الوحدة الوطنية والخطوط الحمراء

mainThumb

05-03-2012 06:59 PM

اذا سالت مواطنا اردنيا من اين انت ؟ قد يجيب من المنطقة الشمالية او الجنوبية او الشرقية او الغربية ، ولكن هناك جواب لا نبحث فيه ولا نظهره في العلن ولكنه يظهر في احاديثنا الخاصة ، والذي يكون مفاده انا من عمان ولكن اصلاً (وارجو التركيز على كلمة اصلاً )من فلسطين ، انا من الكرك ولكن اصلاً من العراق ، انا من اربد ولكن اصلاً من سوريا ،والإشكالية الأكبر تظهر إذا التقى اردنيان خارج حدود الوطن وطرح نفس السؤال السابق من اين انت ؟ يكون الجواب من الاردن ( بس) اصلاً من الدولة الفلانية . والمفروض ان التاريخ المشترك والجغرافيا الواحدة والعلاقات الاجتماعية المتداخلة قد انهت عبارة انا اصلاً وحل مكانها ( انا اردني ).

من يعبث بالوحدة الوطنية فهو عدوي إلى يوم الدين (عبارة للملك المغفور له بإذن الله الحسين بن طلال) الوحدة الوطنية خط أحمر (عبارة للملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله).


والآن ما هو هذا المفهوم الذي يدفع رأس النظام او القيادة السياسية إلى الحديث عنه بهذه الحدية ؟ وما هي الرسالة التي أراد النظام السياسي إيصالها ؟ وهل الحقيقة التي أدركها النظام السياسي وصلت إلى الفئات الاجتماعية المختلفة ؟ وبالتالي تمكنت هذه الفئات من ادراكها . وبمعنى اخر هل هناك مساحات واسعة وتضاريس سلوكية تجعل الفجوة بين الواقع والمأمول كبيرة جدا؟


وهنا هل لنا ان نقدم تصوراً حول هذا المفهوم ورؤيتنا له كما هو لا كما يجب ان يكون ، بمعنى نتعامل مع المفهوم على ارض الواقع كما هو دون ان نجمله او ان نظهره بالطريقة التي نريد ونرغب ، مع ادراكنا بأن هذا المفهوم في الاردن يعتبر من المفاهيم الاستراتيجية التي تحتاج إلى قدرة ادراكية للتعامل معه.



يرى أغلب الباحثون ان الوحدة الوطنية مرتبطة بالإنتماء للوطن ، والبعض الآخر ربطها بحب هذا الوطن ، ونظر اليها اخرون على انها أصل كلمة الوطني الذي هو الشخص الذي يقيم في الوطن ويقدك خدمات لهذا الوطن .


ولكنني ارى بانها احساس وجداني توفرت له العوامل الدافعة للشعور بالانتماء إلى وطن معين ، ويسود هذا الانتماء ويزظهر على غيره من اي انتماء ، بمعنى ان هذا الانتماء يدفع باتجاه تجانس العنصر البشري ويوحده، ويلغي وينهي كل التصادمات التي من الممكن ان تحدث الان ومستقبلا . وعناصر تعريف المفهوم عندي تتكون من:


1- احساس وجداني
2- الانتماء
3 - الوطن
4 - تجانس العنصر البشري .


إن المملكة الاردنية الهاشمية لديها تركيبة اجتماعية بسيطة وليست معقدة ، فإذا قسمنا هذه الطبقات من حيث الاصل فإننا نجد ان الاغلبية الساحقة تنتمي إلى الامة العربية ، وإذا قسمناها على اساس الدين وجدنا الاغلبية الساحقة ايضا مسلمين ، وهذا ما يؤكد ما ذهبنا اليه حول تجانس العنصر البشري في المجتمع الاردني.


وإذا كان هذا التجانس موجود ، إذن اين الخلل في عدم سيادة وريادة هذا المفهوم ؟


ان الاردنيين منقسمون جغرافيا (إذا جاز التعبير) بمعنى انهم لا ينتموا الى بقعة جغرافية واحدة او الى وطن واحد، فهناك الشرق اردنييون ، وهناك الاردنييون من اصول فلسطينية ، وهناك من هم من اصول عراقيبة وسورية ، وهناك ايضا الشركس والشيشان .


ولعمق العلاقة بين الاردن وفلسطين ارضا وشعبا ، ولشدة التداخل للدرجة التي يصعب معها الفصل بين ما هو اردني وما هو فلسطيني سوف نأخذ الحالة الفلسطينية كمثال للتوضيح.


لا بد عند الخوض في هذ المفهوم تحديد من هو الاردني ، ومن هو الفلسطيني _وهنا لابد من التأكيد على اننا كلنا فلسطينييون حتى تحرير الارض والانسان _ وهنا لا توجد قاعدة فكرية بإصول ثابتة لتحديد من هو الفلسطيني ، ولكن من الممكن تحديد من هو الاردني ، اي يمكننا القول ان من يحمل الجنسية الاردنية هو اردني ولديه كل الحقوق ، ولكن ما هي الواجبات المطلوبة من هذا الاردني ؟


اعتقد هنا تكمن الإشكالية او كما يقال مربط الفرس ، حيث ان الحكومة الاردنية لا تواجه الازمة ولا تعترف بها لعدم قدرتها على التحديد بخطاب رسمي يوضح من هو الاردني وما هو المطلوب من هذا الاردني ان يقدمه للوطن؟ بل اكثر من ذلك لا تستطيع الحكومة ان تتعامل مع الرأي القائل ان الحكومة الاردنية تتعامل مع مواطنيها حسب اصولهم ، وانه يوجد على ارض الاردن مواطنون لا يتمتعوا بحقوقهم كاملة لدرجة انهم باتوا من اصحاب الحقوق المنقوصة، وهذا الرأي يجب ان نعترف ان له مؤيدوه على الساحة الاردنية ، ولكن كان الاجدر والأحرى ان يُعكس (بضم الياء) القول ويصاغ بطريقة اخرى ، وهو ان الكثير من مواطنينا الأردنييون من أصول فلسطينية ما زالوا يعتبروا الاردن وطناً ثانياً ، وهذا الامر نحمده ونؤيده بل ونشكره عليه شريطة ان يكون الهدف من هذا القول يعود إلى فكرة مفادها ان لدينا وطناً وهو مغتصب الآن ونتيجة لهذه الظروف فإننا نقيم هنا استعداداً للعودة وحقها الذي لن ننساه ابدا ، وانهم ما كانوا ابداً من اصحاب الحقوق المنقوصة.


عند تحديد من هو الاردني لا من هو الفلسطيني نستطيع ان نتحدث عن وحدة وطنية كما علمنا ان الخوض في هذا الموضوع تشوبه الكثير من المحاذير التي لابد من مراعاتها عند الكتابة خوفاً من الوقوع في عنصرية مقيتة قاتلة ، ومن شعر انها موجودة لدي فليعد معي ونقرأ المقال معا مرة اخرى .


وعلى الطرف الاخر لماذا يطلب دائما من الحكومة ان تحفظ وتصون هذا المفهوم ، هل لأنها الراعي الرسمي له ؟ ام لانها صاحبة الولاية العامة ، ألم يحن الوقت الذي لابد فيه من دخول المواطنون إلى فهم ابعاد هذه القضية وتحمل مسؤولياتهم بشكل مطلق.


بما ان الانسان بصفة عامة يتلقى المعلومة من اقرانه ويتأثر بسلوكياتهم ، فإن هذا الامر لايعني على الاطلاق ان لا تتحمل الاسرة والعائلة دورها في التنشئة الاجتماعية والسياسية ، وتضيف إلى مهامها ادوارا اضافية تؤكد فيها على ضرورة ترسيخ هذا المفهوم ، بمعنى ان للاسرة الاردنية من شتى الاصول والمنابت دور لا بد ان تؤديه في هذا الشأن.من حيث شرح المفهوم وتوضيحه لافرادها وبالتالي تحمل مسؤولياتها تجاه تثقيف ابناءها وتزويدهم بما يضمن تعزيز معاني الحب والولاء تجاه هذا الوطن ، وتنمية الاحساس لديهم بأن نقاط التلاقي والتوحد لديهك كأردنييون اكبر من نقاط الاختلاف .


ولكن هل تدرك الاسر الاردنية عامة هذا الامر؟ وهل لديها القدر الكافي من الثقافة الذي يؤهلها للخوض في هذا الامر ؟ هنا لا بد ان تتدخل المؤسسات الاخرى بوصفها مؤسسات مساندة ومشاركة في خلق تنشئة حقيقية كالمدرسة ، والحزب ، والجامعة والاعلام الرسمي . بمعنى لا بد من اجل خلق تنشئة اجتماعية وسياسية تساهم في تعزيز هذا المفهوم ان نرى توحدا كبيرا بين المؤسسات الرسمية مع مؤسسات المجتمع المدني.


لا بد ان نواجه المشكلة وان نعالجها لوجود عدو يتربص بنا ، يعتبر هذا الموضوع وهذه الاشكالية قنبلة موقوتة من الممكن ان تنفجر في اي لحظة ، لذلك ارجو ان ألفت الانتباه إلى ان تخطي هذه العقبة هو الطريق الاول لمواجهة ما لدينا من اعداء على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي وبالذات العدو الاسرائيلي الذي لا اعتقد انها تضع خططها الاستراتيجية دون ان تاخذ هذا العامل بعين الاعتبار عند صياغتها لعلاقتها معناً كدولة مجاورة ، لذلك لا بد ان يكون لدينا خطة استراتيجية نوظفها لتحقيق مفهوم الوحدة الوطنية تبدأ من الاسرة الصغيرة التي هي حسب ارسطو التجمع الاول في تشكيل الدولة ثم المدرسة ثم الجامعة وتخاطب عقول المواطنين اولا ثم مشاعرهم . اي نعالج هذا المفهوم بطريقة واضحة في مناهجنا المدرسية والجامعية حتى نتمكن لاحقا من وضع خططا استراتيجية نواجه فيها اعداءنا اللذين تميزوا بالتخطيط الاستراتيجي .وهذا ما سأحاول ان اوضحه لاحقا .


ولكن إلى ان يحين ذلك الوقت الذي نبني فيه استراتيجية وما دمنا غير قادرين على تحديد من هو الاردني نتيجة لتعدد الولاءات والانتماءات التي قد تعصف بالمجتمع وتضعف الدولة فإنني اؤيد ما ذهب اليه ملوكنا والذي اوردناه في مقدمة مقالنا من ان هذا المفهوم خط احمر يجب عدم تجاوزه او التسلق عليه والمتاجرة به . ولكن مع الاخذ بعين الاعتبار ان هذا الملف لا بد ان يكون مفتوحا بهدف تفعيل الولاء لهذا الوطن .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد