لماذا تُعد الحرية ,الديمقراطية , التعددية ركائزالمجتمع المتحضر؟

mainThumb

07-04-2012 11:01 PM

المجتمع المتحضر الذي تُكنى دولته بالدولة الديمقراطية , هو المجتمع (الدولة) الذي أرسى ركائز الدولة وأسس بناها وعمارتها ( في المفهوم الخلدوني) ونهضتها على الركائز الثلاث  وهي الحرية , الديمقراطية ,التعددية , التي تمثل فكرا ًعتيقا ًيعود إلى عدة قرون خلت, وظل فكرا ًحيا ً وحيويا ً أصطلح على تسمية كل منها بالمطلح الدينامي ( أي له آليات ووسائل    تطبيقية , وكذلك له قيم تترك بصماتها على الثقافة العامة للمجتمع ) ما زال متداولا ًفي   تشكيلات المجتمعات  المعاصرة الثقافية والفكرية والفلسفية ويشكل مباحث دائمة في مناهج مدارسها السياسية والاجتماعية ومبتدؤها في أبجديات التعاطي الدائم بها .
 
تعود ولادة المفاهيم الأولية للحرية إلى عدة قرون خلت , فقد ارتسمت العلاقة بين الحرية وبين الإنسان منذ عتيق الزمان في الفكرالإنساني بمقولة :: يُولد الإنسان حرا ً:: التي اتفقت عليها تقافات الحضارات الإنسانية المتعددة , وجاء على لسان الخليفة عمر بن الخطاب مقولته المتوارثة في تاريخ الحضارة العربية- الإسلامية ::: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ً::: , وبهذا يمكننا القول :- ترافق الحرية الإنسان منذ ولادته.
 
وهذه الأهمية الزمانية بمرافقة الحرية للإنسان منذ ولادته تجعل من مفاهيمها التي طورمعانيها الإنسان نفسه, أسسا ًمن أسس تشكل المجتمعات وتكونها بغض النظرعن ترتيب وضعها الحضاري ومستوى التنمية الشاملة فيها, ولهذا أيضا ًتُعتبرالحرية قيمة فردية,أي تتعلق   بالإنسان الفرد منذ ولادته, وليست قيمة جماعية .
 
الديمقراطية,من الزاوية التاريخية,تعود إلى القرن السابع قبل الميلاد, وقد ظهرت أشكال من المراسم الديمقراطية في الحضارات الهندية و الصينية والفارسية والرومانية والإغريقية,وذلك عندما بدأت المجتمعات تتشكل من مجموعات من الناس يبحثون عن الاستقراروالتعايش      الآمن بين مكوناتها.
 
أما الشكل الأكثر تجسيما للمعاني الديمقراطية , والأوضح تجسيدا ًلمعانيها فقد ظهرت في الحضارة الإغريقية (اليونانية)التي عرفّت الديمقراطية بأنها حكم الشعب,حيث كانت المدينة-الدولة في تلك الآونة تتألف من عدد محدود من المواطنين (300-400مواطن واستثناء النساء والوافدين والعبيد ) الذين كانوا يجتمعون في مكان واحد يتداولون في كل ما يهمهم من أمور مجتمعهم, ويتوصلون إلى القرارات بالتوافق ورضى الجميع عليها دون استثناء.ولكن مع مرورالوقت وكِبرحجم المجتمعات حيث أصبحت أعدادها باللآلاف ثم بالملايين, ولم يكن بالإمكان جمعهم في مكان واحد للتداول في شؤون مجتمعهم,لم يتخل الفكرالإنساني عن    المبادئ الديمقراطية ومفاهيمها التشاركية, وإنما طورها وحورأساليبها وتعامل مع طقوسها بمرونة, حيث استبدلت التجمعات والأقاليم في الدولة مشاركتها المباشرة بانتخاب (أو اختيار,أو تزكية أو انتداب أوإيفاد) ممثلين عنها إلى المجالس الديمقراطية التي تشكلت ضمن التشريعات   المتوافق عليها من مكونات المجتمع المتعددة .(الشورى, مجلس النواب,اللجان الفنية  المتخصصة في المؤسسات الصناعية والاقتصادية والصحية والتعليمية ...)
وهكذا يمكن لنا أن نقول :- ترافق الديمقراطية المجتمع منذ تشكله.
 
وفيما يتعلق بالتعددية,نجد إن حكمة الخالق للكون بكل ممالكه الحية (المملكة الحيوانية ,المملكة النباتية ...) وبكل أنهاره وبحاره و وتجليات الكون الجغرافية والطوبوغرافية وظواهر الطبيعة ومظاهرها تقبع في الصيغ التعددية التي صاغت بها الإرادة الإلهية كافة المخلوقات من  الجمادات والحيوانات والزراعات ومن البشر كذلك.وتواكبت هذه التعددية بالتنوع الذي نشهده  في كل شيئ حولنا .فمثلا ً البرتقال من صنف الفاكهة التي توجد بأصناف عديدة ( التفاح ,الكرز, الشمام , الموز .......) وهناك أنواع عديدة من البرتقال نفسه, وكذا الأمر بالنسبة لكل مكونات الحياة والوجود الذي أبدع الخالق في تعدديته وتنويعه. 
 
والتعددية في المجتمع الإنساني,أي مجتمع, تأخذ مستووين: المستوى الرأسي ؛ وهذا يشمل   تعدد الأديان والقوميات والأصول والأجناس . والمستوى الأفقي : الذي يشمل تعدد المذاهب والعرقيات والطوائف والثقافات والعقائد السياسية والاجتماعي والاقتصادية ......, ومن تلك الظاهرة الحقيقية والماثلة أمامنا بحكمة سماوية تعظم الخالق وتخشى عصيانه ,يجوز لنا أن نستنتج بأن:- التعددية لازمت الإنسان منذ بدء الخليقة.
 
وهذه المصطلحات الثلاث , مترابطة في عناصرها ومتماهية في قيمها, وعلى المجتمع الذي يسعى إلى التحضرأن يأخذها ثلاثتها ,متزامنة ,متكاملة,مترابطة , لعدم قابلية أي منها على الوفاء بقيمه إذا تم إسقاطه على المتجمع منفردا ً. أي لا يفي تطبيق الأساليب الديمقراطية ووسائلها بقيمها دون أن تترافق مع تأكيد الحريات وإقرار التعددية , وتكون مجرد ديمقراطية شكلية خادعة ,وبنى الترافق والتكامل تلك تفعله التشريعات الدستورية والقانونية , وتشريعات فوق دستورية ترسخ التعددية وتكفل الحريات الأساسية للفرد وتتعاطى بالشكل الديمقراطي    الذي تتوافق علية كافة شرائح المجتمع ومكوناته وتلتزم أسسه وقواعده.
 
وتثبت بالتجربة التاريخية للحضارات بأن التحضر والترقي والتفوق العلمي والقدراتي  والإبداعي لأي مجتمع, رهن بتوثيق روابط عناصرهذه الثلاثية وترسيخ وجودها في وعي الإنسان وفي ثقافته , واعتماد ممارستها اليومية كتقاليد يزيدها تراثها ألقا ً وفاعلية. والأمثلة   على ذلك نلمسها عند مقارنة أحوال الدول المعاصرة وأوضاعها , وتأثرها وتأثيرها في الصراع الدولي والمنافسة الأممية على لعب الدور الريادي المُهاب.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد