عين الصقر وسلام القوة

عين الصقر وسلام القوة

21-12-2025 02:38 PM

بدأت مخاوف ترامب من انغماس بلاده في مستنقع وحل الشرق ؛ وكلفة الارواح والاموال التي تؤهل الولايات المتحدة لاهتزاز مكانتها تطفو على سطح الاحداث ، هذه المخاوف التي اقترنت بلازمة سحب اليد الأمريكية ، التي تعني ترك المكان ، التي ادركها ترامب متأخرا بعد ان اختاره طريق اللاعودة ـ ليس ترامب من اختار هذا الطريق ـ الذي تعبد بفعل كل ما سبق عهده وما تخلله بين فترتي حكمه وما صنعه ترامب ذاته في هاتين الفترتين .
حين أراد ترامب سحب قواته من سوريا في فترة ولايته الاولى طغت على حساباته مخاوف سيطرة خصوم الولايات المتحدة التقليديين من خلال ذات الفئات التي مد يده لها وساندها في فترته الثانية ؛ معتقدا فيما فعل تحقيق " ضربة تاجر ماهر " حين يعمل على تحقيق ربح اعلى بكلف اقل وزمن اقصر ؛ بمجرد تحريك ادوات هذا السوق ؛ باللعب في توقيت التحرك وترتيب طاقم العمل ؛ الامر الذي اخرجه بعيدا عن مضمار احتواء ازمة بلاده التي تورطت بحسابات قادتها المتعاكسة في الاتجاه حينا ، والمتضاربة في المصالح حينا اخر ، سيما بين جمهوري يرغب بالاستفادة من الموجود ، وديمقراطي يبحث عن هذه الفائدة بالتغيير الذي وصل معه حد تغيير الانظمة .
اتضح شيء من ملامح هذا التضاد في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي نشرت اخيرا ، التي ارادت من التثبيت القائم على استقرار الحال غير المستقر سبيلا لاقتضاء المصالح والفوائد في طريق سارت فيه قوة الحكم الحالي على اساس من خلاص بلادها من مسرب الاتجاه المعاكس ، الذي ظل حتى هذه اللحظات مخيما في معسكر التغيير الجذري الذي ينتج جديدا مفيدا بدلا من قديم بال ؛ حتى ولو كان هذا الجديد غريبا ، معسكر التغيير التابع لنظرية الفوضى الخلاقة كان قد قلب مباديء عقدية في فكر الحاكمين الاقوى حيث افترقا عند هوية هذا الجديد ، ففي حين قبل الجمهوري المتمترس خلف التقليد بجديد غريب من الخصوم او اعوانهم ، رفض الديمقراطي الثائر - ولو نكاية بالجمهوري - النزول عند رغبة المصلحة وضغط الواقع ؛ لمد يد التعامل والتعاون مع هؤلاء .
كان منطقيا ان يحصد ترامب ومعه بلاده - ازاء هذا الافتراق - ثمرة الاعتماد على قدرة الاخرين في حماية احلام بلاده وتثبيت سلطانها ، الذي اعتمد فكرة العودة الى الوراء وتقديم الاعداء مع الغفران ، بمعنى : اعتماد القوة العظمى على بعض خصوم الامس ؛ بحكم درايتهم بتفاصيل بعضهم ، في مقابل تسامحها الحذر ، المراقب بالشروط ، المحمي بالحذر ؛ فكان رفع العقوبات الذي اراح المعنيين به قليلا ، هذه الراحة التي لا تعني الولايات المتحدة ؛ باعتبار امكان فرض عقوبات في اي لحظة كانت .
لقد كان امر رفع العقوبات مصلحة امريكية بحتة ؛ تمكن الولايات المتحدة ممثلة بكل اطيافها ومصالحها ، بما فيهم ترامب ذاته من التعامل واغتنام الغنائم في ارض سوريا وتحويل سلطتها الى حُماة لهذه المصالح في وجه من يهددها ، هذا على مستوى المؤسسات ، وتحت سيطرة استراتيجية الخضوع الذي يحميه سطوة اغتيال كل من يخالف على مستوى الافراد .
لم تكن عملية عين الصقر إلا اطلاقا ليد من لن يتمكن من فعل ما طلب منه ؛ هذه العملية لن تتعدى حركة الجو وبعض تحركات الارض ، التي يتفوق فيها تتظيم الدولة على قوة التحالف ضده ، هنا يبدأ هذا النزال عهدا جديدا بعد محاولة الاصطدام على الارض التي سيترك أمرها الى المتدافعين الى الخلف من ابناء هذا المكان الذين فرحوا بالتدافع الى الامام فرحة افقدتهم وعيهم لمآلاتهم ، هذا التدافع الذي سيعيد ترتيب الفوضى بتمزيقها ، وتغيير اركان تحريكها



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد