رسالة من طفل في المانيا

mainThumb

19-07-2011 02:02 PM

لقد ظننا أنها رحمة حين أخرجنا والدنا من الوطن  إلى العالم الجديد. عالمٌ جديد وأناسٌ جدد. لقد كان السؤال الذي يجول في خاطري دائما هل سأعود إلى صفي القديم والى مدرستي التي اعتدت عليها ؟  الغريب في الأمر أنني وفي ليلة وضحاها أجد نفسي في مكان لا أعرف فيه أحد ، بل وأجد نفسي عاجزا عن الكلام ولا أفهم زملائي في المدرسة الجديدة ، لا أستطيع أن أنسى تلك الليلة حين جاء والدي وكان يلهث وكانت ملامح وجهه مضطربة وقال وكأنه فقد غاليا أو عزيزا عليه  : " يلا بسرعة الطيارة الساعة 1 " ومنذ تلك الساعة فارقت أحبابي وأصدقائي وفارقت روحي جسدي ، وبقيت في عالم الأحزان.

كم تمنيت أن أصطحب دميتي التي أهدتني إياها جدتي في عيد ميلادي التاسع  وكم تمنيت أن أودع أصدقائي ، كم تمنيت أن أقبل سور مدرستي العتيقة ، وكم تمنيت أن أقبل وجنتي بائع الحلوى في حيّنا والذي كان يوزع علينا السكاكر والبوظة عند عودتنا من المدرسة . ما أكثر الأمنيات ولكن الواقع يختلف تماما عن ما كنت أتمناه.

لقد كنت أفكر دائما في بيتنا القديم وماذا حل به ، لكن لم يسمع أحد ما يجول بخاطري وما أفكر به . ها أنا الآن بدأت أتعلم في المدرسة الجديدة وبعد أن سُجلت  فيها بدأت أشعر برهبة ؛ حيث أنني أتكلم في البيت بلغة أصدقائي والتي كنا نتحدث بها دائما لغتنا العربية وأما في المدرسة فنتكلم بلغة  تختلف تماما عما تعلمنا في المدرسة القديمة ، لكن فطرة الله عز وجل أقوى من كل شيء فلقد استطعت من نطق اللغتين.

في كل يوم يزداد شوقي وحنيني إلى الوطن وإلى أصدقائي الذين غادرتهم  من دون أن يكون لي أي خٍيار . لا أبالغ إذا قلت بأن طفولتي قد خدشت بل و حيائي  أيضا ، فلقد تعلمت في المدرسة  ما لا ينبغي أن أتعلمه كطفل  ، ولقد اعتدت عادات لم اعتد عليها في حياتي . وبدأت أشعر بأني ناضج على الرغم من عدم تجاوز سني العاشرة .

لقد تعلمت في المدرسة ما يجري في غرفة النوم بين والدي ووالدتي بالتفصيل ، الأمر الذي اختلف مع فطرتي كطفل شرقي مسلم وقد كانت ردة فعلي واضحة حيث أنني باشرت في البكاء ولكن لم أجد من يمسح دمعتي غير الأستاذ والذي ظننت أنه رجل فاجر ، وهكذا حتى اختفت براءتي وتبددت خصال الطفولة مني ، وأصبحت شابا وأنا في ريعان طفولتي.

إن العجيب في الأمر  بأنني أعتدت على صفي القديم والذي يخلو من الفتيات ، لقد كنت خجولا جدا ، بشكل خاص إذا أجلسني الأستاذ بجانب إحدى الفتيات ، لقد كانت ردود فعلي واضحة فلم يخبئ وجهي المُحمر إلا مشاعر البراءة والطفولة .

لقد حاول والدي المسكين أن ينقذ الموقف . حاول والدي المسكين في كل مكان باحثا عن من يحل لنا هذه المشكلة فعلى سبيل المثال  في  المساجد ودور تحفيظ القرآن الكريم. بحث والدنا المسكين عن الآمان سائلا المولى بأن يحفظنا ، ولكن من دون فائدة تذكر . لقد كان تأثير المدرسة علي كبيرا ولا أنكر بأنني أصبحت طفلا شريرا يرد الجواب في وجه والده أحيانا ويندم في وقت آخر ويعتذر للأب المسكين ، لقد تحولت الى شاب غربي الماني بشكل شرقي عربي.
فهل  يا ترى قد كانت رحمة بأن أخرجننا والدانا من الوطن ؟؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد