عندما تصبح الشهادة غاية .. والتعليم وسيلة ؟

mainThumb

31-10-2010 09:45 PM

( بابا حبيبي..ماما حبيبتي...شدًوا حيلكوا حتى اتجيبوا الشهادة الكبيرة.)
من هنا وبهذه الكلمات المؤثرة و المتكررة باستمرار, يبدأ الانحراف والتشويه في الغاية الأساسية من التعليم, فما أن تطأ أقدام أبنائنا أولى مراحل التعليم الأساسي, إلى أن تنتهي بالتعليم العالي, ونحن نسمع نفس العبارات, فتنقلب الأمور, وتنحرف الغاية, ونحيد عن الهدف الأسمى؛ وهو العلم, وتصبح الغاية وسيلة والوسيلة غاية, فالعلم بات وسيلة ..والشهادة هي الغاية ( هذه الورقة التي لا تتجاوز مساحتها 35*25 سم ) وما التعليم هنا إلا واحد من وسائل كثيرة, يسعى الأبناء من أجلها وبشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة للحصول عليها؛ لإرضاء العادات الاجتماعية السلبية.؟


نبذل الغالي والنفيس نبيع الأرض نجوع ونعرى للحصول عليها إنها الغاية الأسمى؛ فبهذه الورقة ترتقي المكانة الاجتماعية  وبها يتباهى الآباء, و يتوظف الأبناء, وتتزوج الفتيات, وتتزين بها الجدران  ويحضرني هنا قول الشاعر:

إني رأيت الناس في عصرنا..........لا يطلبون العلم للعلم
إلا مباهاة لأصحابه..................وعدة للغش والظلم


كما أن الغش هو وسيلة من وسائل عديدة للحصول عليها, وتحضرني قصة الوالد التربوي, مدير إحدى المدارس, عندما دخل إحدى المكتبات (حيث كنت موجودا), ليطلب من صاحب المكتبة, وبدون أدنى حياء جميع كتب التخصص (بالأحجام الصغيرة) والمصوًرة خصيصا للغش؛ لأن ابنته المصونة ستدخل امتحان الشامل في حينها...؟!..والله نجحت و حصلت على الشهادة وزغردي يا أمها وسمعي الجيران.

نعم إنها الشهادة وليس العلم الذي يتزين به المرء هذا الزمان, أما قديما فكان العلم زينة المرء:
تعلم فإن العلم أزين للفتى...من الحلة الحسناء عند التكلم وقلة هم الآباء الذين يسألون عن تحصيل أبنائهم, وقلة من القلة من يهتمون بالعلم والمعرفة التي اكتسبها الأبناء من الدراسة؛ كأن يسأل الأب, أو الأم الابن عن جديد ما تعلّم, وكيفية تطبيق ما تعلمه, وكيف انعكس على أخلاقه وتفكيره وحياته, بعيدا عن العلامات والشهادة. إن معيار تقييم التعليم والعلم يجب أن لا يرتبط فقط بالشهادة, فكم من حملة شهادات جاهلون, بل وفي التخصصات التي ينتسبون إليها.

( الناس كنوه أبا حكم...والله كناه أبا جهل..؟)
وأدرك أن الأمثلة كثيرة عن هذه الفئة..؟ في المقابل هنالك الكثير من العلماء الذين لم تسنح لهم الظروف بالدراسة في المدارس وتحصيل الشهادات, لكنهم أبهروا الدنيا في علومهم؛ كالرافعي مثلا الذي لم ينهِ الصف الخامس أساسي, لكنه أصبح من أقطاب الأدب العربي الحديث..؟! وقصص علماء الغرب كذلك الذين كانت لهم تجارب فاشلة في مدارسهم, ولكنهم أضاؤا الدنيا بعلمهم كأديسون مثلا .؟


إن الخطأ الأكبر في التعليم الذي تورط به الجميع, من آباء ومعلمين ومسؤولين والمجتمع ككل هو: أن الشهادة هي المعيار الأساسي للمرء بعد المال..؟ ليقال: فلان أبو الدكتور, وأخو المهندس, وزوجة الطبيب..! وقد حدثني أحد الزملاء ممن درسوا في بريطانيا: إن هذه الثقافة غير موجودة بتلك المجتمعات, فمن يدرس الطب لا يدرسه لأن والده يريد أن يكون أبا الطبيب, ليتفاخر ويكيد الأقارب, بل من يدرس الطب يدرسه, لأنه يريد أن يكون طبيبا, ويرى بأنه سيبدع في الطب, فيبدع في الطب, وكذلك المهندس, والمعلم ...وربما بعض المهن عندهم أسمى من دراسة الطب, هذه المهن التي تدخل تحت ثقافة العيب عندنا.؟


أيها الناس إن فساد التعليم مرتبط بفساد الثقافة المتأصلة والمتجذرة في عقولنا وقلوبنا, وهي من المظاهر الاجتماعية السلبية التي يجب أن تزول, لنرتقي بالعلم وأهله, وبسقوط هذا المعيار, تتغير الأحوال, وتنتهي البطالة, وتنهض البلاد, عندها فقط يحق لنا أن نفخر ونقول ما قاله الشاعر:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا.......يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا..........ليس الفتى من يقول كان أبي
rawwad2010@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد