الليبرالية الجديدة .. ماذا فعلت في بلادنا !!

الليبرالية الجديدة  ..  ماذا فعلت في بلادنا !!

11-07-2011 06:27 PM

... وجدت العدالة منذ اقدم العصور رموزاً لها في الأساطير والشعر والنحت والعمارة، بوصفها مطلباً جوهرياً يثير بشكل صارخ او صامت أي إنسان على أساس قوة وجوده ، ويعبّر في الوقت ذاته عن الشكل الذي يتحقق في إطاره ذلك الإنسان ، فارتبطت العدالة لدى الانسان بالنظام مثلما ارتبطت قيم الخير كلها به، وارتبط الظلم بالفوضى مثلما ارتبطت قيم الشر كلها به ، فهو ليس تجريداً في عالم العقل لا سبيل لتطبيقه في عالم الواقع.

بل هو حاجة ترتبط بحاجة الأمن واحترام الذات البشرية دون تهديدها او تعريضها للخطر ، فهناك العدالة القائمة على فكرة الحق، وهناك العدالة القائمة على فكرة الخير ، واذا كان تحقيق مفهوم إعطاء كل ذي حق حقه يقوم على فكرة ان استحقاق الإنسان لحقه يعود لمجرد كونه إنساناً، سميت عندها العدالة بـالعدالة الطبيعية ولم تعد من هذا المنظور فكرة العدالة وكـأنها تجلٍ لنفوذ الأقوياء في أي زمان.

فالأفراد الأكثر قوة يصبحون أكثر نجاحاً، وفي النهاية يقنعون أنفسهم والآخرين بأن وسائلهم في تحقيق الأرباح والمحافظة على مكانتهم ليست مقبولة فحسب، ولكنها مرغوبة وأخلاقية وعادله ، إلا ان التاريخ البشري يمكن النظر إليه بوصفه تاريخ مقاومة الظلم، وتاريخ الصراعات الدامية من اجل فرض معيار موحد للعدالة، إذ ظل الإنسان ينشد العدالة في كل زمان، مستخدماً في ذلك كل وسائله، ومنها ابسط ألفاظه وأعمق أفكاره على حد سواء. رافق الظلم وجود الإنسان فيها منذ فجر التاريخ .

 فقد ظهرت التفرقة بين الناس، ونشأت بالدرجة الأولى عن مفهوم المِلكية الذي يعتمد على الأنانية والمصلحة الفردية، فمنذ ان انتقل المجتمع البدائي الى مجتمع تـنظيمي، إختفت المساواة و أُلغيت لأن جماعة من الأفراد تملكوا الارض واستغلوا غيرهم، وبمرور الزمن صار لهم قانون يحميهم من كل عقاب، ويحافظ على مصالحهم، ويقر بشرعية الفروق المادية بين الفئات الاجتماعية. فتحولت هذه الفروق بالتدريج الى فروق معنوية أصيلة.

واستمرت تلك الحالة الى مئات السنين ثم اختفت وعادت العدالة وتوزيع الثروات ونشر مبادء الحق والعدالة جزءا اساسيا من اي نظام سياسي يمسك بمفهوم العدالة والخير ، ولا يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية من دون تطابق مفهوم القيم العامة للعدالة على المستوى الاجتماعي والسياسي، ويتطلب ذلك الإرتقاء بمستوى وعي الجمهور فكلما زاد الوعي الاجتماعي تقلصت مساحة خداع السياسي للجمهور، وإن زاد التخلف الاجتماعي توسعت مساحة خداع السياسي للجمهور .

 وفي العالم العربي تمسكت بعض الانظمة السياسية بما سمي عدالة النفوذ والهيمنة والحكم اًلمطلق، وانتقت معايير ونظريات حكم تساند مخططاتها فوجدت ضآلتها فيما عرف ب " النيو ليبرالية " فأصبح النظام هنا اكثر عدائية لمفهوم العدالة الاجتماعية بالرغم من وجود وعي كبير لدى الجماهير حيال حقوقها ، فعمدت تلك الانظمة الى محاربة ذلك الوعي من خلال تحطيم العلاقات الإنسانية بين الناس ضمن ادواتها المتعددة من خلال زيادة مكاسبها المادية والسلطوية واستغلال الشعوب من اجل مصلحتها وعززت ذلك بنفوذ وسلطة القانون المعد مسبقا لحمايتهم ، ومن ثم احاطت نفسها بمؤسسات وافراد تلقي بهم في مختلف مؤسسات الدولة وفي مراكز صنع القرار والتشريع من خلال سياسة الانتقاء والتعيين الفئوي او الشللي ، او من خلال التلاعب بالعمليات الديمقراطية في الانتخابات او غيرها ،واوجدت لنفسها قوات ردع من ذوي المهمات الأمنية الخاصة الذين ظهروا على اشكال سميوا بالبلطجية او الشبيحة او الزعران لمواجهة المدافعين عن العدالة الاجتماعية والمنادين بالعدل وتوزيع الثروات وتحطيم المؤسسة الفاسدة ، فعمدت النيوليبرالية المناهضة للعدالة التوزيعية وما تمثله من مخاطر على الحريات الفردية وبعد ان وصلت الى صناعة القرار بيع مقدرات الوطن ونهب ثرواتها واشاعة الفوضى الاجتماعية ، فتحولت الدولة الى مؤسسة جامعة للضرائب فقط بعد أن انهت دورها الاجتماعي وانهت بذلك معايير العدالة الاجتماعية ، فتراجعت مستويات الخدمات كافة وتجلت اكثر في مجالات التعليم والتعليم العالي والصحة وانتشرت مظاهر البطالة والفقر والجوع وتراجعت مستويات الحرية والتعبير وتضييق مساحة الحرية الاعلامية ، وازدادت مظاهر الاعتداء والبلطجة والتهديد بالقتل وملاحقة اصحاب الرأي ، ووضعوا البلاد في مهب الريح تستجدي المعونة كلما ضاقت بهم السبل على مستوى اقتصادي واجتماعي ، وبتنا عنوان بارز على مستوى الفوضى السياسية وألأمنية التي اباحت التعدي حتى على ممثليات اعلامية ودبلوماسية صديقة دون ان تحرك الحكومات ساكن حيالها .

إن مدار نظرية العدالة هو معالجة الانحراف التي آلت إليها الحالة الاردنية بفعل سياسة النيوليبرالية ،او ما سمي " ألأستبداد الحديث " والتشوهات التي نالت من الديمقراطية الليبرالية التي كنا نسعى لتحقيقها والبادية للعيان في تجلياتها المختلفة والمتمثلة ايضا بتعاظم الأنانية وتضخم الفردانية الاستحواذية ، وتفكك الأواصر الاجتماعية ، وانحسار مفهوم المواطنة واستشراء اللامبالاة السياسية ،وتضخم الحرية على حساب المساواة ، واشاعة الفوضى والتسيب الامني ، كلها انحرافات تجعل نهج الليبرالية السياسية محفوفا بالمخاطر وقد تؤدي ان استمرت الى تعاظم مشكلات الوطن وتلاشي نظامه السياسي والاجتماعي يرمته ان بقينا نراهن على تلك النظريات .  



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

بوتين: روسيا تسعى لإنهاء حرب الغرب بأوكرانيا

المنطقة العربية تسجل أشد حرارة في تاريخها الحديث

أسعار الغاز الطبيعي تقفز لأعلى مستوى منذ 2022

وزير العمل: اتجار بالبشر واستغلال عاملات هاربات

غارات إسرائيلية تستهدف جنوب لبنان بعد تهديدات للسكان

رئيس الاتحاد الكويتي يوضح: حالة حياة الفهد الصحية غير مستقرة

إنهاء الصراع العربي الأسرائيلي أو استمراره بيد الإدارة الأمريكية

تعادل مثير 2-2 بين تونس وفلسطين بعد مباراة حافلة بالندية والإثارة

63 ألف طالب يتقدمون لبرمجية البعثات والمنح والقروض الداخلية

وزيرة التنمية: مكانكم بيننا شعار لدمج وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة

هدم بناية وإصابة فلسطينيين باعتداءات المستوطنين واقتحام الأقصى

لحظة بلحظة .. كيف يهاجم السكر أسنانك؟

ما هي المباراة الأعلى حضورا في بداية كأس العرب 2025؟ .. التفاصيل بالأرقام

وزير الطاقة يؤكد حرص الحكومة على دعم مشاريع تطوير الشبكة الكهربائية

حماس: استشهاد 3 أسرى بسجون الاحتلال يؤكد سياسة القتل المتعمدة