لندافع عن إنجازات هبة نيسان

mainThumb

26-04-2012 11:43 AM

أتفهم تماماً لماذا يعتبر بعضهم, أو الكثير من المشاركين في هبة نيسان, وحتى من الأحزاب التي واجهت قمعاً منظما لعقود, أنه تم إجهاض منجزات هبة نيسان.

فالبرنامج الاقتصادي الذي تبنته الحكومات, والذي كانت انتفاضة الجنوب في جزء كبير منها ردة فعل على أوائل سياساته, فشل في تحقيق التنمية خاصة في المناطق البعيدة وأنتج كثيراً من جيوب الفقر في العاصمة عمان نفسها على حافة المدن الأكبر في البلاد.

أما قانون الصوت الواحد, فدمر فرصة المشاركة الفعلية في اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية حساسة, ومنع فتح حوار حقيقي حول عملية الخصخصة من حيث تحديد شروطها وضمان عدم مسها بسيادة الأردن على الموارد الإستراتيجية في البلاد, عدا عن تثبيت نظام مساءلة ومكاشفة كانت لتمنع استشراء الفساد المالي والسياسي الذي رافق سياسات "لبرلة " الاقتصاد وفتح باب مؤسسات القطاع العام.

ذلك كله, وعلى أهميته, لا يعني إنكار أن هبة نيسان أنتجت نقلة نوعية في الحياة العامة والسياسية في الأردن, أدت إلى إلغاء الأحكام العرفية والسماح بالعمل للأحزاب السياسية وخلق مساحة لحرية الرأي والصحافة لم تكن موجودة في السابق.

لاشك أن هذه الإنجازات, على الأقل برأيي, ساهمت إلى حد كبير في إتاحة فضاء أرحب يشجع على العمل والتفكير بصورة أكثر حرية وانفتاحا - بالرغم من كل التراجعات - لأجيال ما بعد هبة نيسان.

لكن يجب أن لا ننسى السياق التاريخي لهبة نيسان وما تلاها, والذي أقنع النظام, بأن إتاحة الحريات وإلغاء الأحكام العرفية, لا يشكل خطراً جسيماً على استقراره.

في لقاءات لي مع أعلى مرجعيات في البلاد بعد اتخاذ قرار "عودة الحياة النيابية", فهمت نقطتين, الأولى الهاجس الرسمي التاريخي من تدخل أنظمة عربية ودخولها على خط المعارضة الأردنية - ففي تلك السنوات كان ينظر إلى أي نشاط سياسي كامتداد لسطوة نظام عربي على الشارع الأردني.

النقطة الثانية, كانت ان هبة نيسان نبهت النظام أن الوضع الاقتصادي لا يسمح باستمرار النظام الريعي الذي يضمن الوظائف في القطاع العام -ويتعامل معها كأعطيات -وبالتالي لن تتحمل الفئات الشعبية تداعيات الأزمة الاقتصادية دون تمثيل شعبي من خلال مجلس النواب.

وعلمت حينها أن بعض الشخصيات الأكثر انفتاحاً في النظام, والتي لن أستطيع ذكر أسمائها الآن, نصحت وبقوة أن الأوان قد حان لفهم وتطبيق مقولة " لا ضرائب دون مشاركة", ويعني انه لا يمكن لسلطة فرض ضرائب على الشعب دون أن تكون هناك مشاركة تمثيلية في صنع القرار السياسي خاصة الاقتصادية والمقولة أصبحت تعد من بديهيات إقامة النظم البرلمانية في العالم لدلالتها على أن الشعب مصدر السلطات.

الخلل من أساس, أن القرار لم يتعد سبل إيجاد صيغ تمثيلية تحافظ ما أمكن على الوضع القائم, وبما يسمح باحتواء غضب الشارع, الذي كان مستعداً لإعطاء فرصة للنظام.

المشكلة الثانية هي أن عودة الحياة البرلمانية, كان ينظر إليها من النظام وبعض النخب على أنها فرصة للوصول إلى مناصب حكومية وهو توجه شجعته الحكومات واستغلته لاستقطاب معارضين سابقين وضرب قدرة القوى الشعبية المنظمة.

هنا يجب أن نذكر أن تزامن هذه التغييرات مع ضعف ومن ثم سقوط المعسكر الإشتراكي :إن عاملاً مهماً في ال¯تأثير على التطورات في الأردن: إن هذا السقوط زاد من سيطرة السوق الرأسمالي على الدول الفقيرة, وبالتالي من ضعفها, أما شروط البنك وصندوق النقد الدوليين, ومن إضعاف الأحزاب اليسارية والأهم ايدولوجيتها متيحاً المجال لمدرسة الرأسمالية التي ازدادت توحشاً في تهميش الفقراء انتشاء بانتصاراتها.

في هذا السياق الأردن لم يكن استثناء, وكان قد بدأ الاستسلام لهذه السياسات في محاولة للخروج من ديون متراكمة, وتورط في بسياسات, أدت إلى احتجاجات شعبية في دول فقيرة عديدة -منها مصر بدءا من ثورة الخبز عام 1978 ومن ثم تونس في عامي 1978 و.1984

الوهم الذي ساد حينها, وإن كان ليس كله بريئا لأنه سرعان ما تشكلت فئات مستفيدة من هذه السياسات, هو انه بوجود برلمان وبفتح الباب لشرائح جديدة بالانضمام إلى الفئات الميسورة والمتنفذة يجرى تمريرها, دون معارضة تذكر وتعود حليمة الى عادتها القديمة.

من هنا كان قانون الصوت الواحد ضرورياً, لتحطيم السيطرة وإقرار سياسات اقتصادية والأهم تنفيذها دون رقيب أو حسيب, وبالطبع كان أيضا ضروريا لتقويض اية معارضة ضد معاهدة وادي عربة مع إسرائيل.

نتيجة هذه السياسات كانت في النهاية الشعور بالتهميش خاصة أن المناطق نفسها التي أشعلت هبة نيسان/ من معان والطفيلة إلى الكرك, هي التي أصبحت أشد غضباً من شعورها بالاستغباء والخديعة.

وها نحن هنا مرة أخرى, نواجه الغضب الشعبي نفسه وان كان مقروناً بانهيار الثقة في السلطات المسؤولة, ومحاولة شرسة للعودة الى الممارسات العرفية فإذا كانت ردة الفعل على هبة نسيان كانت بالاستجابة من خلال إتاحة الحريات وان كانت تبعتها إجراءات لضربها فان رد الفعل الرسمي الآن يبدو على انه العودة الى سنوات السيطرة الكاملة وتحطيم الارادة الشعبية.

الحديث يطول لكن بعيداً عن التراجعات في ما بعد هبة نيسان, فانه يجب التذكر والتذكير ان الحراك الشعبي والدولة مدينان لتضحيات تلك الهبة الشعبية وكل سنوات النضال لأناس معروفين ومجهولين, ولذا واجبنا جميعا, الدفاع عن أهم منجزاتها - الحريات وإلغاء الأحكام العرفية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد