رقصة الطير المذبوح ..

رقصة الطير المذبوح ..

24-01-2012 11:24 PM

أيام زمان وقبل دخولي المدرسة مروراً بأول سنواتها، أذكر أن الدجاج كان يباع حياً غير مذبوح، وأذكر أننا أيضاً كنا نربيه حول بيتنا الذي لم يكن يزيد عن غرفتين في ذلك الوقت، وأذكر أنه كان لدينا كذلك ( فرن ) الطابون القديم المصنوع من الطين والتبن. أذكر أشياء كثيرة لا داعي لذكرها والمرور عليها الاَن. المهم أن الدجاج حينها كان يشترى لغرضين، إما الذبح والأكل مباشرة، وإما تربيته والإستفادة من البيض والصيصان لاحقاً. بالمحصلة كانت نهاية أية دجاجة لدينا هي الذبح، وعملية الذبح، كانت عملية مؤلمة للدجاجة نفسها ولمن يشاهد ذبحها أيضاً، صحيح ان الدجاجة هي التي ستذبح، وهي التي ستتألم، وهي التي (سترفط) من شدة الألم، وهي التي ستموت، إلا أن مشاهدتها على هذا الحال كان يقشعر له بدني.

ما زلت أذكر تلك الدجاجة البلدية المتمردة التي كانت تأكل العلف في (الخم) وتصيح عندنا، ثم تذهب وتبيض عند الجيران. كنا نتابعها بشكل مستمر، وأحيانا كنا نتركها لأكثر من يوم لنجمع بيضها ولكن دون فائدة أو جدوى، كانت دجاجة متمردة بحق، وفي أخر المطاف انتهي الأمر فيها إلى الذبح  نتيجة لتمردها هذا، ولأننا طبعاً لم نكن نستفيد من بيضها الذي كان يسرق، أو يكسر ونحن نحاول إخراجه من بين الشجيرات والحجارة. كانت دجاجتنا تختار أضيق الأماكن وأكثرها وعورة لتضع بيضها، كانت بحق دجاجة ماكرة وغبية في نفس الوقت، كانت كذلك لأنها لم تفكر كثيراً أن مكرها هذا سوف يؤدي إلى حتفها وذبحها وأكلها كاملة والإستمتاع بعظامها ونخاعها قبل أن توضع أمامنا. كنت شاهداً على ذبحها، ورأيت بأم عيني كيف ظلت ترقص (ترفط) لعدة دقائق بعد ذبحها، ورغم أنني تألمت إلى هذا المشهد، إلا أنني في قرارة نفسي قلت إن ذبحها حلال لأنها دجاجة خائنة.  

 الشارع العربي عموماً والشارع الأردني على وجه الخصوص لا يختلف "أغلبه" كثيراً عن دجاجتنا الماكرة الغبية، إذ لا يوجد حراكاً أكثر مكراً وغباءاً من هذا الحراك الذي يجري على الساحة الأردنية، فهو حراك فريد من نوعه وبكل المقاييس، حراك يضحك حد البكاء، ويبكي حد الموت من الضحك، حراك مؤلم حد النشوة أحياناً، ومحزن حد الكاَبة أحياناً أخرى، حراك يرقص على وقعه كل الجوعى، ويطرب على صخبه كل اللصوص والسارقين، حراك أصبح فيه حفظة القراَن كافرون، وأمسى فيه جاهل القوم إماماً للمسلمين، حراك جمع بين الوطنية والحزبية والعشائرية أحياناً، وفرق بينها أحياناً كثيرة، حراك جمع بين البؤس والشقاء والجوع حيناً،  وتصدره علية القوم ومن أصابهم رغد العيش ويسره أحيانا أخرى، حراك أصاب أكثرنا بلوثة من الهذيان المزمن، وجعل من الحليم فينا يبيت ليلته محتاراً، ويصحو على كثير من أصوات الغباء والمكر والهذيان والهلوسة والتخوين.  

فصيلة الطيور تحوي أنواعاً كثيرة، وأغلبنا أشبه ب(الطيور)، وأغلبنا مذبوح من الوريد إلى الوريد، وأغلبنا يرقص مثل هذه الطيور، لكنني وحتى يومنا هذا لا أعلم لماذا نرقص؟، وعلى ماذا نرقص؟. قد تكون رقصة الطير المذبوح، أقول قد تكون، غير أنني لا أعلم أي نوع من الطيور نكون؟!..... بكل الأحوال، بئست الحراكات الإصلاحية الوطنية والعشائرية التي أصبحت تصنف حفظة القراَن من الكافرين...
أبوي يازيد: أموت وأعرف ليش هالرقصة بتروح وبصير أكبر معارض لما بكون نايم؟؟؟!!!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد