تهميش المعلم وتغيير الصورة النمطية لهذه المهنة والتي رافقت مجتمعنا منذ عقود , بدأت عندما أوقفت حكومة سمير الرفاعي الجد نقابة المعلمين لـِما كان لهذا المعلم من مكانة في مجتمعه ودوره الذي كان يمارسه في تلك المرحلة , حيث كانت تتسم تلك الفترة بلحظات تاريخية لأجل تكملة مشروع التحرر من الاستعمار الخارجي وابعاد الجسم العربي عن التبيعية التي كانت قد بدأت تتوضح في حينها , وما رافقها من حلم تاريخي للشعوب العربية بتحقيق الوحدة .
المخطط قديم وجديد , يهدف لضرب العملية التعليمية والقائمين عليها بأن تتغير الصورة النمطية للمعلم كقائد مجتمعي , وكذلك كان الحال لشيخ العشيرة والتي تلاعبوا بها حتى أوجدوا أشخاصاً آخرين مرتبطين بالمصلحة الذاتية(الأنا) , بهذا أسقطوا القيادات الحقيقية للمجتمع والتي كانت قادرة على فهم الواقع وبؤس الماضي وتصور عن سواد المستقبل , واستبدلوها بقيادات لا تعرف من الوطن إلا أنا.. .
الحكومة تتحمل المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الظروف المحيطة بالعملية التعليمية وأيضاً تجاه المعلم والمجتمع , فهي تغامر بمستقبل الوطن من خلال حرمان المعلمين من حقوقهم المكتسبة والتي إن نالوها لا تكفيهم من العوز أو تحقق لهم الكفاية .
تفاءل المعلمون وغيرهم من موظفي القطاع العام بالهيكلة قبل صدورها , ولكن المفاجأة أن أحلامهم قد أُغتيلت وقـُدمت قرابين على مذابح من أفسد حياة المواطن الأردني ونهب مقدرات وطنه .
يغيب عن الحكومة أن الحالة الذهنية للمواطن الأردني كما هو العربي قد تأثرت بما يحدث في محيطنا العربي من حالة الصحوة المفاجئة وكأنها طفرة نقلته من حالة السبات على حقوقه وحقوق وطنه , وتناست أن المعلم من خلال حراكه والذي يقارب السنتين , قد تكونت له أيضاً حالة ذهنية جديدة , هي الفكرة الجمعية للمعلمين المتمثلة بالنقابة , والتفافهم من خلالها على مصالحهم وكرامتهم , فيدورون في فلكها لا فلك الحكومة وتجاذباتها ما بين المد والجزر و وفق أهواء ومزاجية صاحب القرار .
الدولة عليها أن تعي أن هذه المرحلة يحكمها إعادة تكوين للدولة مع مكوناتها المجتمعية وبكل أبعادها سواء السياسية أو المطلبية المعيشية , وهذا يتطلب من الدولة التعامل بكل عدالة وبكل حذر مع هذه المكونات دون الوقوع في المحذور الذي قد ينتج عنه ما لا يحمد عقباه , وأن تمنح بما تدعي بتحقيق العدالة , ويكفينا تغولاً من إداراتنا والذي يعتمد لغة الإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر, ففي حلقات الحوار حول منح الحقوق -وهي المهزلة بذاتها- أن يتم الحوار حولها بلغة التهميش والنظرة الدونية , والمفاضلة بين المعلم والمكونات المجتمعية الأخرى , وتقييمه من حيث الرافعة المالية التي يضيفها المعلم للدولة , فتتوضح نظرتهم بأن نطاق التعليم خاسر ولا يجلب أي مردود مادي لمن يتنفس صعداء النهب والاستيلاء على المقدرات , هي لغة نفس النهج ومن نفس الطبقة التي عانينا منها على مرّ السنين , كمبرادور عازل وناهب وفاسد ومُفسد , فلا يتقنون إلا نفس اللغة .
الأصل أن يحصل الانسان على الكفاية لأمور حياته اليومية من دخل عمله و وظيفته , لا أن يذهب للعمل بعد الكد , فالمعلم يعمل يعمل سائق تاكسي حتى ساعة متأخرة أو عامل سوبر ماركت..الخ , أليس له حقوق , أليس عليه واجبات تجاه بيته وأبناءه بمتابعتهم ورعياتهم وأن يرتاح ليكون قادراً على العطاء في يومه التالي .
إذا كانت مصلحة الطلبة هي المتباكى عليها من الحكومة وأبواقها والمجتمع الذي وجه لذلك , فلما لا يتم حل المشكلة بإعطاء المعلمين حقوقهم , فهل يعقل أن يتحمل المعلم وزر غيره , الفاسدين طلقاء وقد نهبوا وسرقوا الوطن , وأغرقونا بمديونية عالية لا تحتمل , على الحكومة أن تلتقي مع مصالح المعلمين وحقوقهم لتكون مع مصلحة الوطن وأبناءه , وأن تبتعد عن لغة لي الأذرع , فلا يغيب عن بالها أن هناك شارع يمارس فيه العنان لإطلاق الحقوق المنهوبة , ولتترك المعلمون ببدء عملهم وهم يحملون همّ الوطن لا همّ قوت أبنائهم , ولتتجه لملف الفساد المتضخم والمستشري في جميع مفاصل الدولة منذ سنين طوال , فالقيمة المالية لعلاوة المعلمين ليست بالتكلفة الكبيرة فما هي إلا فتات , تستطيع أن توفرها من ملف فساد عادي جداً ولمسؤول من نوع عادي .
هي العدالة ولا ننشد غيرها دون مناكفة أو نظرة دونية .