هل أفسد النظام العربي صيغة قانون الفعل- رد الفعل ؟

mainThumb

18-04-2012 12:10 PM

 من قوانين الفيزياء في الطبيعة قانون الحركة لنيوتن (القانون الثالث) في موضوع الميكانيكا الكلاسيكية حول ثنائية الفعل ورد الفعل الذي ينص على :- لكل فعل رد فعل مساو ٍله في المقدارومعاكس له في الاتجاه . وينطبق مفعول هذا القانون على ما يحدث في الطبيعة ,    ولكنه وجد طريقه إلى الانطباق أيضا ً سلوك الإنسان وتصرفاته وردود أفعاله إزاء ما يؤثر   عليه من أحداث ومواقف ومن  ملاسنات... والإنسان أهم المخلوقات في الطبيعة كونه يفكر ويتصرف,ويحاول أن يضبط سلوكه الغريزي بحكم وعيه العلمي وثقافته الاجتماعية ومعارفه البروتوكولية والدبلوماسية وتقديرعقلي عقلاني لدوافع ردود أفعاله ونتائجها وانعكاساتها على سمعته وعلى مصالحه .

 
والثنائيات (أنظر كتابنا ,الصناعة وصياغة النظم العالمية – المجتمع بعد الصناعي )  تشكل   الحد الأدنى للتناقض أو التناغم على حد سواء.فإذا كان رد الفعل هو النغمة الملازمة للفعل,    وإذا كان الاختلاف هو تناقض الرأي مع رأي آخرأو معارضة جهة لإجراء اتخذنه جهة أخرى,أو موقف من قضية ما لا يتفق مع موقف مواقف آخر آخرين,فإن المدلول المفاهيمي على أي من هاته الحالات يتشكل في حده الأدنى من  ثنائية  متفقة في مفرداتها أو تنفرد كل مفردة منهما بمعنى يخصها دون أن يتماهى مع المعنى الآخر.
 
المعنى المباشر لنص القانون المشار إليه يتمحورحول رد الفعل على الفعل الذي من أبرز   مزاياه وأهم صفاته (عدا عن مساواته بالمقدار) أن يكون رد الفعل هذا,معاكسا ً للفعل في   الاتجاه ,وهي صفة تعطي للقانون سمته الطبيعية, وتضفي على مضمونه التبعية التلقائية لما  ينشأ عن الفعل الطبيعي.
 
في السياسة كما في قوانين الحركة الميكانيكية الثنائية الطابع والتشكل,يتبارى السياسيون فيما بينهم  بطروحات فكرية واتخاذ مواقف علنية ,وفي الرد عليها بالتأييد أو الرفض.فإذا اتخذ    جانب من الأطراف السياسية قرارا ًيمس مصالح طرف أخر من قريب أو بعيد ,تصدى     الطرف المقصود لذلك القراربقرارمعاكس أو مواجه له بوسائل لاتستبعد استخدام القوة والعنف ,  حسب الظرف والحاجة . 
 
وقد واجهت الشعوب القوى الاستعمارية بحركات تحرروطني دفعت ثمنه من دماء أبنائها ومن ثرواتها عن قناعة وعن طيب خاطر, لتحقيق النصرعلى القوى الغاشمة والطامعة والمحتلة للأرض وللثروة , ومنها بعض دولنا العربية , الجزائر وسوريا واليمن .. ولكن السؤال الأكثر تعقيدا ًواستغرابا ً حول أوضاع عربية أخرى يتعلق بصورة مباشرة بمواقف دول عربية من أفعال القوى الغربية بالتحديد التي استهدفت الأرض والثروة العربيتين بكل صلافة وعلانية لم ترعوي مثلا ً إنسانيا ً ولم تلتزم صيغا ً قانونية على  أي صعيد , محلي أو دولي. وهاك الأمثلة العديدة :-
 
احتلت أرض فلسطين,وهجر شعبها , وسيقت المنطقة إلى حروب عدوانية,أدت إلى اعتراف البعض بوجود المحتل ووقعوا معاهدات سلام تحفظ له أمنه واستقراره,   وتردع جهود المقاومة و المطالبة بالحقوق الطبيعية  للشعب الفلسطيني. بدل   الإصرار على استعادة هذه الحقوق وإعادة الأرض إلى أصحابها, وهو رد الفعل الواجب والمستحق .
 
تم تجزئة الجغرافيا العربية , وتقسيم طبيعتها الطوبوغرافية والديموغرافية , وما زال العمل بهذه التجزئة جاريا ً بنشاط ,وعلى الرغم من ذلك فقد قبلت الدول المتشكلة  وتلك الواقعة تحت التشكل والمنتظرة دورها في التشكل الوضع , ودافعت عن , حياضه كأنه الوضع الطبيعي لما فعلته القوى الطامعة والمحتلة , وتعمل الأخرى تحت التشكل على استكماله ,فيما تجهد في وضع الترتيبات والتصاميم اللازمة له تلك المنتظرة تشكله , بدل الرفض والمقاومة والعودة إلى توحيد ما هو موحد بطبيعته الجغرافية والسكانية!
 
أقامت القوى الطامعة في الثروة العربية قواعد عسكرية في البرالعربي وبحاره وجزره وبحيراته , وتم الترحيب بها, والاستجابة لتحريض بعضها على البعض  الآخر ,بل والاستعانة بها على إدامة الخلافات العربية- العربية الإعلامية والدموية ,بدل أن نشهد تحرك القوى الوطنية للمطالبة ,كرد فعل طبيعي, برحيل القوى  الأجنبية واستعادة استقلال الدولة وسيادتها على أرضها وبحرها وأجوائها. 
 
تفوقت قوى الجوارالجغرافي والتراثي على العرب, ولم تستفق النظم بدافع من     مجرد الغيرة ( فما بالك برد الفعل الطبيعي) على أوضاعها الفاقدة المقدرة على    تنمية قدراتها الذاتية على حماية مصالحها الاستراتيجية (إن كان من حقها أن تتبنى استراتيجيات بدون امتلاك سيادتها واستقلالها الوطني والسياسي ) وأنْ تمارس حقها في الحفاظ على مناوراتها التكتيكية , ومواقفها المعلنة الآنية والدائمة.
 
التاريخ ليس وجهة نظرنبرر فيها ما نحن عليه أو ما نحن قابلين به وراضين عنه , وليس التاريخ رأيا ً يحتمل الخطأ والصواب , إن التاريخ واقع حدث ولم يفقد ذاكرة أسباب  الحدث ونتائجه.وللتاريخ صوت لمن يستوعب العظة التاريخية  ويسمع النداء بأن     الوعي الوطني مهما عانى من غيبوبة وضعه في غرفة الإنعاش ,فإن استعادة حيويته    هي رد الفعل الطبيعي على تلك الغيبوبة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد