القصة الإطار في القرآن الكريم

mainThumb

14-05-2025 03:48 PM

تُعرَّف القصة الإطار بكونها القصة الأولى التي تتضمن قصة واحدة أو عدة قصص تأتي مؤطرة بها لغايات متعددة وطرق مختلفة حسب النوع السردي، من جهة، أو القصد الذي يرمي إليه الراوي من توظيفها، من جهة أخرى. يمكننا التمييز في القرآن الكريم بين قصتين إطار لكل منهما خصوصيتها وموقعها في الخطاب والنص. أما أولاهما فهي التي أسميناها «قصة الخطاب القرآني»، ورأيناها تتضمن مختلف قصص الأنبياء والرسل، وغيرها من الأنواع السردية التي توظف في القرآن الكريم، أو ما أسميناه «خطاب القصص القرآني».
إذا كانت «قصة الخطاب القرآني» باعتبارها قصة إطارا، تقع تعاقبيا بين زمن البداية (الخلق)، والنهاية (الخلود)، وكان «خطاب القصص القرآني» يتضمن قصص الأنبياء والرسل تزامنيا، أي أنه يتصل بحياة النبي أو الرسول، وينتهي بالعقاب الذي حل بالأقوام الذين بعثوا إليهم، نجد أنفسنا أمام قصة إطار أخرى هي قصة بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. تتحدد هذه القصة نصيا بين زمن بداية: «اقرأ باسم ربك الذي خلق»، وتنتهي بقوله تعالى حكاية عن النبي: «اليوم أكملت لكم دينكم»، أي أنها تتصل بقصة الرسول مع قومه ومع البشرية جمعاء لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين. وتبعا لذلك نرى أن كل قصص القرآن الكريم (قصة الخطاب القرآني، وخطاب القصص القرآني) متضمنة ضمن قصة البعثة النبوية المحمدية.
يبدو لنا ذلك بجلاء في كون هذه القصة الإطار الثانية تتحدد، من جهة أولى، من خلال ما وقع للرسول (ص)، وهو يقوم بإبلاغ الرسالة، وما عاناه في البداية من صعوبات، وما حققه مع الزمن من نجاحات في أداء الرسالة، وهو ما يمكننا إدراجه في نطاق: «عالم الشهادة». وضمن هذا العالم يتم، من جهة ثانية، سرد كل القصص التي أشرنا إليها (قصة الخطاب القرآني، وخطاب القصص القرآني) لكونها تدخل في إطار «عالم الغيب»: «تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك، ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا. فاصبر إن العاقبة للمتقين» (هود، 49).
يكمن التعامل مع قصة بعثة الرسول (ص) بصفتها قصة إطارا في أنه لولا هذه البعثة لما نزل القرآن الكريم، من جهة، ولما كان بإمكاننا معرفة ما تضمن من قصة الخطاب القرآني، أو خطاب القصص القرآني، من جهة أخرى. ويتأكد لنا ذلك من خلال معاينة العلاقة بين كل القصص المضمنة، وصلتها بالقصة الإطار. فهي مترابطة فيما بينها، وتؤدي الغاية نفسها، ولكن بطريقة مختلفة عما نجده في العهدين القديم والجديد، وفي كل الكتب، والمرويات التي تعتمدها مختلف الأمم والشعوب حول علاقتها بالله أيا كانت الصفة التي تعطى له، أو ترمز إليه، وسواء كان واحدا أو متعددا.
إن ما جعلنا نعتبر قصة البعثة النبوية قصة إطارا ثانية، مثلها في ذلك مثل القصة الإطار الأولى (قصة الخطاب القرآني) علاوة على ما وقفنا عليه نجده كامنا في أن قصة البعثة النبوية هي في آن واحد ذات بعد تزامني (حياة الرسول مع قومه)، وفي الوقت نفسه تعاقبية تمتد إلى نهاية العالم لأنه لا قصة بعد قصته لنبي سيأتي ليعلم الناس أمور دينهم، أو ليبين لهم سبيل الهدى، ويجعلهم قادرين على التصدي لأحابيل الشيطان وإغراءاته. فآية «اليوم أكملت لكم دينكم» توازيها: «من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر».
إذا كان زمن بداية «قصة الخطاب القرآني» متصلا بالخلق فإننا نعتبر قصة البعثة النبوية بمثابة «خلق جديد» للإنسان، لسبب بسيط هو أن خلق الإنسان، بصورة خاصة، ارتبط في القرآن الكريم بـ»التعليم»: «وعلم آدم الأسماء كلها» (البقرة، 31)، و»اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم» (العلق، 5). وليست البعثة النبوية، باعتبارها تبليغا للرسالة الأخيرة، سوى التعليم الإلهي الأخير للإنسان الذي بمقتضاه يحاسب يوم القيامة. ولذلك رأينا أن زمن قصة الرسول، رغم وفاته، ممتد إلى نهاية العالم، مثله في ذلك مثل نهاية زمن قصة الخطاب القرآني. وهي إلى جانب ذلك بمثابة تركيب وتذكير بقصص مختلف الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله إلى أقوامهم، لأسباب عديدة يتصل بعضها بالتوجه المباشر إلى الرسول (ص) لضرب المثل عمن سبقوه، وما عانوه، وكيف تصرفوا، أي بكلمة لتقديم تجارب سابقة مماثلة، أو للتنبيه إلى ما طرأ من انحرافات لدى من بعث الله إليهم رسلا، فغيروا في الرسالات، وابتعدوا عما أبلغه إياهم رسلهم، وخاصة أهل الكتاب، أو لضرب المثل أو للإخبار عما طرأ لأمم غابرة مما يمكن تناوله في تحليل طبيعة السرد القرآني ووظائفه، وخاصة ما اتصل منه بالرسل والأنبياء. نجد كل ذلك في مثل هذه الآيات: «ويسألونك عن ذي القرنين؟ قل سأتلو عليكم منه ذكرا» (الكهف، 83)، أو «أم حسبتَ أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا؟» (الكهف، 9)…
إننا من القصة الإطار الأولى (قصة الخطاب القرآني)، وما تتضمنه من «خطاب القصص القرآني» إلى القصة الإطار الثانية، وما تقدمه لنا من عالم شهادة الرسول (ص)، وما تتضمنه من قصص (عالم الغيب)، ننتقل من القصة والخطاب إلى النص كما نراهما من خلال القرآن الكريم. لقد جاءت القصة الإطار الثانية في علاقتها بالقصص المضمنة لتكون النص الأخير: «إن هذا لهو القَصَص الحق. وما من إله إلا الله. وإن الله لهو العزيز الحكيم» (آل عمران، 62).






تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد