طائر على الطريق

طائر على الطريق

21-12-2010 07:59 PM

خبزٌ وملحٌ وقطعة سكر، وبعض أقلامٍ ودفتر ... حياةٌ كريمةٌ ما أتمناه لأبنائي .. ليس أكثر ... هذا ما يدفعنا عادة للهروب تاركين وراءنا وطننا وعائلاتنا وذكرياتنا..هذه الكلمات .. كلماتك يا صديقي لا تزال تسكن أذني.. وتعشعش في ثنايا قلبي. نعم، وهل الحياة الكريمة صارت صعبة المنال علينا حتى باتت كالحلم؟؟ وهل باتت الأرض ترفضنا فنتجه نحو السماء؟؟



تركتَهم بعد العيد ولم تكن تعلم أنه كان يلوح في الأفق خبر... إنه القدر .. إنه القدر ... القدر قد مدّ يديه إليك لتسافرَ لما وراء الزمن.. وتغيب شمسك عن عالمنا لرحيلك يا صديقي .. بكت السماء .. هاجرت الطيور .. وافتقدتك الحياة. قدرنا يا صديقي أن نحلم.. نصنع لأحلامنا أقماراً .. ولكن .....!!!!! ولكن بعد رحيلك يا صديقي صمتَ الكلام .. جفت الأقلام..ضاعت الأحلام.. وصارت أوهام.. يبدو أننا تعبنا من ثقل أحلامنا .. حتى إنها تتلاشى كلما تقدم بنا العمر حتى صار أكبر أحلامنا  لقمة خبز وسقف دار ..


السفر على طريق الموت هو كمن يحمل روحه على كفه..هذا الطريق الذي كنت قد سافرتُ عليه قبلاً، وعند رحيلك يا صديقي أدركت أني قد أكون يوما ما أنا الراحل..ولكن إرادة الله أن تكون أنت من يغادر...



لا ادري لماذا تذكرت رواية (رجال تحت الشمس) لمجموعة من الرجال، فقدوا الحياة التي غامروا بها من اجل لقمة العيش، داخل خزان مجنون في شاحنة داخل صحراء ملتهبة ومجنونة، وانتهت بهم الرحلة ضحايا لموت قاس لا يرحم فوق رمال الصحراء اللهيبة. كما وتذكرت بلوعة وحسرة وحزن لا ينتهي مصير من يطلق عليهم (مهاجرين غير شرعيين) بعد افتقادهم لإسلوب العيش الكريم في أوطانهم، يتوهون في غياهب البحار والمحيطات بحثا عن الكرامة والخبز والمستقبل، فيغرقون في غياهب المياه المظلمة والباردة، تأكلهم اسماك البحار دون أن يجدوا من يصلي عليهم، أو دمعة أم تبكي رحيلهم. يموتون بصمت مطبق فلا قلب يخفق عليهم ولا دمعة تنهمر.



كلنا شركاء في الوطن والماء والخبز....فهل أصبحنا مهاجرين غير شرعيين في بلادنا؟ ترفضنا أشجار بلادنا، وتركلنا حجارتها، نبحث عن بلاد أخرى تقبل بنا وتأوينا بأحضانها. ما بال شبابنا العربي !!! أليس من حقه أخذ فرصته في بلاده؟؟ هل ضاق الوطن حتى عجز عن استيعاب أبنائه وقدراتهم ؟؟ لماذا كٌتب علينا البحث عن لقمة العيش خارج بلادنا، فنموت ونحن لا نجدها؟؟؟ تتساقط أحلامنا كأوراق الخريف..مرة أخرى يبدو أننا قد تعبنا من ثقل هذه الأحلام..حتى إنها أخذت تتلاشى كلما تقدم بنا العمر حتى صار أكبر أحلامنا لقمة خبز وسقف دار..



أيها الطائر المهاجر الذي لقي منيته وهو يحاول تأمين لقمة العيش..غادرت وتركت خلفك أطفالاً صغار بعمر الزهور، وهم الآن بحاجة إلى يد حنونة تقودهم وتوجههم إلى بر الأمان ..حقاً سيفتقدونك كثيراً كثيراً..سيفتقدون حنانك وحبك وعطفك..حنان الأب لا يُعوض..تركتهم يصارعون أمواج الحياة وسط بحر غدار من الظلم والقهر لا يرحم..ولكن لندعو الله أن ينظر إليهم الوطن بعين الرحمة.. الوطن الذي عجز عن تحمل أبنائه وضاق بهم هل ينصفهم ويحتضنهم؟؟؟ ويوصلهم إلى بر الأمان ؟؟؟؟



لقد فرحت الملائكة عندما رفرفت روحك الطاهرة في أرجاء السماء .. في حين بكتك الأرض وما عليها ... إلى روح أخي وصديقي الدكتور محمد خندقجي الذي وافته المنية في حادث سير مروع في طريق عودته إلى عمله في السعودية. رحمك الله يا صديقي وأسكنك فسيح جناته.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد