الثانوية العامة من جديد ..

mainThumb

06-06-2010 06:00 AM

 في الوقت الذي استكملت فيه وزارة التربية والتعليم استعداداتها لخوض الجولة الثانية من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة للعام الدراسي 2009 / 2010م .. تعيش كثير من الأسر الأردنية حالة طوارئ وجوٍ من التوتر الذي يرافق موسم الامتحانات.. لتوفر لأبنائها الجو المناسب ليشقوا .. طريق المستقبل ويتجاوزوا ما هو مكتوب عليهم في ديمومة الحياة المعاصرة ..ووفق منهجية تقليدية .. فرضت بمنطق مستهلك .. دون مبرر موضوعي أو ذرائعي ودون الأخذ بالتحولات الاجتماعية ومنطق حسابات التفكير الأدائية أو الجوانب المهارية البلومية..أو مهارات التفكير الناقد أو الإبداعي أو الاستدلالي والتي أصبحت بحكم التغيرات التربوية الحديثة مطلب يفرض نفسه .. في ظل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية ..

 وبذلك أشبعنا طلبتنا أفكاراً مستهلكة .. وأوحينا لهم .. أن لا سبيل إلى شق طريقهم المستقبلي الدراماتيكي المجهول إلا بمعدلهم التراكمي في الثانوية العامة.. كل حسب مقدرته على الحفظ والتذكر ليصبح – أعانه الله- مسيراً إلى المجهول الذي يُفرض علية بمنطق التنافسية العادلة في الجامعات ..والتي توجه مصير شبابنا نحو مزيدا من البطالة الهيكلية المقنعة .. بعيداً عن تلبية حاجاتهم وطموحهم ورغباتهم.. فالعصف التساؤلي هو الذي يعبد الطريق نحو هذا المنطق المستشري .

لقد توقع الكثيرين أن تعيد وزارة التربية والتعليم حساباتها مع هذه الفوبيا المتكررة سنويا .. خاصة وان وزارتنا العتيدة أوهمت الجميع عبر ضجة إعلامية كبيرة أن لا سبيل إلا الارتقاء بالثانوية العامة إلا عبر مؤتمر وطني عام وشامل يعيد النظر بالآليات المستهلكة لذلك الامتحان الوطني فكان هدفها إقناع المجتمع الأردني بالضرورات الحتمية لذلك .. تمشيا مع التطورات المعاصرة في مجال تحسن العملية التعليمية.. وجميعنا أدركنا أن الوزارة كانت عازمة على المضي قدماً للإعداد لذلك المؤتمر .. بقصد الوصول إلى صيغ جديدة وتغيير قائم على أسس علمية ومداخل تقنية معروفة كالتخطيط الاستراتيجي أو الجودة الشاملة أو إعادة الهندسة أو إدارة المعرفة أو إدارة الإبداع أو الإدارة بالأهداف وما إلى ذلك.

فلعل المؤسسة التربوية الأردنية الرسمية الممثلة بوزارة التربية والتعليم تخشى أن تواجه الكثير من التحديات التي تفرضها طبيعة التغيرات العصرية المتسارعة في شتي المجالات.. مما يفرض عليها أن تكون مؤسسة تعلم قادرة علي تجديد ذاتها .. حتى تواكب هذه التغيرات ، وتستطيع أن تلبي الاحتياجات الحتمية المتغيرة بتغير العصر .. وتغير احتياجاته ومتطلباته

بمعنى آخر .. فإن إعادة الهيكلة للآليات المتبعة في التعاطي مع هذا الامتحان الوطني يجب أن يرقى إلى سلم درجات التقدم والنمو مواكبة لروح العصر .. لا أن يكون تغييرا لمجرد التغيير وإطلاق مفرقعات إعلامية ودعائية .. وما يتبعها من خسائر معنوية ومادية وتربوية؟ .

إن الأمر أكثر من انتهاج مداخل القصد من ورائها أي تغيير منشود .. بل يجب أن يرافقه تهيئة مسبقة للمجتمع الأردني بشكل عام والمجتمع التربوي بشكل خاص ومجتمع التعليم الثانوي بشكل أكثر خصوصية.. فكثير من التجارب التي كان هدفها النهوض بالثانوية العامة خاصة في دول الجوار كان مصيرها الفشل رغم جودتها .. إلا أنها لم تراع أبسط أبجديات التغيير المتمثل في التهيئة المسبقة وعدم إحداث التغيير بشكل فجائي وعشوائي.. لم تسبقه تهيئة مناسبة . ومن وجهة نظري الخاصة أجد حتماً أن الإعلام التربوي يجب أن يمارس فيها دورًا كبيرًا.

إن التعليم في الأردن بدأ في تجارب ولم ينته.. فالتغيير والتجديد هو حالة صحية للنظام التربوي المتطور بل انه سمة من سمات الأنظمة التربوية الحية .. خاصة إننا في القرن الواحد والعشرين قرن التحديات والتغيرات السريعة والملاحقة والجذرية والمطردة..فمن الطبيعي أن يواكب هذه التغيرات تغيير مرافقا ومواكباً.

فنحن نفخر جميعا أن لدينا كفاءات تربوية وكوادر عتيدة من الأساتذة الأفاضل في وزارة التربية والتعليم والكليات والجامعات يملكون رؤى تربوية تطويريه يمكن أن تنهض بالنظم التربوية القائمة في نظامنا التربوي إلى أفضل المستويات ولكن لو منحت الفرصة الكافية .. خاصة في مجال تطوير الثانوية العامة التي نحن على أبواب امتحاناتها التي ما زالت قائمة على الحفظ والتذكر وكما سبق ونوهت .. فمن هنا لا بد لنا أن ندرك جازمين أننا بحاجة إلى نظام تربوي متطور يراعي خصائص المجتمع الأردني المتغيرة والمتطورة مع تغير وتطور المجتمعات دون أن يكون مستورا او منقولا ، خصوصًا فيما يتعلق بالتعليم الثانوي.. فمن الضرورة بمكان انتهاج الطريقة الجذرية في التغيير على الدوام.. وللحقيقة أن ظهور أي خلل لا يستدعي أكثر من التحسين والتطوير في الأسلوب القائم أو في وعي المجتمع التربوي.. فالتغيير الجذري مطلوب في فترات متباعدة.. أما التحسين والتطوير فهما مطلوبان بشكل مستمر ودائم .. وفي فترات قصيرة متلاحقة متعاقبه.

إننا ونحن نعيش زمن الاقتصاد القائم على المعرفة ...لا بد أن ننظر إلى جهد القائمين على العملية التعليمية التعلمية في التركيز على العمل التعليمي التعلمي الصفي وإتقانه وتجويده بكل ما يملكون من قوة .. بعد تحديد المعايير التي تكفل ذلك .. بغض النظر عن التقويم ومعدلات الترفيع التي سترتفع كنتيجة منطقية للجودة التعليمية العالية.
فامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة يجرى سنويا لأغراض عديدة في مقدمتها محاسبة الطالب على كم المعرفة الحفظية والتذكرية التي بجعبته .. لا من أجل تحسين العملية التعليمية والاعتماد عليها في القرارات التربوية وغيرها.. وبحسب معرفتي بالمعايير التربوية الحديثة والقياس والتقويم التربوي المعتمد على الأسس والقواعد الفعالة فلا اعتقد أن مصطلح المحاسبة التربوية له وجود في قواميس التربية والتعليم لذلك فإنني ازعم وفق المعطيات الحالية إن الممارسات التقويمية المؤسسية لدينا هي ممارسات مكتبية شكلية تمارس بعيدة عن الواقع التعليمي الذي نحن بحاجته .

ذلك يستوجب على وزارتنا العتيدة التحضير جيدا للامتحان من إعداد للقاعات والمراقبة والتصحيح ولجان وما إلى ذلك من طرق الهدر التربوي .. ونحن جميعا لاحظنا الاحراجات التي حصلت في الفصل الدراسي الأول والتي ما زالت تبعاتها النفسية على الطلبة ممتدة إلى يومنا هذا .. لذلك دعوني أتساءل : لماذا لا تجري عملية أتمتة لامتحانات الثانوية العامة.. ولماذا لا تكون منهجية امتحانات الثانوية العامة معتمدة على مجموعة من وسائل التقييم الحديثة المستندة الى قواعد إجرائية واضحة ترقى إلى مستوى عال من التطور والتقدم ليقيم أداء الطالب بما ينسجم وطموحة وآماله ونسايره في تحصيله الدراسي عبر مرجعيات تقويم أو بنوك أسئلة مقننة الخصائص السيكومترية باحتراف؟ تمامًا كما في اختبارات التوفل وغيرها.

فالمشكلة التربوية القائمة لدينا في الأردن أن الثانوية العامة تحولت من غاية العلم والتعلّم إلى غاية اجتياز الامتحان .. فأتذكر ويتذكر معي الجميع تلك الأفكار الطيبة التي طرحت في السنة الماضية والتي تبناها معالي الدكتور وليد المعاني والتي ما لبثت أن أصبحت حبرا على ورق فبالرغم من مرافقتها لدعاية أعلامة كبيرة عشمت المجتمع الطلابي الأردني بأفاق واسعة ورحبة لتطوير ما يعرف بكابوس الثانوية العامة ولا ننسى ذلك التفكير العميق بعقد المؤتمر الوطني للنهوض بالثانوية العامة. كان هدفنا استبدال الأساليب التقويمية المستهلكة بآليات تقويمية حديثة تعتمد على الأداء النفعي الذي يعود بالفائدة على تحصيل الطالب وينصفه تماما .. بحيث تترك الحرية والراحة النفسية للطالب.. ليخطوا خطوات واثقة نحو مستقبله الواعد بكل همة ومسؤولية

وفي مقابل ذلك يكون هناك اختبارات للقبول في الجامعات ليقبل الطالب وفقها بناء على محكات تختلف باختلاف الكفايات المطلوبة لكل تخصص.. بحيث تصبح معايير القبول مركبة من اختبار الثانوية بآلياته الجديدة .. واختبار القبول في الجامعة.. بالإضافة إلى اختبار القدرات.. واختبار للاتجاهات والميول وغيرها من المتطلبات.

من هنا نستخلص انه لطالما بقيت الثانوية العامة حفظًا وتذكراً واسترجاعًا.. فلطالما ظلت المشكلات المتعلقة بذلك قائمة .. فلماذا لا ندع المجال لتلك الدعوات لدى فئات تربوية قديرة خاصة من جامعاتنا الأردنية والتي تطالب بتجنب أن يكون هذا المعيار هو المقاس الحتمي لتقييم الطالب .. بل إن لديها أفكارا رائعة نحو إيجاد طرق حديثة للارتقاء بالثانوية العامة فنادت بتقنين الاختبار .. وإيجاد ما يسمى باختبار القدرات..واختبار الميول والاتجاهات.. واختبار الكفايات التخصصية .. وكما تحدثت .. ضمن معايير سليمة بحيث لا يهمش قياس التحصيل في المرحلة الثانوية حتى لا تصبح المرحلة الثانوية الهامة مجرد دون ثوابت معيارية جسر يعبره الطلاب كيفما يريدون..

من هنا يجب أن ندعو جميعاً .. إلى عمل تقييم شامل للعملية التعليمية ومراجعة عامة وشاملة وخاصة للمرحلة الثانوية ؟! خاصة فيما يتعلق بتحديد المناهج الدراسية و بيداغوجيا التعليم ..أو أدوات التقييم التقليدية المختلفة .. وتقصي المناهج الخفية المكتوبة ( مناهج الظل ) التي تعتمدها المراكز الثقافية الربحية كبدائل قوية للمناهج الرسمية .

نحن نحب وزارتنا فلا نريد أن نضع كل اللوم على أجهزتها.. ولكن ..!! لا نريدها أن تستمر في اعتمادها على سياسات تقييم تربوية آن لها أن تتجدد .. وفق المعايير التي سبق وتحدثت عنها .. مراعية بذلك جميع المستويات العقلية للطلبة عند بناء التقييم لنتمكن من إزالة الفوبيا من التوجيهي.. لاننا بالفعل لا نريد أن نرى جدلية غير مبررة في الأسئلة التي لا تحاكي إلا من له القدرة على الحفظ والتذكر .. .. فلنتذكر أنهم إبناؤنا وأفراد هذا التكوين الطلابي لمجتمعنا الفتي ولم يأتوا من كوكب آخر !!


البريد الألكتروني : Fsltyh@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد