الأردن والانتماءات الفرعية

الأردن والانتماءات الفرعية

16-01-2012 01:56 PM

" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ". صدق الله العظيم . 

ربما وبعد أكثر من 90 عاما على إعلان إمارة شرق الأردن والتي أصبحت فيما بعد المملكة الاردنيه الهاشمية كما هي الآن , إلا انه ومنذ ذلك الوقت والأردن يعيش وفي داخله هويات متصارعة لا تقل أهميتها كثيراً عن الهوية الاردنيه المعلنة , ولهذا يرعبني حين أجد أن الإحصائيات المتوقعة أن الأردنيين الذين لا يملكون انتماءات فرعيه لا يتجاوزون نصف المواطنين الاردنين ..بينما النصف الأخر لديه هويات أخرى ترتقي في بعض الأوقات لتصبح الهوية الأهم والمرجعية التاريخية .

 ولا يخفى على البعض ان الأردنيين من اصول فلسطينيه وهم من نزحوا للأردن كلاجئين بعد الاحتلال الصهيوني هم الأعلى نسبه من النصف الذي يمتلك انتماءات أخرى , ويرعبني كثيراً ان اجد من ولد هو ووالده و ربما اجداده في الاردن قبل عشرات السنين ما زال بعضهم مصراً على ان فلسطين هي بمثابة الوطن الام بينما الاردن لا يتعدى كونه وطنا يؤويه ويعتاش منه و على ترابه . 

وثمة بعض الاردنيين من اصول ريفية وبدوية وهم رغم تأكيدهم الدائم لانصهارهم مع تراب هذا الوطن وقائده إلا إنهم ربما أحيانا يقدمَون بيئاتهم الاجتماعية على حب الأردن ومصلحته فتجدهم يخالفون القوانين التي حددها لنا قانون الأردن بحجة انهم ابناء العشيره الفلانية او ابناء المنطقة الفلانية . 

و فئة أخرى ثالثه وأخيرة وهي من الأردنيين الذين قدموا من دول عربية مجاورة و أرمن و أكراد وهم على قلتهم كعدد ورغم عدم احتكاكهم بالسياسة أو حتى قضايا الدولة الا أنهم أيضا لا يضعون الأردن اولوية أساسية في حياتهم .. ربما يرتعب البعض من هذا التحليل وربما يتهمني البعض الأخر بأنني أحرض على الفتنة والتفرقة وقد يقفل اخر عيناه عن الحقيقه ويتهمني بالكذب . لكن الحقيقة غير ذلك ابداً مع انني أتمنى لو أنني مخطئ لكن من اطلاعي كأردني وأعيش في هذا الوطن لأكثر من ربع قرن اجد ان التحليل الذي أسلفته هو تحليل صائب وحقيقي رغم الرعب الذي يحتويه ورغم الألم الذي يعصرني وانا اكتب عن وطني بهذا الشكل . 

لكنني لا اكتب من اجل الفتنة ولا من اجل ان أضع إحصاء اجتماعي امام أعينكم , لكنه ناقوس الخطر . نعم الأردن يعيش بهوية داخل هوية وربما انتماءات مركبة يصعب فهما وتفسيرها وهذا كل بسبب السياسة الاردنية الفاشلة على مدار الأعوام الماضية والاسباب التي أدت إلى ذلك هي على النحو التالي :

 1- عدم إيجاد حالة من العدل الحقيقي بين أبناء الأردن الواحد . حيث أن السياسة الاردنية كانت تعمد الى تفرقة المواطنين حسب انتماءاتهم وان تكتفي بمنحهم الوظائف حسب هويَاتهم وهنا أتحدث عن الوظائف العسكرية و الاجهزة الامنية , ووظائف الحكومية , والشركات الخاصة والمطلع على هذه الوظائف وغيرها يجد أنها تكرس مبدأ العنصرية بشكل مطلق .

 2- طريقة تعامل الحكومات الاردنيه والأجهزة الامنيه مع المواطنين الاردنين بشكل انحيازي واضح وهنا تتسم المحاباة والمحسوبية والواسطة .

 3- الإعلام الأردني الرديء الذي يتعمد تسييس الأخبار والقضايا التي على الساحة حتى لو كانت أخبار رياضية او فنية وحتى أخبار الطقس الجوية . 

4-القوى العالمية وأهمها الامريكية والصهيونية و ذلك من خلال تدخلها بسياسة الأردن وبشكل واضح ومستفز وربما من سياساتهم ان يسعوا لتمزيق الداخل الاردني وكل البلاد العربية الى اكثر من فئة واكثر من طائفة كي يتسنى لهم تمرير مخططاتهم في وقت انشغالنا بأمورنا الداخلية الساذجة . ربما يمكن لأي شخص ان يسرد هذه الاسباب وغيرها والتي أوصلتنا الى ما نحن عليه من ضياع للهوية الواحدة حتى اصبح المواطن يصنف حسب تحركاته داخل الوطن الا أصناف مغلوطة وخاطئة , وهنا اخاطب ابناء الاردن الاحرار الاطهار ان يتعاملوا مع الاحداث بشكل منطقي بعيداً عن العنصرية التي لن توصلنا إلا للخراب , فلا يمكن ان كل الذي يتظاهرون بالشارع هم من الذي يضرون بالأردن وحتى ان البعض يربطهم بانتماءات معينه مع إنني اجزم أن الحراكات تضم كل أطياف الأردن ودون استثناء و أتمنى ان لا تقفوا في وجه الاصلاح والمطالبين بالاصلاح تعنتاً بفكرة ان العنصرية الذي يدعمها بعض الأشخاص وبعض الأجهزة , ولا اعتقد ان من المنطق ان نتهمهم بالخونة وإنهم أصحاب أجندات حتى ان البعض ذهب للطلب منهم بحزم حقائبهم وترك هذا البلد وكأن البلد ليس بلدهم والأردن ليس وطنهم و وطن أجدادهم .

 في المقابل أنا متأكد ان ثمة أناس في هذه الحراكات لهم مصالحهم واجندتهم كما ان بعض المسئولين لهم بعض الأجندة , لكن السؤال هل نترك البلد تُنهب وتوزع أمام أعيننا وهل هكذا يحارب الفساد بسماع الأخبار المضللة الكاذبة وقراءة أسماء الوزراء والأمناء والمسئولين الذي سرقوا وباعوا خيرات البلد بدون ان تنحرك او نفعل شيئاً وهل تعتقدون ان من سرقكم سيعيد أموالكم دون ان تطالبون بها وهل تعتقدوا أيضا ان الحكومات التي لم تنتخب من الشعب ولم تستمد شرعيتها من الشعب وان مجلس النواب المزور كما صرح مدير المخابرات الأسبق قادران على محاسبة الفاسدين واسترداد حقوقنا !! انا لا اعتقد والعاقل لا يعتقد أن يكون القضاة والطغاة نفس الأشخاص . 

ربما سيقول لي البعض الملك ماض في الإصلاح سأقول له نعم الملك ماض في الإصلاح لكن الملك يحتاج لمن يساعده الملك يحتاج أن يشاهد إرادة حقيقية من الشعب لتغيرات جذريه في سياسة هذا الوطن وربما ومن هنا أحب أن أؤكد على أننا كأردنيين إذا أردنا أن نقدم خدمه للملك وعربون حب يجب أن نقف معه لا أن نتركه يصارع الجميع لوحده , فثمة ضغوطات داخلية وضغوطات خارجية ومن الأجدر أن نقف معه ونضع يدنا بيده كي نحمي أردننا من كل الأجندات الفاسدة . 

وهنا أؤكد أننا جميعاً يجب أن لا نفرق بين من يسرقنا ومن بتأمر علينا وعلى وطننا فكلاهما ضد الأردن وأبنائه ولا يجب على أبناء هذا الوطن الأصيل أن تختلط عليهم القضايا بحيث لا يفرقوا بين الحق والباطل.

 الأردن يمر بأصعب أيامه و واجبنا نحن أبناء الأردن بكل أطيافه أن نشخص الداء ونضع الدواء و أن لا نبقى نشاهد من يعبث بجروح هذا الأردن العزيز دون أن نحرك ساكناً فيجب أن نتجمع بطرق سلمية وان نُعلم الجميع أننا لا نتفرق أبدا ولا نتنازل عن هذا الوطن وربما تكون هذه بادرة حب وانتماء حقيقي لتراب هذا الوطن . 

وربما حينها يمكن للاردنين بكل أطيافهم وكل تجمعاتهم ان يتفقوا على كلمة واحده هي حب الوطن ورفض التعنصر المغرض وحينها سيكون من الأجدر عقد مؤتمر وطني يضم النخبة الحقيقية من الاردنين لا أن يجتمع الملك مع رؤساء الوزراء الذي البعض منهم متهم بقضايا فساد وآخرون لهم سجل حافل بالمصالح الشخصية والأكيد أن اغلب الأردنيين يجمعون على عدم رضاهم عن هؤلاء الوزراء . 

حمى الله الأردن وطناً وشعباً وقائداً


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد