين وتدافع عن نفسها، وبعدها نصدر الحكم، مع ضرورة محاسبة كل مقصر، ومعاقبة كل مفسد.

وأتساءل أين النخب السياسية من دورها في تقديم النصيحة والخبرة؟ وأين دور الصحافة والإعلام من نشر الحقائق ووضعها أمام الحكومة لتقوم بدورها في الإصلاح والتطوير؟ وأين دور مراكز البحث في وضع الدراسات في خدمة الحكومة لتقوم بواجبها على بينة ونور؟

إن أية حكومة بحاجة إلى دعم ومؤازرة من النخب السياسية، وبحاجة إلى تبصير وتنوير من قبل وسائل الصحافة والإعلام المختلفة، وكل ذلك بعيداً عن روح العداء والمناكفة التي تغلب على الأداء في وقتنا الحاضر.

ولا أريد أن يفُهم مما سبق أني أدعو إلى مدح الحكومة والتغافل عن أخطائها، بل لا أقبل أي مدح مهما كان، فالحكومة يجب أن تؤدي واجبها على أكمل وجه، ولا يشكر أحد على واجبه إن قام به، أما الأخطاء الحكومية فيجب أن تشير إليها الصحافة والإعلام ويتناولها بالتوضيح، ولكن من باب الحرص على الوطن والغيرة على مصلحته، وبهدف تنوير الحكومة ووضعها على الطريق الصحيح، وأن لا تبقى سادرة في غيها!

إن العهد بين الحكومة وغيرها هو بيان الحكومة الوزاري الذي نالت الثقة على أساسه، وهو البرنامج الذي يحدد نظرة كل الجهات نحو الحكومة، وبغير ذلك يكون من العبث أن نحاسب الحكومة على شيء لم تتعهد به، أو لم تشر له من قريب أو بعيد، ومن غير المجدي أن نضع العصي في الدواليب، وأن نحمل الحكومة وزر مشروعات ليست في حسبانها أو مخططاتها.

وفي المقابل يجب على الحكومة أية حكومة أن تقوم بواجباتها خير قيام، وأن لا تتعذر بالحملات الإعلامية أو المناكفات الصحفية، أو إشاعات التعديل والتغيير، وأن تعمل كأنها باقية إلى الأبد، وأن تعلم أنها حكومة وطن، ويجب أن تكون على قدر المسؤولية التي ألقيت على عاتقها، فإما أن تعمل أو أن ترحل!!

mosa2x@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد