المعارضة والسلطة في فكر هزاع المجالي

المعارضة والسلطة في فكر هزاع المجالي

22-06-2010 05:27 AM

بداية لا بد من الإشارة إلى أن المعارضة هي البديل السياسي للسلطة القائمة وتقدم نفسها للجمهور باعتبارها البديل التاريخي الممثل لقوى المجتمع والمعبر عن مصالحه والمدافع عن حقوقه سواء كانت معارضة يسارية أو وطنية أو ديمقراطية أو إسلامية.

وهكذا تصبح المعارضة ضرورة وطنية من أجل المصلحة العامة للوطن والدولة والأمة تتمتع بحقها الدستوري والسياسي والديمقراطي للعمل والنضال السياسي كمعارضة وكفالة ذلك الحق بالضمانات القانونية والتشريعية ضمن إطار احترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية.



هذه النظرة الإيجابية للمعارضة هي التي لا تزال سائدة في الديمقراطيات الحديثة وعلى رأسها ديمقراطيات أوروبا الغربية لذلك نجد الطلب يتزايد على المعارضة في هذه الديمقراطيات لخلقها وإيجادها في حالة غيابها باعتبارها صمام أمان لصون الحياة السياسية من الاضطراب ومدها باسباب الاستقرار فهي قوة توازن ضرورية في المجتمع لا يمكن الاستغناء عنها لأن غيابها أو تغييبها يعني فتح المجال للسلطة للاستبداد ولا سيما أن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

والمعارضة باعتبارها البديل للسلطة فهي تسعى أما إلى الوصول إلى السلطة وحيازتها بشكل كامل عندما تكون موازيين القوى لصالحها أو يتم اقتسام السلطة بين المعارضة والنخب الحاكمة أو تشارك بالسلطة بحصة متواضعة لا ترقى إلى مستوى الاقتسام وبذلك تنخرط المعارضة بالحياة السياسية. أما صور الوصول إلى السلطة فهي متنوعة بدأ من الاستيلاء على السلطة بالعنف وهو النمط الشائع في البلاد العربية أو من خلال الطرق السلمية الديمقراطية (الاقتراع الانتخابي) وهذه الصورة هي الأقل شيوعا في عالمنا العربي وما تزال محفوفة بالعوائق والعقبات رغم التحولات الديمقراطية التي شهدتها بعض دول الوطن العربي وفي مقدمتها الأردن، وباختصار نقول إن النظرة للمعارضة السياسية في الوطن العربي لا تزال سلبية او نابذة يسودها الشك والريبة، وبذلك تحتكر السلطة القائمة المجال السياسي وتعتبره ملكية خاصة للسلطة او النخبة الحاكمة وليس ملكية عمومية لسائر أفراد المجتمع ولذلك يتم حرمان واقصاء وفي حالات تصفية المعارضة ومنعها من حقها المشروع في الوجود والعمل والتعبير ولذلك يجب ان لا تستغرب ظاهرة العنف السياسي الوحشي السائد في معظم البلاد العربية.


وهذه هي الظروف التي عاش وناضل واستشهد فيها هزاع المجالي ولذلك نجده في تقديمه لمذكراته  يحاول تبرير نشر مذكراته وهو على رأس عمله في السلطة بقوله:



"القارئ العربي يعيش الآن في دوامة من تزوير التاريخ وتشويه الحقائق وعلى الأخص فيما يتعلق بالفترة التي اكتب عنها وتشملها مذكراتي.


بدأ هزاع عمله السياسي مبكرا جداً وهو يذكر في مذكراته أن أول درس في الوطنية تعلمه وهو في الصف الخامس الإبتدائي، وعندما انتقل إلى مدرسة السلط حيث شكل مع مجموعة من رفاقه جمعية سرية عرفت باسم ""جمعية الحرية الحمراء "" كان من اعضائها وصفي التل ونعيم التل ونايف الخطيب وغيرهم ثم استمر في العمل السياسي والمشاركة بالمظاهرات اثناء دراسته في دمشق وبعد عودته إلى الأردن عمل محامياُ لفتره بسيطة ثم انتقل إلى العمل في بلاط الملك عبد الله بن الحسين والحقيقة أن الطريقة التي أستدعي بها هزاع للعمل في بلاط الأمير فيها الكثير من الغرابة والإثارة حيث احظر إلى عمان مغفوراً! إلا أن هزاع عندما انتقل من المعارضة إلى السلطة لم يقدم آيات التوبة والندامة على ماضيه المعارض ولم يطاطأ الرأس وإنما أثر احترام ذلك الماضي ودونه في مذكراته فهو لم يتغير على نحو من الانحناء إلى تزوير وظيفتة السياسية الاجتماعية والسقوط في آلية الاستبدال الوظيفي فهو ليس بالابن الضال الذي عاد إلى حظن السلطة ثم عمل رئيسا لبلدية عمان وعمره لم يتجاوز ال30 عاماً. وعندما تسلم رئاسة بلدية عمان كان هزاع صاحب نظرة ثاقبة في الحكم وإدارة الدولة أو مؤسساتها بطريقة عصرية ففتح الشوارع وزرع الأشجار على جوانبها وحسن شبكة المياه وأنشأ الحمامات العامة وحدد أسعار المنام في الفنادق وفق درجاتها واثبت انه رجل المهام الصعبة وصاحب المبادرات الخلاقة.


وكانت التجربة الثانية التي ساهمت في اثراء خبرته في العمل السياسي هي اشتراكه في حكومة سمير الرفاعي وزيراً للزراعة وهو لم يتجاوز الثانية والثلاثين بعد وقد كانت تلك السنة سنة عجفاء بخلت فيها الطبيعة بالمطر إلا أن هزاع عمل كل ما بوسعه ليتجنب شح المجاعة ثم استقالت حكومة الرفاعي وشكل أبو الهدى حكومته والتي اجرت انتخابات نيابية ترشح فيها هزاع وكان قد شكل قائمة مع أحمد الطراونة وجريس هلسة وقد كانت اقرب إلى المعارضة إلا أن المعارضة في تلك الفترة كانت في أبهى حالاتها فقد كانت أكثر تمثيلا للشارع وأكثر أصالة وأكثر قدرة على التعيئه وكان لها قوة يحسب لها ألف حساب. وقد فازت قائمة هزاع على قائمة مرشحي الحكومة. وقد بدأ عمله في المجلس معارضا للحكومة ومناصباً لها العداء مبتعداً كل البعد عن مجاملتها وقد كان من بواكير انجازاته كرئيس للجنة القانونية في مجلس النواب التوصية بتعديل الدستور الأردني والتأكيد على مبدأ السياده للأمة وهذا من وجهة نظر هزاع لا يتنافى مع مبدأ احترام الملكية أو الولاء للنظام السياسي. ومن المواد التي اختلف هزاع مع الحكومة بشأنها مسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب. والحقيقة أن العودة إلى مذكرات مجلس النواب الثالث ومحاضر الجلسات تؤكد بما لا يقبل الشك أن هزاع لم يكن صاحب شعار سياسي وأنما صحاب مشروع سياسي بالمعنى الحقيقي للكلمة ولديه رؤية متماسكة لهذا المشروع الوطني الديمقراطي الذي كان بمثابة المرجع الذي ينهل منه هزاع والبوصلة التي يهتدي بها وقد قام هذا المشروع على وجوب حماية وصون ثوابت الأمة وأحاطتها بالقدسية.


وبالمجمل كان هزاع ركن من أركان المعارضة السياسية متمسك بالثوابت الوطنية رغم تغيير الظروف ومتغيرات الواقع، بعيداً كل البعد عن مسالك المساومةعلى الثوابت العليا، فقدم الاسئلة والاستجوابات للحكومة وناقش الميزانية مشككاً بالأرقام التي قدمتها الحكومة وتبنى المطالب الشعبية ودافع عن الفقراء والمستضعفين


استمرت معارضة هزاع للحكومات المتعاقبة وكان من أسباب نجاح هزاع في قيادة المعارضة إيمانه بالأهداف التي رسمها وانتدب نفسه للدفاع عنها وسعى إلى إنجازها، وقد كانت تلك الأهداف مقبولة على نطاق شعبي واسع ولا سيما أنه كان في بعضها أفكار خلاص وانقاذ و مثل عليا لجماهير الشعب، فلم يطرح هزاع شعارات او يتبنى أفكار كان تحقيقها مستحيلاً او يتجاوز إمكانات الدولة والمجتمع، وكانت معارضتة معارضة وطنية لم تتعاون مع نظام أجنبي معاد فالتعاون مع الأجنبي خيانة للوطن والشعب والأمة، ولم يكن هزاع من المنغلقين على أنفسهم واصحاب التحجر او الانغلاق الفكري وإنما منفتحا على الآخر وقادر على التكيف والإبداع ولذلك بقيت الاواصر قائمة بينه وبين الحكومة بالرغم من معارضته لها ولذلك نجده يدخل في حكومة فوزي الملقي وهو الأمر الذي كان له أثاره الايجابية على الحكومة وذلك لما كان يتمتع به هزاع من شعبية كبيرة لحملة مشعل الدفاع عن أماني الشعب أضافة إلى الثقل العشائري الذي تحظى به عشيرة المجالي صاحبة الأرث السياسي المعروف ولا سيما أنها كانت تضم عدد من الزعماء اللذين كان لهم دور في الحياة السياسية الأردنية والعربية مثل توفيق المجالي وقدري المجالي وحابس المجالي وغيرهم.


وهكذا يمكن القول أنه بالرغم من انتقال هزاع من المعارضة إلى السلطة إلا أنه بقيت صورته وهيبته ومكانته في نفوس الجميع قوية حاضرة زاهية وبقي صاحب ميرات رمزي عظيم.


في السلطة أمن هزاع أن السياسة تقوم على مقتضى العقل لا مقتضى الهوى والمزاج فانتهج سبيل التخطيط والحساب الدقيق وإدارة الأمور بحنكة وعلى أسس برامجية تخاطب عقول الناس لا عواطفها ومشاعرها والسعي لتحقيق التوازن الضروري بين الممكن الواقعي وبين الواجب الفكري والاخلاقي


شكل هزاع حكومته الأولى في أواخر عام 1955م ولم تستمر إلا لمدة 5 أيام وعندما اندلعت المظاهرات أسديت اليه النصائح باستعمال الشدة وفرض نظام منع التجول ويروي هزاع في مذكراته أن اللواء راضي عناب مساعد رئيس الإركان طلب منه أن يُسمح للقناصة من الجيش والشرطة بأن يقتنصوا بالرصاص قادة المظاهرات إلا أنه رفض ذلك بشدة قائلاً: "إنه يفضل الاستقالة على أن تطلق النار على أحد ويؤذي أحد كائناً من كان. كان يؤمن بضرورة سلوك الطرق الديمقراطية البرلمانية لتحقيق غاياته فيما اجتهد فيه.


كلف الملك حسين هزاع المجالي بتشكيل حكومته الثانية في15 آيار عام 1959م وأود أن إشير إلى موقف هزاع من قضية الحريات العامة حيث رأى فيها مبادئ مقدسة لا يجوز الاعتداء عليها، لكنه حدد قدسيتها بتحديد أهدافها واتجاهاتها بحيث لا تكون حريات هدامة وفوضويه وذلك للحفاظ على هيبة الحكم وحاول هزاع أن يجعل من الأردن دولة القانون والمؤسسات وإصلاح الجهاز الإداري ومحاربة الفساد والرشوة والاعتداء على المال العام وسعى إلى التقارب العربي وبقي رجل الملك المخلص إلى أن استشهد في الساعة الحادية عشر والنصف من ظهر يوم الاثنين الموافق 29-8-1960م.

هذه عناوين عامة وسريعة لموضوع المعارضة والسلطة في فكر هزاع المجالي، والحقيقة أن مواقف ورؤى وأفكار هزاع تحتاج إلى كثير من الجهد والوقت كما أن سيرة حياته فيها الكثير من المواقف الوطنية والإنسانية، ونحن لا نريد أن نزيد أو نزايد ولكن نقول إن اعادة قراءة فكر هزاع ومواقفه وتجربته في الحكم والمعارضة أموراً في غاية الأهمية ولا سيما في ظل ما تعانيه هذه الأيام من تغول السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائيه وضعف المجالس النيابية ومؤسسات المجتمع المدني وانتشار الفساد والمحسوبية واحتكار السلطة وتوريثها من قبل فئات معينة وأخيراً عدم احترام حقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق في حرية التعبير وانتقاد المسؤولين.


وأخيراً أقول أن الأمم الحية والعريقة تقدس رموزها وأبطالها وتحيى ذكراهم، ونحن لدنيا من الرموز الوطنية الكثير، لقد رأينا جانب من شخصية عوده أبو تاية في الفيلم الأجنبي لورنس العرب وفي العام الماضي اختير مسلسل اسمهان للعرض في رمضان بدلاً من عودة أبو تايه، فيما لم يتم حتى الآن التفكير بانتاج أي عمل تلفزيوني عن هزاع او وصفي او قبلهم كايد عبيدات صقر فلسطين او حسين الطراونة زعيم المؤتمر الوطني في الأردن أو ..أو.. أو من الشخصيات الوطنيه  !!!!!! وتنفق الملايين في مهرجان الأردن على أليسا ونانسي عجرم وهيفاء وهبي!.

*  أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد