اعتدنا في الإمارات العربية المتحدة، تحقيق الإنجازات التي تحمل الرقم الأوّل، من حيث الأطول والأعلى والأكبر والأضخم والأوسع... وأيضاً من حيث التفرد والسبق والتميز... وهو ما لا يرضى إلا به صاحب السمو الشيخ "محمّد بن راشد آل مكتوم"، نائب الرئيس الإماراتي، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي؛ إذ يقول: "أنا وشعبي نحب المركز الأوّل"، وأمّا أن تحصل الإمارات على صفر، فهو أمر مفاجئ، للوهلة الأولى.
هذا البلد، الذي تعدّ إحدى إماراته (دبي)، المركزَ الماليَّ الأوّلَ في المنطقة، وأهمّ مراكز الاقتصاد العالمي، ويضم أطول برج في العالم (برج خليفة، في دبي)، وأعلى فندق في العالم (فندق "روز ريحان"، في دبي)، وأكبر مركز تسوّق في العالم ("دبي مول")، وأضخم نافورة مياه ملونة وراقصة في العالم ("دبي فاونتن"، في أسفل برج خليفة)، مضافاً إليها أكبر ميناء في العالم (ميناء جبل علي، في دبي)، وأكبر مطار في العالم بحلول السنة الـ2020 (مطار آل مكتوم الدولي، في دبي)... أتصدقون أنّه يحقق نتيجة "صفر"؟!
هذا البلد، الذي حقق أعلى نسبة تمثيل للنساء في العالم، من خلال المجلس الوطني الاتحادي 2011 (بمقام "مجلس نوّاب" أو "مجلس شعب")، وتحتضن عاصمته (أبوظبي)، مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا"، ونُظم فيه مؤتمر البنك الدولي ومجلس النقد العالمي، لأوّل مرّة في بلد عربي (دبي 2003)، وقدّم مساعدات للعالم، بمسلميه وعربه وعجمه، منذ تأسيس اتحاده السباعي، في السنة الـ1971، بقيمة بلغت نحو 170 مليار درهم، وسافر عبر مطاره الدولي في دبي، في السنة الـ2011 الماضية، واحد وخمسون مليون شخص... أيستحيل تداول "الصفر" بين أرقامه؟!
هذه الديرة، صاحبة الاتحاد الناجح الوحيد في الأمّة العربية، وترعى أكبر جائزة للقرآن الكريم في العالم (جائزة دبي الدولية)، وأكبر جائزة للتصوير الضوئي في العالم (جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية، في دبي)، وأكبر جائزة للشعر العربي النبطي (شاعر المليون، في أبوظبي)، وأكبر جائزة للشعر العربي الفصيح (أمير الشعراء، في أبوظبي)، إلى جانب أكبر مهرجان للإبل في العالم (مزايين الظفرة، في أبوظبي)، وأكبر جائزة للصحافة العربية (دبي)، وأول جائزة عربية للعمل التطوعي (الشارقة)، فضلاً عن اختيار إحدى إماراتها (الفجيرة)، مقراً للمكتبة العالمية لفن ("مونودراما": مسرح الممثل الواحد)... أتظنون أنّ صفرها كأصفار أبناء جلدتها وبناتها؟!
هذا القطر الذي يحوي أعلى عدد لجمعيات النفع العام وهيئات العمل الخيري والتطوعي، وأكبر مدينة للخدمات الإنسانية في العالم (دبي)، وأوّل شركة طيران منخفض التكلفة "طيران اقتصادي" في الوطن العربي (طيران العربية، في الشارقة)، وجزيرة اصطناعية سكنية وترفيهية في البحر (نخلة جميرا، في دبي)، وقطاراً كهربائياً آلياً، أي من دون سائق ("مترو دبي")، وأقماراً اصطناعية ("دبي سات"، و"ياه سات" في أبوظبي)، ومدينة "مصدر" في أبوظبي؛ المشروع المثالي في المنطقة لتوليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها بطرائق بديلة... أيعقل ألا يعرف الصفر؟!
نسبة الفقر المدقع صفر، هذا هو صفر الإمارات.
هذه النتيجة أعلنت قبل نحو أسبوعين، في أبوظبي، من قبل كل من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومجلس الإمارات للتنافسية، ودائرة التنمية الاقتصادية لإمارة أبوظبي، إثر إطلاقها تقرير التنمية البشرية العالمي للسنة الـ2011 الماضية، وكشف "احتلال الإمارات في مجال التنمية البشرية، المركز الأوّل بين البلاد العربية، للعام الثاني على التوالي، وتقدمها إلى المركز الثلاثين على مستوى العالم، بعدما كانت في المركز الثاني والثلاثين، في السنة الـ2010، وذلك بعد النرويج وغالبية الدول الأوروبية وأمريكا، التي احتلت المراتب الأولى، وذلك من إجمالي دول التقرير البالغة 187 دولة. وقفز ناتجها المحلي الإجمالي من 6 مليارات ونصف المليار درهم، في السنة الـ1971، إلى أكثر من تريليون درهم، في السنة الـ2010".
كما كشف "بلوغ نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي، نحو 220 ألف درهم، (نحو 59.99 ألف دولار)، لتحتل الإمارات المرتبة الثانية بعد قطر، ولكنّها تتفوق على دول أخرى بفارق كبير يزيد آلاف الدولارات، كأمريكا وبريطانيا وسنغافورة واليابان وكندا والنرويج".
الإمارات وصلت إلى هذه النتيجة، بحسن استغلالها مواردها، وحسن توزيعها ثروتها، ونسبة الصفر تعني عدم وجود فقراء إماراتيين، بحسب المعايير المعتمدة في التقرير.
قد تجد محتاجاً إماراتياً، إلا أنّه ليس هناك فقير واحد بالمعنى الحقيقي للفقر، وهذا بفضل الله، سبحانه وتعالى، وبفضل حكمة قيادة هذا البلد، في إدارة المال وحسن صرفه، وعطفها وحنانها على أبنائها وبناتها، منذ أن يكون واحدهم جنيناً في بطن أمّه، إذ تمتعه برعاية غير مسبوقة، وتمنحه حقه كاملاً، من مولده وحتى مماته، ناهيكم عن إمطارهم بالمكارم.
القيادة هنا تعمل على تأمين أبنائها وبناتها بالتعليم والعلاج المجانيين، في داخل الإمارات وخارجها، ودفع تكاليف الزواج لأبنائها، وبناء المساكن الفخمة لهم، وصيانتها، وأحياناً تأثيثها، إلى جانب دفع علاوات مالية مرتفعة عن الأولاد، وسداد ديون أفرادها للمصارف (نحو ملياري درهم، في السنة الـ2012 الجارية، عن 6830 مديناً إماراتياً)، والإفراج عن السجناء بدفع ما يترتب عليهم للمحاكم، وتمويل مشروعات أفرادها الإنتاجية ودعمها، وزيادة رواتب موظفيها ومتقاعديها، بنسب مرتفعة، بين فترة وأخرى، ومنحهم الفرص للترقي والتطور... بحيث تجاوز الأمر من حق إلى مكرمة.
لا فقير بين الإماراتيين؛ لأنّ القيادة تعيش لأجل شعبها، ولا تميز بين مواطن وآخر، وتنفق المال عليهم بسخاء، وهو التطبيق العملي لمقولة المغفور له بإذن الله، الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان"، مؤسس اتحاد الإمارات العربية: "لا فائدة للمال إذا لم يسخر لمصلحة الشعب"، ومقولته، أيضاً: "بعون الله، وبإرادة صادقة، لا يوجد شيء يستحيل تحقيقه لخدمة الشعب، إذا كان العزم ثابتاً والنوايا خالصة"، وكذلك: "إذا كان الله ـ عزّ وجلّ ـ قد منّ علينا بالثروة، فإن أوّل ما نلتزمه لرضاء الله وشكره، أن نوجّه هذه الثروة لإصلاح البلاد، ولسوق الخير لشعبها"؛ إذ كان ـ رحمه الله ـ يعدّ كل إماراتي ولده كما ولده الذي من صلبه، كان يرعاهم فرداً فرداً، وهذا ما يسير عليه خليفته، صاحب السمو الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان"، الرئيس الإماراتي، إذ يقول: "إن الإنجاز الأكبر والأعظم الذي نفخر به، هو بناء إنسان الإمارات وإعداده وتأهيله، ليحتل مكانه، ويسهم في بناء وطنه، والوصول به إلى مصاف الدول المتقدمة".
الإمارات ليست البلد العربي والإسلامي الوحيد الذي يملك النفط؛ فغالبية بلادنا تملكه، وبعضها يتفوق على الإمارات، إنتاجاً وتصديراً واحتياطاً، ولكنّ هذا البلد ربما يكون الوحيد الذي أحسن استغلال ثروته، ومنح شعبه حقه وزيادة من هذه الثروة، فهناك بلاد مصدرة للنفط ولكنّ بين أهلها جياعاً وفقراء ومَن يعرضون أولادهم للبيع ليأكلوا، وأخرى استخدمت النفط سلاحاً لقتل شعبها، وثالثة أهلها يتسولون هنا وهناك...
أرض العروبة والإسلام أرض مبارك فيها، مملوءة بالخيرات؛ فمن نفط وذهب وحديد، إلى "بوتاس" و"فوسفات" وغابات وخضراوات وفواكه وبحار ومحيطات... إنها أغنى الأرض، ولكنّ هناك مَن يشبع شعبه، وهنالك مَن يجوّعه، هناك مَن يحييه، وهنالك مَن يقتله، هناك مَن يحصِّن فروج أهله، وهنالك مَن يفسح المجال لإفسادهم، هناك مَن استغلّ الثروة لتوحيد شعبه وزيادة لحمته، وهنالك مَن استغلّها لتفريقه شيعاً ودويلات. وهناك مَن يوجِّه الجيوش لمقاتلة أصحاب الفكر والرأي والعلم في بلده، وهنالك مَن يجعلها سياجاً لهم، هناك مَن يحجر على المخترعين والمبتكرين والغيورين، وهنالك مَن يغدق عليهم ويرفعهم، هناك مَن خصّب "يورانيوم"، وأنتج الأسلحة النووية، ولكن لم يستخدمها إلا لذبح الأطفال والرّضع والنساء، وهنالك مَن استخدم ذلك لتوليد الطاقة والنور...
صفر الإمارات، لا يعني "لا شيء"، إنّه مركز أوّل آخر يضاف إلى مراكزها المتقدمة، عالمياً وعربياً، صفر تتمناه شعوبنا العربية كلّها، فمن يحققه لها؟