الكذبة التاريخية الكبرى

mainThumb

25-09-2011 10:48 AM

لقد تصاعد الحديث في الأوساط الصهيونية في كيان الاحتلال عن إن الأردن هو وطن الفلسطينيين وعن إقامة دولة فلسطينية في الأردن وفي نفس الوقت ظهرت دعوات صهيونية تنادي أن الأردن ليس وطنا لا للأردنيين ولا للفلسطينيين وانه جزء من دولة إسرائيل الكبرى وبالتالي يجب طرد السكان الموجودين في الأردن تمهيدا للاستيطان اليهودي فيه.

هذه الدعوات جاءت بناء على الأسطورة اليهودية التي تتحدث عن إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل والتي أقامها داود وسليمان وكانت إمبراطورية عظمى امتدت من العراق في الشرق إلى مصر في الغرب وان عاصمتها كانت القدس وإنها امتدت لتصل إلى اليمن بعد زواج سليمان من بلقيس.

هذه الرواية الخيالية اخترعها كاتب التوراة وللأسف صدقها العالم وكتبة التفسير العرب وبعض مؤرخيهم الذين اعتمدوا على الإسرائيليات عند تفسيرهم للنصوص القرآنية التي تتحدث عن داود وسليمان عليهما السلام.

ومن أمثلة الشطط المعتمد على الإسرائيليات عند المفسرين والمؤرخين العرب هو ما ذكره ابن خلدون في مقدمته من أن بعضهم ذكر أن عدد اليهود الذين خرجوا مع موسى عليه السلام من مصر هو ستمائة ألف وهذا عدد لايقبله العقل البشري. فلو افترضنا أن عدد بني يعقوب الذين أتوا إلى مصر مع يوسف بأولادهم وزوجاتهم هو مائة فان هذا العدد من المستحيل أن يصل إلى ستمائة إلف في ثلاثمائة سنة هي الفرق الزمني بين يوسف وموسى.

 احد الأخطاء التي وقع بها مؤرخونا العرب هو حديثهم عن ملك فرعوني اسمه الحارث والحارث هو اسم عربي والمخطوطات المصرية لا تذكر أي من الملوك بهذا الاسم.

 أنا هنا أحاول مناقشة قصة سليمان في السياق التاريخي وليس الديني حتى لا يتنطع احد الشيوخ ويتهمني بالزندقة والكفر. وانا لا أنكر نبوة سليمان وداود ولكني أريد أن أضعها في السياق التاريخي الصحيح بعيدا عن الهلوسات التي ذكرت في التوراة وصدقها المؤرخون العرب بحسن نية ربما لوضع هالة من القداسة على نبيين من أنبياء الله.

هؤلاء المفسرون اخذوا ايجابيات الطرح التوراتي للنبيين وتركوا السلبيات بناء على القناعة الإسلامية بعصمة الأنبياء. السؤال الكبير هو أين دولة داود وسليمان وهل لها وجود؟ المعروف أن التوراة التي نزلت على موسى عليه السلام قد فقدت بعد فترة وجيزة من موته وان التوراة الموجودة حاليا هو كتاب ألفه حاخامات اليهود مع التلمود في القرنين الثاني والأول قبل الميلاد أي بعد ألف سنة على وفاة موسى وسبعمائة سنة على وفاة سليمان.

ونحن كمسلمين لا بد أن نصدق بعض الحقائق مما ورد فيه ونرفض معظمه لأنه لا يتفق مع عقلنا الإسلامي. في افتتاح مؤتمر مدريد تحدث رئيس الوفد الصهيوني عن تاريخ يهودي في المنطقة يمتد لأربعة آلاف سنة بينما تجاهلت وفودنا تاريخا يمتد إلى سبعة ألاف سنة واختصروا التاريخ بحدود الرابع من حزيران 1967.

لقد خدع اليهود العالم منذ ألفي عام بالحديث عن دولة يهودية موحدة وإمبراطورية سيطرت على كل المنطقة بناء على أساطير ألفوها في كتابهم المقدس. يبدو أن مؤلف التوراة حين تحدث عن توحيد الممالك اليهودية على يد الملك شاول في القرن الحادي عشر ق.م وتوسع الدولة لتشمل كل بلاد الشام إضافة إلى مصر والعراق على يد داود وابنه سليمان في القرن العاشر قد غاب عن باله أن هذه الفترة قد شهدت ظهور الأسرة الفرعونية الثانية والعشرون في مصر والتي شهدت تنامي قوة مصر العسكرية وظهور إمبراطورية عظمى في المنطقة هي الأشوريون في العراق والذين كانوا في عصرهم الذهبي الذي امتد لقرون بعد هذا التاريخ.

 فضلا عن أن المنطقة التي كانت تفصل فلسطين مقر سليمان حسب ادعاء التوراة عن العراق كان بها عدة ممالك قوية لا يستهان بها قبل اجتياحها من قبل الأشوريين وهذه الممالك هي المؤابيون والعمونيون والادوميون إضافة إلى الآراميين الذي كانوا يجوبون صحراء بادية الشام .

وفي الغرب كان هناك الفلسطينيون الذي سيطروا على الساحل الجنوبي لفلسطين بينما سيطر الفينيقيون على الساحل الشمالي وصولا إلى الحدود التركية الحالية.

أين هي إذا دولة اليهود الموحدة ؟ كيف إذا تغلب سليمان على هذه الممالك القوية؟ لا يوجد أي نقش يعود إلى أي من هذه الأقوام يؤيد هذه الواقعة لا يوجد في النقوش المصرية التي تؤرخ هذه الفترة أي ذكر لدولة يهودية وكذلك الأمر بالنسبة للنقوش الأشورية بينما نجد هذه النقوش تأتي على ذكر الممالك التي كانت موجدة من مؤابيين وآراميين وغيرهم الااننا لانعثر على نقش واحد يذكر المملكة اليهودية فضلا عن أن جميع البعثات الأثرية التي أرسلت إلى فلسطين منذ عهد الملكة فيكتوريا في القرن التاسع عشر للبحث عن اثر للمملكة المفقودة لم تجد ولو أثرا بسيطا يدل على وجود هذه الدولة.

لكننا نجد بعض الآثار في نقش ميشع المؤابي الذي خلد نصره على الملك اليهودي عمري في حالي 850 ق.م وكذلك نقش أشوري يتحدث عن عمري هذا بعد ذلك بعدة سنوات أي بعد التاريخ التوراتي للدولة الموحدة بثمانين عاما حيث أن سليمان قد توفي عام 931 ق.م. البروفسور إسرائيل فينكلستاين من جامعة تل أبيب والمؤرخ سيلبرمان من جامعة بوسطن يتفقان على أن الدولة اليهودية الموحدة هي اختراع مخيلات كتبة التوراة بينما يذهب عالم الإنسانيات توماس تومسون من جامعة كوبنهاجن إلى ابعد من ذلك حين يصرح أن التوراة لا يمكن الوثوق بها.

ويذهب بعيدا أيضا بالقول حسب الاكتشافات الاثرية أن القدس في القرن العاشر الميلادي لم تكن تتعدى قرية صغيرة ولا يتعدى سكانها بضع مئات من الناس.

بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس بدأت الدوائر الصهيونية حملة حفريات تحت المسجد الأقصى للبحث عن هيكل سليمان المزعوم ولغاية الآن لم يتم العثور على أي اثر يدل على وجود اليهود في المدينة أو على الأقل قرب المسجد الأقصى. تتحدث الرواية اليهودية في التوراة عن قصة سليمان مع ملكة سبأ وكيف إن سليمان اخضع مملكتها وتزوجها.

وهذه القصة ذكرت في القران الكريم . القران لم يأت بتفصيلات كثيرة عن ملكة سبأ وقومها ولا المكان الذي كانوا يعيشون فيه. كل ما ورد هو ذكر سيطرة سليمان على الجن وتسخير الرياح ومخاطبته للحيوانات والطيور. لم يذكر القران شيئا عن مملكة سليمان واتساعها والملوك الذين يدفعون له الجزية.

 ما ذكر فقط أن ملكة سبأ ظنت ارض القصر ماءا. المفسرون المسلمون التقطوا القصة وذهبوا إلى الإسرائيليات ليكملوها. فجعلوا بلقيس من اليمن التي تبعد ألاف الأميال عن مملكة سليمان لأنهم قرأوا اسم سبأ والمعلوم إن دولة سبأ لم تنشأ في اليمن إلا في القرن الرابع قبل الميلاد وانا هنا لا ألومهم في هذا الخلط فقد خلطوا أيضا حين صوروا مدائن صالح الواقعة في شمال الجزيرة العربية على أنها الأرض التي كانت تقيم فيها ثمود قوم النبي صالح عليه السلام بينما هي مدينة من مدن الأنباط.

ولا يظهر تاريخ اليمن أنها حكمت في يوم من الأيام من قبل ملكة إنما كان كل ملوكها من الذكور. على أن نقشا أشوريا يتطرق إلى اسم سبأ في القرن العاشر ق.م ليصف مجموعة بشرية كانت تستوطن شمال الجزيرة العربية القريبة من فلسطين.

ويعتقد الباحثون أن هذه المجوعة البشرية قد هاجرت من شمال الجزيرة العربية إلى اليمن في جنوبها لتؤسس دولة سبأ التي ظهرت إلى الوجود بعد مئات السنين من وجود الدولة اليهودية الموحدة المزعومة .

ووجود ملكة أنثى لسبأ لا يفسره أيضا إلا النقوش الأشورية التي تذكر وجود عدة ممالك في شمال الجزيرة تحكمها ملكات ولعل الملكة التي تزوجها سليمان منهن وهذا ما يستقيم مع طبيعة العقل البشري لقرب شمال الجزيرة العربية من ارض فلسطين لا أن نقول أنها ملكة في اليمن. وهذا التفسير أيضا يقودنا إلى السؤال عن وجود المملكة الموحدة لليهود.

اعتقد أن اليهود قد بدأوا مخطط الكذبة الكبرى أثناء وجودهم في السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر.

 وأنهم أسسوا هناك النواة الأولى لحركة النورانيين التي هي أساس الماسونية الحالية.

وأنهم بدأوا مخططهم في بابل مخطط السيطرة على عقول البشر وان حركتهم هذه أخذت عدة قرون بعد ذلك لتأليف التوراة والتلمود والزعم أنهما الكتب المقدسة التي أنزلت على موسى عليه السلام. وهذان الكتابان ظهرا للوجود خلال القرن الأول ق.م. وتمت إضافة موضوع الدولة اليهودية الموحدة لتأثرهم بتاريخ قورش موحد الدولة الفارسية والاسكندر المقدوني موحد اليونان الذي سيطر على المنطقة هو وخلفائه من بعده.

وأرادوا اعتراف الأمم الأخرى بهم كشعب له تاريخ في المنطقة. وهذه الكذبة استمرت وتم تطعيم الأفكار المسيحية بها بعد دخول المسيحية إلى أوروبا. وهذه الكذبة استمرت إلى أن التقطتها الحركة الصهيونية في العصر الحديث وبنت عليها ضرورة إحياء الدولة اليهودية في فلسطين مرتكزة على اقتناع العالم الغربي بأسطورة ارض إسرائيل وحق اليهود فيها على الرغم من كل الدلائل العلمية والأثرية التي أثبتت أن هذه الدولة لم يكن لها وجود على الإطلاق.

 استمرار خداع العالم مستمر إلى الآن وما الحديث عن ضم الأردن ومناطق عربية أخرى إلى دولة الاحتلال إلا استمرارا لخداع العالم بالدولة المفقودة والوعد الإلهي وشعب الله المختار. لقد أصبح الأردن في خط الخطر ومواجهة ذلك لا تتم بالعنتريات الفارغة وتقسيم الشعب بل تكون بأردن موحد منسجم مع نفسه ومساندة الشعب الفلسطيني بالمقاومة والتشبث بالأرض لأنه على ما يبدو فأن العلم سيبقى مخدوعا بهذه الأسطورة إلى ما لا نهاية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد