الشّعبوية وخطابات السّاعة
قضايا كثيرة أثيرت في الشهور الأخيرة بحدة كبيرة؛ من قدسية التراث الشعبي، إلى أخلقة الأدب وربطه بالدين، إلى الفرنكوفونية اليوم ومتجلياتها الثقافية، الذاكرة وصعوباتها، معضلة الهوية، البعد الأمازيغي في المكون الحضاري للشعب الجزائري، اعتقال الروائي بوعلام صنصال، وكاتب التاريخ محمد لمين بلغيث على خلفية الضرر بالوحدة الوطنية والتشكيك في عناصر الهوية… كلها أمور ثقيلة تستحق، مع قليل من التجرد من النزعات الذاتية المريضة، أن تتحول إلى موضوعات للمناقشة والمساجلة في أفقي التوافق والاختلاف، أو أن يتلقفها التلفزيون الجزائري بقنواته الكثيرة ويحولها إلى ثقافية نقاشية ولا يكفي بالقرار السياسي أو قرارات العدالة، كما يحدث عادة في مختلف أرجاء العالم. كل المؤسسات قامت بواجبها وأدت دورها إلا المؤسسة الثقافية، فقد ظلت بعيدة عن أي نقاش، لماذا؟ هل هو الخوف؟ التشرذم الذي أصبح سيد الساحة؟ أم تمزق النخبة الثقافية التي لم تلملم نفسها منذ العشرية السوداء الذي دفع فيها المثقف الثامن غالياً؟ فقد حصد الموت العديد من الأصوات التي كانت الأكثر حضوراً في السجالات الإعلامية، الهدف هو إسكات هذه النخبة لتمرير برامج «العصابة» بسهولة أكثر، التي أجهزت على الحراك وكادت تدخل البلاد في حرب أهلية كان من الصعب التحكم في ويلاتها مع تراكم مآسي العشرية السوداء ومخلفاتها. كل هذه القضايا لم تحرك ساكن المثقفين أو ما تبقى منهم باتجاه حوارات أكثر تنظيماً وأقل إقصائية. للأسف، فقد عوضت الوسائط كل إمكانية للحوار، وحضرت الشتيمة واللغة السهلة، وغاب النقاش الذي يرفع من سوية جمهور المتلقين الثقافية، وعادت «اليتيمة» إلى يتمها القديم، وتراجعت كلياً عما تحقق، حتى في فترة الإرهاب والعشرية السوداء، من موائد مستديرة ونقاشات ثقافية وسياسية كبيرة، ووسعت أكثر من المناخ الديمقراطي.
نتيجة لذلك، عم الساحة الثقافية الفراغ المهول والمخيف والعديمة التي ترى في النخبة الثقافية للبلاد معبرة عن أزمة بنيوية عند بعض المثقفين الجزائريين، ينتقدون النظام ويلتقون معه في نفس الخواتم، وتدمير أية قوة ثقافية اعتراضية، وكأننا أمام مجتمع آخر هو مجتمع ما بعد الأزمة، أو ما بعد العشرية السوداء، عدوه الأول المثقف والثقافة. فحلت الشتيمة بتصفية الحسابات على الصفحات المختلفة لوسائل التواصل الاجتماعي من مسنجر وفيسبوك وسناب شات وتيك توك وغيرها، على حساب الفعل الثقافي والقرائي.
الكل يناقش في الكل، بإشراف سدنة الشر الذين لا يهمهم إلا تضخيم اللايكات والانضمام إلى مجموعة المؤثرين حتى ولو كان ذلك على حساب تاريخهم؟ أتفهم جيداً شخصية ما وهي تكشف عورات من التقت بهم، لكن من الصعب أن أفهم أستاذاً جامعياً، أو ما يسمى كذلك، جعل من التمركز على ذاته كل رهانات النقاش. وانتشرت بشكل فادح في السنوات الأخيرة الشعبوية المقيتة التي أدت بالبلاد إلى خراب العشرية السوداء.
الشعبوية الثقافية تحل اليوم محل الشعبوية السياسية، باسم الوطنيات الزائفة أو الدفاع عن التسطيع والسهولة التي ليست في النهاية إلا وسيطاً للوصول إلى دهاليز السلطة؟ إن عدو الميلشيات المسلحة الذي يجب أن يُصَفّى في فترة الإرهاب ودفع الثمن غالياً [النخبة المثقفة الفاعلة، العقلانية، التنوير] هو نفسه اليوم الذي يجب أن يصمت وإلى الأبد. الذي يتردد بشكل شعبوي مبتذل يخفي عدوانيته وأحقاده وعقده بصعوبة.
ما يدهش في المشهد الثقافي [اللاثقافي] اليوم، ذلك العنف القاسي الذي كشف عن المخزون المتخفي من الأحقاد ضد كل من لا ينضوي تحت جناحي رعاة الشعبوية التي لا تعمل إلا على المزيد من التنكر والإقصاء، ومنع من كل إمكانية للحوار والتأمل. عنف مغلف بتسطيح غير مسبوق منحه الفيسبوك والفسابكة الذين لا حياة لهم خارج هذا الفضاء الوهمي الأزرق، الذي منحهم كل الشرعية للعبور من خلال جيش مهيكل وراء قائد يتحرك وفق أهواء جيشه. يكفي أن يثير أحدهم من الذين لا يروقون للخطاب المهيمن، فكرة ولو صغيرة، لا تسير في الخط الذي أرادوه لينقض عليه الذباب الإلكتروني الأزرق بلا حسيب ولا رقيب، يعلقون على مشجب الضغينة كل هزائمهم وإخفاقاتهم.
أثرتُ قبل شهور قضية «ماسونية الأمير عبد القادر» التي أكدها الباحث الكبير «برونو إيتيان» أحد أهم المختصين في الأمير، رافضاً أطروحته التي اعتمدت على التأويل أكثر من الوثيقة التاريخية. وأكدت أن الوثائق التي اعتمدها المرحوم برونو إيتيان، في المكتبة الوطنية ميتيران في باريس، لا يوجد فيها إلا ما يدل على لقاء الأمير بالماسونية، لكن لا تقرير الانتماء. على العكس من ذلك، فقد تفادى الأمير لقاء باريس مع مجموعة ماسونيي الشرق الكبير. وبدل مناقشة الفكرة وقراءة كتاب برونو إيتيان «عبد القادر بين الماسونية والصوفية» انهالت الشتائم تبرئ الأمير من أي انتساب للماسونية، تؤكد ما قلته في مقالة «القدس العربي».
لم تكن هناك أية حاجة للشتائم وتحريك الضغائن. السبب واضح، جيش الذباب الإلكتروني الأزرق لا يقرأ؛ ينتظر كلمة «القائد الملهم» وشتائمه لكل من لا يشبهه، لينضم لركب حراس «الهيكل». هذه الوضعية وشبيهاتها التي تمسح بجرة قلم نخباً قضت العمر كله في العمل الثقافي هي التي تسمم وضعاً مفككاً في الأصل. لم نرث أزمة ثقافية معدة من العشرية السوداء وما قبلها، ولكننا ورثنا أيضاً العدمية ولا جدوى الثقافة والمثقفين. يذكر هذا بطاحونة التطرف الإسلاماوي في التسعينيات وعدميته، لكن على الأقل كانت هناك سبل ولو ضيقة للسجال والنقاش حول أطروحتين: أطروحة تقليدية ترى كل شيء في الحل الإسلامي، وأطروحة وطنية تنتصر للحداثة وللنضال المستمر، بذلت كل جهودها لتفادي الحرب الأهلية وسقوط البلاد بين مخالب القتلة ومحاكم التفتيش المقدس. لكن في الساحة كان النقاش على أشده، وأغلبه كان يستند إلى مستويات مقبولة.
أذكر في مرة من المرات ذهبت إلى تنيرة [سيدي بلعباس] على موعد مع كاتب ياسين في إطار بحثي في الدكتوراه، ودار بيننا حوار مطول. هذا جزء صغير منه:
سألته:
-ما معنى أن تكتب اليوم والآن؟
أجاب:
– أكتب لأني رجل حالم. أنا أسير حلمي. نجمة ليست أكثر من حلم. الشعر حلم عظيم.
– والشباب الذين يتحدثون عن الهوية المتشظية في روايتك، في ركضهم وراء نجمة، هم أيضاً جزء من هذا الحلم.
– كل هوية هي متشظية تعريفاً. القوة في توحيدها في شيء مركزي هو المواطنة. وأعتقد أن أغلب من تعاملوا كتابة مع نجمة، لم يفهموها باستثناء قلة قليلة، منهم جاكلين آرنو.
لمن لا يعرف هذا الروائي الاستثنائي جيداً، فقد عاش في عزلة بين ذئاب تنتظر متى يقول رأياً لتتهجم عليه بجهل ودون قراءة. يمكن أن نختلف مع كاتب ياسين ولكن لا نجعل منه عدواً، فهو أول من أطلق على الأمير كلمة مؤسس الدولة الوطنية التي توارثتها الأجيال لاحقاً. وعلى الرغم من الاختلافات الأيديولوجية واللغوية، لم تصل الخلافات إلى الشعبوية المقيتة المتسيدة اليوم، ولم يتجرأ أحد من الذين اختلفوا معه أن ينكروا عليه قوته الإبداعية.
عندما كتب مسرحية «فلسطين المخدوعة»، كان يدرك برؤية الكاتب القدير أن الآتي مظلم. وعندما كتب «محمد خذ حقيبتك» قامت ضده ذئاب زمانه واتهموه بمطالبة العرب بالرحيل، بينما كانت المسرحية تتناول الوضع الخاص للمغتربين. ثم كتب «الرجل ذو النعل المطاطي» تضامناً مع هوتشي منه والنضال الفيتنامي. لم تستطع الشعبوية أن تقف في طريق على الرغم من تعقد الوضع. القليل من التواضع لا يضرُّ بأحد.
ترامب يتوعد بالرد بعد مقتل 3 أمريكيين في كمين داعش بسوريا
ألمانيا: اعتقال خمسة أشخاص بتهمة التخطيط لهجوم إرهابي
استشهاد فتى فلسطيني برصاص الاحتلال غرب جنين
إصابة شخصين بحادث تدهور شاحنة على أوتوستراد المفرق – الزرقاء
نشميات U14 يتوجن بلقب غرب آسيا للواعدات
مشاجرة في إربد تسفر عن إصابة شخص والأمن يباشر التحقيقات
إقرار موازنة 2026 .. غياب الموقف الجماعي للكتل النيابية يثير أسئلة
أمانة عمان تعيد 18.9 ألف دينار لمواطن ألقاها بالخطأ
دراسة: جائحة كورونا كشفت تفاقم العنف البنيوي ضد النساء
سوريا تدين هجوم تدمر وتقدم التعازي لعائلات الضحايا
إلغاء قانون قيصر: تحول إستراتيجي يعيد رسم مستقبل سوريا
الهواء في 34 % من شوارع سحاب غير نقي
الأردن يدين هجوما إرهابيا تعرّضت له قوات سورية وأميركية قرب تدمر
ميسي يعلّق على مواجهة الجزائر والأردن في مونديال 2026
سوريا وفلسطين إلى ربع النهائي كأس العرب .. خروج تونس وقطر
بلدية أم الجمال تعلن عن وظائف في شركة تغذية
وظائف شاغرة في وزارة العمل والأحوال المدنية .. تفاصيل
وظائف في الصحة وجهات أخرى .. الشروط والتفاصيل
اكتمال ملامح ربع نهائي كأس العرب 2025 .. جدول المباريات إلى النهائي
توضيح حكومي حول أسعار البنزين والديزل
فصل نهائي ومؤقت بحق 26 طالباً في اليرموك .. التفاصيل
إطلاق أطول رحلة طيران تجارية في العالم
باراماونت تقدم عرضًا نقديًا مضادًا للاستحواذ على وارنر براذرز
وظائف في مؤسسة الاقراض الزراعي .. الشروط والتفاصيل




