يتميز الفكر الإنساني بعدم ارتباطه بتاريخ الفكرالذي تعود جذوره إلى بدايات نزول أبونا آدم وجميلته أمنا حواء ,من الجنة السماوية إلى الأرض الحية بمواردها وتـقلبات طبيعتها والأحياء من ممالك البشر وممالك النباتات وممالك الحيوانات , المعبرة في تناسلها وتكاثرها وغرائزها ومناوراتها وتحورها وتبدل أجوائها والتناسق مع بيئتها ونموها وكبرها ثم انتهاء دوامها ,إلى عظمة الخالق فيما خلق وفيما نظم من دورات منتظمة وتجاوب المتماهيات الدقيق من المكونات التي تتشكل المخلوقات مع نظمها وأجهزتها الطبيعية ,تلك العظمة التي ما زات من المعجزات السماوية التي لا تترك لنا من مجال سوى التوجه إلى السماء بصلواتنا وأدعيتنا وتوكلنا.
يركز تارخ الفكرعلى العودة إلى مفكرين توصلوا إلى التعبيرعما سعوا إليه من وصف,أو آمال,أوعظات استمدت كنهها من طبيعة المخلوقات وسبل تعايشها ومن طبيعة العلاقات التي انتزعت نوعها من منظورمتعدد الاتجاهات,متنوع البصائرة والقدرة على التمييز والتوصيف والتحليل ووضع استنتاجات وخلاصات لتجاربهم وخبراتهم .
وهو بهذه الصيغة التعبيرية حديث عن المفكرين أكثر منه بحث في قيمة الفكر وحكمه ومقاصاده لأنه ظل حاضرا ًفي عقول الناس وفي ضمائرهم على مدى الزمن , فهو" فكرعتيق " بثوب أثواب بألوان زاهية وتصاميم حديثة وجذابة . ارتبط ذلك الفكر العتيق الذي احتفظ بحيويته بموضاعات لازمت الحياة الإنسانية منذ عرف الناس المجتمع,كما عالج الفكرالعتيق قضايا الإنسان منذ كان بطروحات ونظريات ومفردات وأيدولوجيات , تحمل معانيها وأساليبها وحججها إلى كل الثقافات بكل اللغات التي يتحدث الناس بها .
وما زال عالم اليوم متقيدا ً بتسمياتها كما جاءت بها عقول البشرآلاف السنين قبل الميلاد , ولكنه طورمضامينها وعلل مكامن استجابتها لمختلف العصورفي كل المجتمعات البشرية لقيم كل مجتمع وتراثه وحنكة فلاسفته ترجمة تماهي تقاليده مع مقاصدها . لنأخذ على سبيل المثال مفاصل الفكرالمرتبط بنظريات ومبادئ وأهداف كل من << الحرية .. العدالة .. القوة .. المساواة.. الخير.. الهناء ..السعادة .. الحكومة.. الديمقراطية .. الشعب ..التقدم ..المعرفة ..المساواة ..الحق .. الحرب .. السلطة ...>> لنجد أن التطبيقات التي تمارسها المجتمعات اليوم تعود في جوهرها إلى مصدرها من الفكر العتيق, وفي أشكالها إلى التطوير والتعديل والتحسين الذي اقتضته حتمية التقدم والتغيير في مناهج الحياة ومراسيمها ومتطلباتها فجعلت لكل فكرة منها منهجا ً دراسيا ً, ومدارس فكرية تدور في فلكين في الوقت ذاته, الفلك الأول : جوهرالفكرة منذ نشأتها ؛ والفلك الثاني : تطويرالفكرة وتقنيات تطبيقاتها في وقتها المعاصرلها.
تعزى الفكرة الحية والحيوية إلى صاحبها دون أن تلزمنا بنهج منهجه,ولا نربط بين الفكرة وبين سلوك صاحبها ومواقفه من القضايا التي تعالجها فكرته,وهذا أحد معايير تطورالفكر ذاته وأسس تطويرالتجربة الحضارية في الاهتمام بالفكردون تمييزمرجعية مفكره الانتمائية والعقائدية لأنه من أبرز ميزات الفكر الحي والحيوي أن كل فكرة تشكل بحد ذاتها حالة مستقلة يمكن تبنيها لذاتها دون ضرورة ربطها بغيرها من نفس المصدر. صنع الفكر أحداثا ً مفصلية في تاريخ العديد من الأمم والشعوب,كما أيقظت الأحداث الفكرمن سباته في أزمان متفاوته وفي مراحل مختلفة من نشوء الحضارات ونموها ,إلا إن ما قاد الفكر إليه من أحداث كفل وحده تفوق حضارات على غيرها في سباق ما زالت حاجته إلى الفكر ماسة وأساسية. لأن الفعل سابق على رد الفعل , وهذا قانون طبيعي لا توجد قوة تستطيع عكس اتجاهه.
يحمل الفكرالحيوي منذ "عتقه" بذور تجدده في طياته,وكان من أبرزميزاته ::تنوع رؤاه وتساوق قيمه مع روح العصرالذي ابتدأ من عنده دون أن يتوقف عند ذلك الحد,بل واكب ترقي عناصرالمعاصرة في تراكم مبادئها لملاءمة العصوراللاحقة التي أبدع مفكروها في تثبيت دعائم الفكر االمحتدم الصراع مع قدرته الإبداعية والتجديدية والتحديثية . وهكذا فقد طور الإنسان وسائله وأدواته في تلبية احتياجاته, ثم أصبح متحضرا ً بفكره .