القانون الدولي بين حرية التعبير و نقد الأديان
يحتدم الصراع في المحافل الدولية وعلى المستوى الإقليمي والوطني بين أنصار حرية التعبير من جهة وبين المناهضين للحملة الأخيرة المتعلقة بالتشهير بالأديان وخاصة الإسلام من جهة أخرى. فقد أثارت الرسوم الأخيرة المسيئة للرسول و فيلم فتنة جدل كبير في الأوساط الشعبية و الفكرية لم يُحسم حتى هذا الوقت.
فبينما يبرر أنصار حرية التعبير الحق في نقد الأديان بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تمّ التصديق عليه من قبل أغلب الدول في العالم بما فيها الدول العربية، وبذلك فهو يعدّ معاهدة إلزامية وذات قوة قضائية لهذه الدول. حيث تنص المادة 19 على الآتي : (1- لكل إنسان حق في اعتناق أراء دون مضايقة. 2- لكل إنسان حق في حرية التعبير.
ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب أو بأية وسيلة أخرى يختارها). و لا يجوز تقييد هذا الحق, بحسب الفقرة الثالثة من نفس المادة، إلاّ لأسباب محددة بنص القانون، وضرورة احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، لحماية الأمن القومي، النظام العام، الصحة العامة أو الآداب العامة. وبالتالي فان حظر نقد الأديان بمقتضى هذه المادة يمكن أن يشكل خرق لمبدأ حرية التعبير.
أما المعارضون لأنصار التيار السابق فيحرمون نقد الأديان استناداً إلى المادة 20 من نفس العهد التي تنص في فقرتها الثانية على أن (تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف).
ويستنتج من نص هذه المادة بأن الدول الموقعة على العهد، تلتزم بوضع قانون داخلي يحظر ما ورد ذكره من إعلان و دعوة إلى الكراهية، وهو ما يمارس بواسطة التعبير عن الرأي.
ومن هنا يتبين لنا الصلة بين المادتين المذكورتين من العهد وبالتالي الصلة بين حرية التعبير ونقد الأديان. ولا يخفى بأن العلاقة غير واضحة وشائكة بين هذين المفهومين ففي حينا يرى أنصار المادة 19 المذكورة أعلاه أن حرية التعبير هي مفهوم مطلق لا يمكن تقييده عندما يتعلق الأمر بنقد الأديان، يرى أنصار المادة 20 من ناحية أخرى أن تفسير التقييد المنصوص عليها بالمادة 19 بمفهوم واسع يؤدي إلى الحد من حرية التعبير.
في المقابل، يجد أنصار حرية التعبير وهم يفسرون المادة 20 بمفهوم ضيق، أن نقد الأديان لا يمكن أن يدرج تحت بند المادة 20 والمتعلق بالدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
فالأمران بالنسبة لهم مختلفان تماما حيث أن نقد الأديان بما فيها الرسوم الأخيرة تختلف تماما عن الدعوة إلى الكراهية الدينية. كما أنهم يضيفون بأن حقوق الإنسان تهدف بالأساس إلى حماية الحقوق الأساسية للإنسان، والدين بحد ذاته لا يتمتع بالحماية المنصوص عليه بمقتضى هذه الحقوق، وبالتالي فان حقوق الإنسان لا يمكن أن تشتمل على منع تشويه الأديان أو نقدها، بل يمكن أن تتدخل فقط في حال التمييز ضد أتباع دين معين.
كما أن هذا الالتباس في تفسير مواثيق حقوق الإنسان لم يبق في حيزه الضيق للمعارضين والمؤيدين لحرية التعبير، فلقد امتدّ ليعرض على أبرز المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية التي انقسمت أيضا بين مؤيد ومعارض.
فوزارة الخارجية الأميركية، ترى أن تقييد حرية التعبير في هذا المجال لا يؤدي إلى حماية الممارسة الدينية، بل على العكس من ذلك، حيث أن مفهوم التشهير بالأديان هو مفهوم شائب يحدّ من الحرية الدينية ويقيد حقوق جميع الأفراد في الاختلاف مع الدين أو انتقاده. فقد جاء في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية المتعلق بأوضاع الحرية الدينية في العالم والصادر في أيلول/سبتمبر 2008 ما يلي : (يستخدم هذا المفهوم أيضا من جانب بعض الحكومات لتبرير أعمالها التي تقضي بصورة انتقائية على المعارضة المدنية، والتي توقف انتقاد الهيكليات السياسية، وتقيد الخطاب الديني لجماعات الأقليات، والدينية للأفراد المعارضين الذين ينتمون إلى دين الغالبية ولأشخاص لا ينتمون إلى أي دين. إن إدخال مفهوم التشهير يسعى في الواقع إلى تصدير قوانين الكفر الموجودة في العديد من دول منظمة المؤتمر الإسلامي إلى المستوى الدولي. وفي حين أن الولايات المتحدة لا تشجع الأعمال التي تسيء إلى تقاليد دينية معينة، بما في ذلك الإسلام، فإنها تعتبر أن مفهوم "التشهير بالأديان" يتناقض مع حرية الدين وحرية التعبير وستؤدي مقاربة منظمة المؤتمر الإسلامي إلى إضعاف القوانين الدولية المتعلقة بحماية الحرية الدينية، ومن ضمنها قوانين حماية السكان المسلمين الذين يشكلون أقلية). كما و يرى مراقبون في هذا المجال أن الكراهية والتمييز ضد أتباع دين معين لا تنتج بالضرورة التشهير بدينهم، بل يعزون ذلك إلى أسباب أخرى، ويضيفون بأن الكراهية والتمييز ضد أتباع الديانات المختلفة قد وجدت قبل أن تبدأ الحملات الأخيرة المتعلقة بالتشهير بالأديان. ويبدو بأن المقرر الخاص بالأمم المتحدة المتعلق بحرية الرأي و التعبير يؤيد هذا الاتجاه، حيث جاء في تقريره الصادر في 2008 بأن حرية التعبير لا يمكن أن ُتقيد من أجل حماية المعتقدات الدينية بل فقط لأجل حماية حقوق أخرى للإنسان كما و قد أعرب عن قلقه إزاء إغلاق العديد من الصحف ومواقع الانترنت نتيجة لانتقادها لسياسات حكومية ودينية معينة.
أما الاتحاد الإنساني والأخلاقي الدولي، فقد حث الأمم المتحدة بإعادة النظر في قراراتها الداعية لمحاربة التشهير بالأديان لما لها من أثر في تقييد حرية التعبير. فقد عبر الاتحاد عن قلقه الكبير إزاء إمكانية لجوء السلطات الحكومية لمثل هذه القرارات لتبرير قمع الآراء التي لا تتناسب مع سياساتهم و إلغاء الحقوق الأساسية الأخرى. وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت العديد من القرارات التي تسمح بتقييد حرية التعبير من أجل ضمان احترام الأديان إلى أن رفض مجلس حقوق الإنسان إقرار مفهوم التشهير بالأديان في جلسته المعقودة في 18 سبتمبر 2008. فقد صرح السيد جيثو مويجاي، المقرر الخاص المعني بموضوع الأشكال المعاصرة من العنصرية وإرهاب الأجانب والتعصب، بأن التشريعات الحالية الخاصة بالحث على الكراهية العرقية والدينية كافية ولذلك فانه ليس من الضروري ترسيخ التشهير بالأديان كمفهوم جديد. ولابدّ من الذكر بأن الجهود المكثفة للمدافعين عن حرية التعبير، وخاصة منظمة المادة 19 و مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الذين قاموا بعقد مؤتمر قبل الجلسة المذكورة، حيث نددوا من خلالها بالقرارات المتعلقة بالتشهير بالأديان، والتي كان له أثر في موقف مجلس حقوق الإنسان.
وفي النهاية, لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار لما لحرية التعبير من أهمية في بناء المجتمع الديمقراطي و لما لنقض التشريعات الدينية المتعارضة مع حقوق الإنسان من دور في استبدالها، هذا وبالإضافة إلى الفائدة المرجوة من هكذا نقد للانتقال من المجتمعات الدينية إلى المدنية العلمانية الديمقراطية.
ولكن في المقابل، لابدّ من الذكر بأن التشهير بالأديان يمكن أن يؤثر بشكل أو بآخر على التعايش بين أتباع الديانات المختلفة وخاصة على وضع الأقليات الدينية في المجتمعات الشرقية والغربية. كما أن التعميم و أظهار جميع الأشخاص المنتميين إلى دين معين بمظهر الرافض للتعايش وتقبل الآخر هي فكرة مغلوطة، حيث يوجد متعصبون ينتمون إلى جميع الطوائف والأديان كما يوجد في المقابل مناضلون من نفس هذه الطوائف والأديان من أجل الحوار والعيش المشترك والدفاع عن حقوق الأقليات المنتمية إلى غير دينهم. ولذلك لابدّ من أن يكون النقد بنّاء بشكل يؤدي إلى تأصيل فكرة الإيمان الداخلي الذي لا يتجاوز العلاقة بين الإنسان وربه، وكل ما خرج عن ذلك يؤدي إلى انتهاك حرية الآخرين. هذا وقد أثبتت التجربة أن الدول تستغل الدين للاستبداد و القمع ولذلك إذ مزجنا الدين بالدولة فنخسر الدين ونخسر الدولة كما قال المفكر خالد محمد خالد في كتابه المشهور من هنا نبدأ.
في الحقيقة إن حرية الدين والاعتقاد ترتبط بشكل وثيق بحرية التعبير, حيث أن الحرية الدينية تشتمل على حق كل شخص بتغيير ديانته أو عقيدته، وحريته في التعبير عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر بشكل سري أو علني, هذا وبالإضافة إلى حرية كتابة و نشر الصحف و غير ذلك من الأمور المتعلقة بالمعتقدات الدينية. و لذلك فان الحرية الدينية تستتبع حرية التعبير و كلتاهما يشكل صلب حقوق الإنسان كما أكدته ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث جاء فيها أن غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة.
* ماجستير في القانون الدولي و الأوروبي/ جامعة غرنوبل في فرنسا
إردوغان بعد الضربات الإسرائيلية: على روسيا وإيران اتخاذ إجراءات لحماية أراضي سوريا!
العاهل المغربي يخصّ افتتاح السنة التشريعية بخطاب حول قضية الصحراء
طالبات مدرسة "خديجة بنت خويلد" يشاركن في يوم تفاعلي مع أورنج الأردن
بعد غزّة .. الاحتلال يهدد باستهداف سيارات الإسعاف بلبنان
ابوزيد: الاحتلال لا يفهم الا منطق قانون القوة
نتائج انتخابات هيئة شباب اربد - قدامى اللاعبين
تفجير عبوة ناسفة بـ 15 جندياً إسرائيلياً .. مهم من القسام
رئيس عمان الأهلية يلتقي بأعضاء الهيئة التدريسية
الصفدي: لن تتوقف جرائم الحرب ما لم تتم محاسبة نتنياهو
سيكولوجية النخب السياسية والاجتماعية
استدعاء علي حجبي للمنتخب الوطني بدلاً من أبو الذهب
آلاف الدنانير ستؤول للخزينة إذا لم يستلمها أصحابها أو ورثتهم .. أسماء
أخبار غير سارة عن ضريبة السيارات الكهربائية وكتب الشطب .. فيديو
مهم من الحكومة بشأن ارتفاع أسعار البنزين والديزل
خبير أمني يكشف تفاصيل مهمة حول مقتل الدكتور أحمد الزعبي
كم سعر تنكة زيت الزيتون لموسم 2024
التعليم العالي تعلن عن منح دراسيّة خارجية
الغذاء والدواء تصدر بياناً حول فيديو "الكيك" .. شاهد
مقتل منذر الزعبي .. وبني خالد تُصدر بياناً
بيان لقبيلة الزعبي بخصوص مقتل ابنها منذر
النشرة الجوية في الأردن لـ 4 أيام
الزعبي ترد على تصريحات الخبير الأمني حول مقتل د.أحمد .. بيان
توضيح أمني بشأن فيديو مشاجرة بين سائق تكسي وفتاة
وظائف ومدعوون للتعيين في التربية والصحة .. أسماء وتفاصيل
أعمال شغب في بني كنانة على خلفية مقتل الدكتور أحمد الزعبي .. فيديو