الإعصار العربي الراهن وانبلاج الفجر

الإعصار العربي الراهن وانبلاج الفجر

15-02-2011 03:05 AM

( ثمن الحرية والكرامة فادح وخطير ومؤلم ، ولكن الاستكانة للذل والظلم  والاستعباد أشد فداحة وخطراً وألماً . الشعوب الحرة الكريمة تغسل عارها وذلها وظلمها بدماء أبناءها بشهدائها وجرحاها فتطهرها من دنسها وأرجا سها فتعود بيضاء نقية كما ولدتها أمها ، أما الشعوب الخانعة الذليلة المستعبدة فهي ليست جديرة بالحياة وخير لها أن تنقرض وتزول فلا يحس بها أحدا ) الكاتب

 
العرب اليوم باتوا محط أنظار العالم واحترامه ، فقد دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه ، فالثورتان التونسية والمصرية أعادت للعرب هيبتهم وعزهم وأمجادهم التليدة ، وكانوا قبل ذلك من المنسيين والمهملين والمهمشين والمستكنين والمتثاقلين إلى الأرض  والمستبعدين ، بل والمنبوذون من عالم الحرية والتمدن والرقي والتحضر وعصر النور.

 

 هم اليوم والدائرة ما زالت مفتوحة وباب الحرية والكرامة مفتوح على مصراعيه ،  يتقدمون بخطى ثابتة لنيل حريتهم وكرامتهم المفقودة منذ زمن طويل ، بعد أن ارتكزوا إلى الأرض والذل والهوان طيلة خمسة قرون خلت من عمر الأمة ،ومنذ احتلالهم من قبل العثمانيون  وهم اليوم قرروا محو العار وإزالة آثار العدوان من الحكام الطغاة  والذي كانوا سبباً رئيسا بالهزائم والنكبات والنكسات  التي حاقت بهم طيلة هذه الحقبة من الزمن ، وبدئوا اليوم بصياغة فجر جديد وإزاحة الستار عن لوحة فنية شعبية وطنية بانورامية مليئة بالأعاصير والعواصف المزلزلة والمدمرة والبراكين الغاضبة والمتفجرة ، التي تنزل على رؤوس الحكام الطغاة المجرمين ،  فقد ولى زمن الخوف من الطغاة وأجهزتهم القمعية ،وحان موعد النصر وآن للشعوب العربية أن تثأر لكرامتها المهدورة ولحريتها المسلوبة ومواردها وثرواتها المنهوبة ، ولو كلفها الغالي والنفيس من أبناءها وشبابها تحت وابل رصاص المجرمين
 

كان العرب قبل قرن من الزمن تقريباً يتبعون للدولة العثمانية ،والتي حكمتهم أربعمائة سنة ، من 1516-1916م وكانوا حينها مهمشون لا دور لهم ، وكانوا وقوداً للمعارك العثمانية التي كانت لا تنقطع أبداً ،  نهاية بسفر برلك الذي قضى على الآلاف منهم ولم يعودوا إلى ديارهم العربية .

وعندما انتهت الدولة العثمانية عام 1916م وغاب نجمها وقع الوطن العربي بعد الحرب العالمية الأولى  تحت مظلة الاستعمار الغربي المتمثل بفرنسا وبريطانيا وايطاليا ، بعد أن خانت هذه الدول الاستعمارية ونكثت عهودها مع العرب وتنصلت من كل الاتفاقيات المعقودة مع قيادة الثورة العربية الكبرى ، والتي قادها الهاشميون من بطاح مكة  بقيادة الشريف الحسين بن علي ، وتم تنفيذ اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا والتي تنص على تقسيم الوطن العربي بينهم ، وصدر وعد بلفور المشئوم ونص على أن فلسطين العربية هي أرض اليهود ومركز دولتهم  وقاوم العرب في كل أقطارهم هذا الاستعمار الجديد ، وسقط الملايين منهم في سبيل نيل الحرية والاستقلال .

 

 خرج الاستعمار من بلاد العرب وكان آخره عام 1970م من دول الخليج العربي ، خرج بجيوشه وأسلحته ومدفعيته ودباباته ودخل عن طريق الغزو الثقافي وبقاء المستشارين الأجانب وبعباءة جديدة ، خرج من الباب ودخل من الشباك بفعل حكامه وتبعيتهم لقوى الاستكبار العالمي ،بعد أن داس هؤلأ الحكام على كل التضحيات من الشعوب  وتركوا في كل بلد عربي عملاء لهم كثيرون يأتمرون بأمرهم وينفذون خططهم وأحابيلهم .وأصبح الحكام العرب يتقربون من المستكبرين ويلقون بثقلهم في أحضانهم متوسلين مستعطفين أن يبقوهم حكاماً في مقابل كل شيء يريدونه ولو كان على حساب دينهم وشرفهم وكرامتهم  وشعوبهم بل ويتنافسون فيما بينهم على الفوز بحب أمريكا وإسرائيل ويتسابقون لتسهيل مخططاتها وإجرامها بفتح أراضي وسماء أوطانهم ، لتكون لقمة سائغة للعدو ، يصول ويجول بها بمباركة من هذه الأنظمة العميلة المأجورة ، في مقابل جلوس هؤلأ الحكام على كراسيهم العفنة  ، وأصبحوا عبيداً لأسيادهم وموظفين ليس أكثر في أوطانهم .

 

 

تحررت البلاد العربية من الاستعمار واستقلت جميع أقطارها شكلاً فقط والتي وصلت اليوم إلى 23 دولة بعد أن كانت دولة عربية واحدة  ، وبدأت هذه الدول العربية المصطنعة التي قسمها سايكس بيكو كما الكعكة و وصنعت على عين الدول الغربية المستعمرة ،  تحتفل باستقلالها كل عام في يوم محدد من العام وتقيم به الأفراح والليالي الملاح وتصدح به الموسيقى وتنثر الورود في الشوارع ، في طول البلاد العربية وعرضها ،  بينما الحقيقة المرة والمؤلمة للنفس أن هذه الدول ما زالت بل أشد من ذي قبل في ولائها للاستعمار بكافة أشكاله ، بل وتخضع له في كل سياساته وأهدافه ويصح القول بأنها تابع ذليل له ، رغم أن هذه الأنظمة جميعها أقسمت بوضع يدها على القرآن الكريم لحظة استلامها ،  على المحافظة على الأوطان والدستور ، ولكنها نكثت بيمينها إرضاء للغرب وأصبحت  تنفذ مخططاته حرفياً ولو كانت ضد الشعوب وحريتها وكرامتها ، ولكي تنجح حكومات هذه الدول العربية المصطنعة وتثبت كفاءتها وحسن طاعتها وانقيادها للمستعمر، تسلم زمام السلطة في عتمة الليل وعلى ظهور الدبابات ،  حكام طغاة دكتاتوريون فاسدون عملاء مأجورون ، وطبقوا عليها ما يعرف بقوانين الطوارئ ، وهو السيف المصلت على رقاب الشعوب ، والذي لا يعترف بحق الشعوب في حريتها وكرامتها ، بل ومن خلاله أقاموا كل أشكال القمع والتعسف والتنكيل والسحق والتدمير لكل ما هو وطني وقيدوا الحريات وكمموا الأفواه والأقلام وزجوا في سجونهم الأبرياء والأحرار ، وأذاقوا شعوبهم الويلات والمصائب والنكبات .ونهبوا مواردها وخيراتهاوامتلئت خزائن وبنوك الغرب حتى فاضت من هذا المال المسروق من قوت الشعب ولقمة عيشه  .

 

إن التغيير الجاري في المنطقة العربية اليوم ، وهذه الانتفاضات الشعبية والثورات لهذه الشعوب المسحوقة والمظلومة  ، ليس تغييراً شكلياً لا قيمة له, ولكنها نقلة نوعية ثورية جديدة ستكون لها تداعياتها الهامة ، التي سوف تفرض على العالم التعامل مع المنطقة بشكل مختلف ،  ولاسيما بعد إغلاق جزءاً من الصفحة البائسة لنظام الحكم العربي , ومن الطبيعي أن ندعو لإقامة منطقة عربية ديمقراطية ولقانون عصري متحضر يحكمها ويقوم على أساس العدل والحرية والمساواة والفصل بين السلطات الثلاث وقيام مجالس نيابية منتخبة من الشعب نزيهة وشفافة والتسليم ب ا لتعددية الحزبية واحترام الدستور ، والقضاء على البطالة والفساد والرشوة والشللية والواسطة والمحسوبية
 

تعاني أمتنا اليوم من جراح نازفة ، من العراق الجرح النازف في الأمة , إلى تونس الخضراء , إلى مصرا لكنانة, إلى السودان الدولتين , من فلسطين ومن القدس عاصمة وعروسة الأمة المسلوبة , إلى الانقسام الذي يمزقها , إلى لبنان وسورية وليبيا والجزائر واليمن والمغرب والأردن والبحرين والسعودية وبقية دول الخليج، هذه هي صورة الوطن العربي ,مسيرات سلمية وغير سلمية  فوضى وتمزق وإحتلال وإنقسامات, وهذا كله يفرض علينا أن نسأل  من هو المسئول الأول عن هذه الأوضاع ؟؟ وإلى متى ستبقى الحالة العربية هكذا ؟؟

المنطقة العربية مستهدفة من قوى الشر وعلى رأسها أمريكا وسياساتها التي تكيل بمكيالين و المهيمنة على خيارات شعوب المنطقة وفرض الأمر الواقع عليها وسلبها إرادتها السياسية والعسكرية والثقافية , ولا خلاف على أن وجود إسرائيل هو الجزء الأهم في عدم استقرار الأمور هنا, وكما لإيران مصلحة في ذلك وتلتقي مع إسرائيل والولايات المتحدة على هذا الهدف, ومن هنا مرة أخرى تجعلنا الأمور أن نسأل ؟؟ لماذا نحن العرب مستهدفون ؟؟ أليس من حقنا أن نحاول فهم ما يدور من حولنا ؟؟ نعم لنا كل الحق في ذلك, وعلينا أن نقول بكل صراحة وجرأة, إن نظام الحكم العربي الحالي هو المسئول الأول عن هذه الأوضاع السيئة المخزية ، وهو الذي يتحمل مسؤولية الانتكاسات والإخفاقات العربية ، وعدم التوصل الى حل عادل للقضية الفلسطينية ومصير القدس قبلة المسلمين الأولى .

وحيث لن تكتفي هذه الحكومات عند هذا التراجع , بل وقفت ضد الحريات والتنمية وضد بناء موقف عربي من القضايا العربية الراهنة وضد الحداثة والتغيير, وفشلت في بناء موقف وطني من الاحتلال الإسرائيلي يخدم القضية الفلسطينية, وهي تمتلك عوامل الضغط على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي .
رحلة التغيير انطلقت من تونس ومصر وستصل إلى باقي الدول العربية لتعلن عن إعادة صياغة المنطقة العربية بطريقة شعوبها التي خرجت من رحم المعانة والظلم والقهر لتقول كلمتها على الأرض ما يقال في :الدستور (مصدر السلطات الشعب) والشعب قوة قاهرة مزلزلة ، لا يستطيع أحد مهما أوتي من القوة أن يقف في وجه الإعصار، ومن يقف لا شك بأنه سيطير إذا ما عرفنا أن للشعوب الثائرة الغاضبة  سرعة تفوق أضعاف سرعة الأعاصير والعواصف العاتية المزمجرة ، وختاماً أهمس في آذان الحكام الطغاة أن يحرروا شعوبهم قبل أن تتحرر منهم وتلقيهم في مزابل التاريخ . 
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد