كنت قد كتبت سابقاً أن شخصية الرئيس المنقذ، وشخصية الرئيس الرمز، وشخصية الرئيس الوطنية كلها أصبحت من المسميات التي أكل وشرب الدهر عليها، ولم تعد صالحة للإستهلاك السياسي. وهذه الشخصيات لا وجود لها إلا في أحلامنا الوردية، ولا يجب أن تبقى بعد اليوم في قاموس حياتنا، ذلك أن الرئيس "وحده" لا يمكن له أن ينقذ وطناً يعاني من أزمات بحجم الأزمات التي يعاني منها وطننا، وشخصية الرئيس الرمز لا يحتاجها وطناً كوطننا لأنه لا يعيش حالة ثورية تحتاج لمثل هذا الرئيس الرمز ليقودها، وشخصية الرئيس الوطنية حكماً يجب أن تكون وطنية شعبية لأنه لا يمكن لها إلا أن تكون كذلك إن هي أرادت أن تلقى قبولاً وتعمر في الأيام القادمة.
أول بوادر الإخفاق حتى لا أقول بداية "الفشل الذريع" لدولة الرئيس عون الخصاونة كانت في تقديم الإنطباع لدى الشارع الأردني بأنه يبتعد عن مفهوم العمل "المؤسسي" حيث توج ذلك بترسيخ العشائرية والشللية وتعيين وإرضاء الأقارب وذوي صلة النسب والمصاهرة، فكانت باكورة الإخفاق متمثلة بتعيين إحدى المقربات إليه بالنسب وزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي، حيث تناقلت الصحف والمواقع الإلكترونية أنها كانت مرشحة لتولي حقيبة وزارة التنمية الإجتماعية، غير أنها "فضلت" تولي حقيبة وزارة التعليم العالي، وقد سرب حينها أن دولة الرئيس وافق على توليها هذه الوزارة رغم أنها تحمل درجة علمية ليس لها علاقة ولا تتناسب مع إداراة شؤون التعليم والبحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي.
لم تكن صاحبة المعالي المعنية وهي زوجة إبن عم دولة عون الخصاونة حسب ما نقلت الكثير من المصادر الصحفية الخطأ الأول في مسيرة الإنقاذ الوطني، حيث أعلن دولته على الملأ ودون أدنى حرج بعد أيام من القسم أن حكومته ليست حكومة إنقاذ وطني، تاركاً الشارع الأردني يتساءل أي نوع من الحكومات تكون حكومته إن لم تكن وفي هذا الوقت الحرج حكومة لإنقاذ الوطن؟، ولم يمضي وقتاً طويلاً إلا والأخبار التي كانت تؤكد على أن نصف أعضاء حكومة دولة عون الخصاونة هم من المقربين إليه، إما بالصداقة الحميمة، أو من خلال النسب والمصاهرة، أو من أبناء العمومة، حتى جاءت المفاجاة الثانية لتبدد كل الشائعات التي تم نفيها من قبل دولة الرئيس نفسه وفي أكثر من مناسبة، فبعد إيقاف دام حوالي عشرة شهور لتعيين أحد أقارب دولته كسفير لدى جمهورية مصر في عهد حكومة دولة معروف البخيت، أعيد وبتنسيب من معالي السيد وزير الخارجية تعيين هذه الشخصية المقربة من دولته سفيراً لدى جمهورية مصر العربية. والسؤال هنا هو: أين كان دولة عون الخصاونة؟ هل كان غائباً عن جلسة مجلس الوزراء؟، أم أنه كان لا يعلم أن هذا السفير هو من أبناء عمومته وأخ زوج معالي الوزيرة التي ثار عليها لغط كبير داخل وخارج مجلس النواب كونها مقربة إليه بصلة المصاهرة والنسب؟.
وبغض النظر عن مدى كفاءة ذوي القربى والأصهار الذين تم تعيينهم والذين يخضعون بالقطع لحكم الشارع الأردني فيما يتعلق بجانب القدرة والكفاءة، إلا أن دولته كان بغنى تام عن وضع نفسه في هذا المأزق الذي قد يفسره " وقد فسره" الكثيرون في ظل هذه الظروف العصيبة على أنه عودة للوراء وترسيخاً لمفهوم التوريث العائلي والشللية وسطوة الصداقات، فكان حرياً به أن ينأى بنفسه عن كل ما يثير الشبهات حوله رغم أن الأشخاص المعنيين كانوا قد تولوا مناصبا عليا في غير عهده، ولم يكن أي منهم بحاجة لمزيد من الإسترضاء أو المناصب . وهنا نطرح على دولته سؤالاً نحسبه مشورعا: هل علينا يا دولة الرئيس أن نذكرك بأن قبول هدية تتجاوز قيمتها المئة دينار في دول الغرب غالباً ما يطيح برأس من يتسلم زمام منصب كالذي أنتم غافلون عنه أو هكذا يبدو؟.
إن الظروف التي يعيشها الوطن لا تخفى عليكم يا دولة الرئيس، وهي بالتأكيد لا تخفى على أي مواطن، ورغم ذلك فإن دولتكم قد تركتم الحبل على الغارب بعلم أو دون علم منكم للكثيرين ممن يجيدون الصيد بالماء العكر، فلا أنتم بالذي يظهر جدية بمحاربة الفساد، ولا أنتم بالذي يسرع من خطوات الإصلاح الذي من شأنه أن يعيد للأردن هيبته التي تهدر يومياً على أيدي بعض الخارجين على قوانين الدولة، ويحفظ للأردنيين من شتى المنابت والأصول أمنهم وأمانهم الذي طالما كان عنوانا لحياتنا على مدى عمر دولتنا الحديثة العريقة في اَن واحد.
المظاهرات والحراكات الشعبية في كل محافظاتنا يا دولة الرئيس أصبحت تتزايد وتكبر كما تفعل كرة الثلج، والمشاجرات داخل حرم جامعاتنا المرموقة أمست ظاهرة لا يمكن السكوت عليها أو التغاضي عنها ولو مؤقتاً، أما التصادم بين الأحزاب والعشائر ورغم تحفظي على رأي كل الذين وضعوا أحد الطرفين في خانة المخطئ والمذنب، إلا أنه يبقى الأخطر على الإطلاق ونتائجه على الوطن والمواطن في حال الإستمرار لا تحمد بكل تأكيد عقباه، وهي بحدها الأدنى أخطر بكثير من تعيين أحد أقاربكم بمنصب هنا أو أحد أصهاركم بمنصب هناك على أهمية أنه كان يجب أن لا تفعل.
هناك إحتمالان غاية في الخطورة، أولهما، أن هذه الحكومة التي وصمت"بالعائلية" تم تشكليها دون أدنى علم من دولة الرئيس عون الخصاونة وتحديداً بنصح من شبكة اللوبي الكبيرة التي تتصارع من حوله على ما تبقى من الوطن ومقدراته، الأمر الذي كان له الأثر الواضح على الأقل من ناحية الإبطاء بعملية الإصلاح للحصول على أكبر قدر من المغانم الشخصية، وبالتالي ظهور واستمرار التيارات المحبطة التي لن تستطيع أن تستمر بالالتزام بسياسة ضبط النفس، والثاني، أن الحراكات الشعبية والعشائرية والحزبية والتصادم فيما بينها لديها الإستعداد والقابلية بأن يضحي بعضها ببعضها الأخر "وقد ظهرت البوادر لذلك مؤخراً"، وأن يبذل كل طرف من هذه الأطراف كل ما يستطيع بذله لإبعاد كل من يقف بطريقه حتى يصل إلى الإصلاح أو الخراب على طريقته، وبالتالي تحقيق أحد المأربين على حساب العامة من الشعب، وعليه وفي حال بقي الوضع على ماهو عليه، فإنني لا أستبعد أن يستمر التصادم والحراك والمظاهرات وصولاً للمرحلة التي يتغلب فيها طرف على الأخر وتحقيق طموحاته السياسية أونخوته العشائرية التي لن تكون إلا ذات نتائج سلبية وعلى الجميع . في كلتا الحالتين يجب إحتواء الجميع حتى لا يذهب الوطن إلى الهاوية الذي يعيش حالياً على شفيرها، ولا يوجد وسيلة لتحقيق هذه السياسة أفضل من وسيلة الإسراع بالأصلاح، والبعد عن المماطلة والتسويف، وفوق كل هذا، ومن قبله، ومن بعده، تغليب لغة العقل والحوار....