العيد في الاسلام

mainThumb

11-09-2010 06:00 PM

حق للمسلمين الذين جاهدوا أنفسهم طوال رمضان المبارك وبذلوا غاية الجهد ليتغلب عنصر الخير فيهم على نوازع الأنانية والأثرة وحب الذات، حق لهم أن يفرحوا بسعيهم المبارك وجهادهم العسير في سبيل تطوير إنسانيتهم في زمان تباعدت فيه ظروف الحياة المعاصرة بين الإنسان وإنسانيته، ولتأكيد هذا الانتصار النفسي الذي يحققه الصوم في حياة المسلم يفرح الصائم فرحتين كما جاء فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: للصائم فرحتان يفرحهما إذا انتهى رمضان فرحة بفطره وفرحة بصومه إذا لقي ربه،



وقد عبر عن فرحة الصائم بفطره بأحد العيدين اللذين أقرهما وحمل الناس عليهما، فكان عيد الفطر مناسبة سعيدة للفرحة والبهجة يحرم فيها الصوم وتنطلق فيها النفوس على سجيتها بعد أن تحررت على مدى شهر كامل من أكثر قيود الشهوات والأهواء والأطماع وتخلصت من سطوة العادات وسيطرتها على العقول والنفوس العيد في معناه الديني كلمة شكر على تمام العبادة ؛ لا يقولها المؤمن بلسانه ، ولكنها تعتلج في سرائره رضى واطمئنانا ، وتنبلج في علانيته فرحا وابتهاجا ، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشاشة والطلاقة والأنس ، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة . والعيد في معناه الإنساني يوم تلتقي فيه قوة الغني وضعف الفقير على اشتراكية من وحي السماء عنوانها " الزكاة " و " الإحسان " و " التوسعة " ؛ فيطرح الفقير همومه ، ويسمو إلى أفق كانت تصوره له أحلامه ، ويتنزل الغني عن ألوهية كاذبة خضوعا لألوهية الحق في كثير من بيوتنا ,



وكثير من أهلنا يظنون أن العيد للبس الجديد أو طعام شهي ونزهة مثيرة يظنون أن العيد أفلام وهرج ومرج وزينة كثير من الشباب يعتقد أن العيد قد جاء لإشباع رغباته المكبوتة المحرمة , فيبطش ويعصي الله , وإذا سألته .. قال : نحن في عيد ولكن لو نطق العيد .. لقال : ما لهذا خلقت الله وضع لنا عيدين , كلاهما بعد صيام , وحولهما صدقة وأضحية , وفيهما صلاة وخطبة ودعاء يقول الرافعي : فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في اليوم لا اليوم نفسه،



 وكما يفهم الناس هذا المعنى يتلقون هذا اليوم؛ وكأنَّ العيد في الإسلام هو عيد الفكرة العابدة، فأصبح عيد الفكرة العابثة؛ وكانت عبادة الفكر جمعها الأمة في إرادة واحدة على حقيقة عملية، فأصبح عبث الفكرة جمعها الأمة على تقليد بغير حقيقة؛ له مظهر المنفعة وليس له معناها أوبعد كل هذا عندما يأتي , نستقبله بالمعاصي , نستقبله بالإسراف في الملبس والمأكل ؟؟ يستقبله البعض بالحزن على فوات شيء من الملبس عليه أو المأكل أو المظهر , فلا يخرج إلى صلاة العيد كان العيد إثبات الأمة وجودها الروحاني في أجمل معانيه فأصبح إثبات الأمة وجودها الحيواني في أكثر معانيه، وكان يوم استرواح من جدّها، فعاد يوم استراحة الضعف من ذلّه، وكان يوم المبدأ، فرجع يوم المادة .. وأي مادة ؟



؟ فأنت بفهمك للمعنى الحقيقي للعيد , تكون قد استعددت لقدومه , وتجهزت لاستقباله فللعيد معنى إسلاميا ,, يظهر في شكر الله على نعمة تمام العبادة , عبادة الصيام قبله , لا يقولها المؤمن بلسانه إنما بقلبه قبل لسانه ويبرز المعنى الإسلامي في التضحية والنحرلله , وما ذلك إلا تقربا لله وطلب مغفرته وامتثال أوامره , وتجد الحاج مستسلما ليد الحلاق يحلق شعره الذي حافظ عليه وطيبه ورجّله وهو سعيد وفرح يذكر الله , يرمي حجرا ويسعى ليقبل آخر يوم العيد , يوم أن يتحلل الحجاج من إحرامهم , فهو يوم عبادة وللعيد معنى إنسانيا , حينما يلتقي الغني بالفقير , يصلون في الخلاء سوية , يبتسمون لبعضهم , يضحكون , يسلمون على أنفسهم , فيعود الغني مسرورا ويعود الفقير مرضيا والعيد في معناه الروحي , حيث تجد العاصي والمذنب , تجد العابد والتائب , تجد الجميع مجتمعين , فتجد العاصي قد شعر بقرب من الله سبحانه وتعالى , وتجد العابد قد زادت روحه رقيا , وكأن سيئات هؤلاء وصلاح الصالحين قد ضربوا في بعضهم فخرجت شحنة جديدة , شحنة إيمانية أعادت الجميع لربهم وجعلت أقدامهم على أول عتبات القرب من الله سبحانه وتعالى .



 تجد للعيد معنى زمنيا فعندما مر العيد على الرافعي تنبه إلى معانيه العظيمة فكتب عنه كثيرا ومما كتب : ليس العيدُ إلا إشعار هذه الأمة بأنَّ فيها قوة تغيير الأيام، لا إشعارها بأنَّ الأيام تتغير .. فالعيد حفل سنوي يذكرنا بانتصارات واجتماعات ناجحة تجد في العيد يجتمع المسلمون , يهنئون بعضهم , يضحكون , فترى في اجتماعهم الضاحك قوة , وفي مسامرتهم مشورة , وفي تهنئتهم رباط لم يستطع غيرهم أن يصنعوه تجد في كل عيد منحة , فهي منحة من الفقراء للأغنياء , ومنحة الله لعباده الأغنياء ,



 ففي الفطر صدقة الفطر التي يردها الغني للفقير , فتجعل الفقير يرضى عنه , يحبه يشكره , تجعلهم مترابطين , متكافلين , يشعر بعضهم ببعض وفي الأضحى تجد الأضحية , فيوزع الغني على أهله والفقراء من أضحيته , فيأنسوا بهديته , فتزداد رابطة الحب , والتكافل بين المسلمين ومعنى اجتماعيا , ربما لو بحثت عن اسم مختلف للعيد لما وجدت غير يوم الفرح , وأي فرح لا يكون إلا في اجتماع بشري , تجد أفضل من يفهمون معنى العيد هم الأطفال , فتجد حبهم له ولهفتهم عليه تجعلهم يحسبون الأيام حتى لقياه , فهو يوم الفرح , يوم لعب الطفل مع الطفل والطفل مع البالغ , يوم يشعر ان العالم كله جعل عيدا , فيستهلك كل طاقته حتى يظن الناظر إلى الطفل عند نومه انه قد اكتفى لعبا وفرحا , فتجده يصحو صباحا ليواصل فرحه ولعبه , فأظن أن الأطفال قد فهموا العيد عن البالغين , فالعيد هو معنى , وليس يوما



, فلو كان العيد يوما لانتهى بميلاد اليوم التالي , إنما العيد معنى للصفات والأعمال المتجددة , هو معنى يجب أن يظل في قلوبنا , معنى الفرح , معنى التوبة , معنى الطاعة , معنى التضحية , معنى الاستسلام , معنى التكافل , معنى الكرم , معنى الطاعة , معنى الجماعة , معنى الجسد الواحد ربما لدى البعض أكون قد انتهيت من معنى العيد .. ولكن في بلدنا الحبيسة , فالعيد يمر على الجميع كأنه عيد , ويجيء على أقوام هم منا في درجة المجاهدين , فيمر عليهم بحزن يلفهم وألم يعتصرهم , وفرحة باهتة , قوم أسر والدهم أو أخوهم او ولدهم فتجد الحزن قد أصاب الأسير .. وأهله أخيرا ..



لا أجد أفضل مما ذكره الرافعي رحمه الله أختتم به كلامي : هذه المعاني السياسية القوية هي التي من أجلها فُرض العيد ميراثاً دهرياً في الإسلام، ليستخرج أهل كلّ زمن من معاني زمنهم فيضيفوا إلى المثال أمثلة مما يبدعه نشاط الأمة، ويحققه خيالها، وتقتضيه مصالحها وما أحسبُ الجمعة قد فُرضت على المسلمين عيداً أسبوعياً يشترط فيه الخطيب والمنبر والمسجد الجامع ـ إلا تهيئة لذلك المعنى وإعداداً له؛ ففي كل سبعة أيام مسلمة يوم يجيء فيشعر الناس معنى القائد الحربي للشعب كله ألا ليت المنابر الإسلامية لا يخطب عليها إلا رجال فيهم أرواح المدافع، لا رجال في أيديهم سيوف من خشب ألا ليت في العيد أناس يفهمون معانيه التي وضعها الله سبحانه وتعالى لها , حتى إذا قضوا الصلاة عادوا إلى بيوتهم على قلب رجل واحد , فتقوى شوكتهم بين الأمم , ويعود المسلمين كما بدأوا .. جماعة, فلن يصلح أمر الجماعة الحالية للمسلمين إلا بما صلحت به الجماعة الأولى تقبــــــــــــــــــــــــل الله منــــا ومنـــــــــــــــــــــكم 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد