محمد يوسف نجم… السّاطعُ حتّى في أفولِه
يندر أن تجد طالبا جامعيا يدرس الأدب العربي لم يطّلع على كتاب «فن القصة» وتوأمه «فن المقالة»، فهذان الكتابان يعدّان من المراجع التي قدمت للطلاب القصة والمقالة على طبق من كثافة المعلومة، وسهولة اللغة وجمال الصياغة، ووفرة الأمثلة العربية والغربية، واللافت للنظر أن «فن القصة» مثلا – وينطبق على كتب أخرى لمحمد يوسف نجم – أخذت مسارا عكسيا لحياة مؤلفها، فبقدر تعدد طبعاتها وكثرة انتشارها واعتمادها مقررات دراسية في أغلب جامعات الوطن العربي، كان ذكر مؤلفها يتناقص، إلى حد أن خبر وفاته كان «إعلانا صغيرا لا يلفت الانتباه، نُشر في كعب إحدى الصفحات الداخلية لجريدة عربية… ولم يوجد ذكر لوفاته سوى ذلك الخبر الصغير المنشور من طرف أسرته، وقد ظهر كإعلان مدفوع الثمن»، كما كتب ذلك عبد الله إبراهيم في مقال نادر عنه. حدث هذا مباشرة بعد وفاته سنة 2009، ولم تتغير الحال كثيرا، فما كُتب عنه بعد ربع قرن من هذا الغياب لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وفي هذه السنة تمر مئة عام بتمامها على ولادة محمد يوسف نجم، فلا يذكره أحد، خاصة أهل المسرح، وهو الذي نذر سنوات من عمره للتأريخ لفنهم. وهكذا يكون قد عانى من غربتين حيا ميتا، وغربة الجحود أشد.
بدأت غربته الأولى شابا مراهقا في السابعة عشرة من عمره، حين انتقل إلى بيروت ليدرس في جامعتها الأمريكية، وامتدت بعد النكبة والنكسة وأخواتها قرابة سبعين سنة، إلى وفاته في المنفى البيروتي مثل كثير من جيل الشتات الفلسطيني: هشام شرابي، وإدوارد سعيد، وجبرا إبراهيم جبرا، ومئات غيرهم. وأذكر أنه قبل سنوات آلمني خبر عرض محمد يوسف نجم مكتبته الثرية ذات الكتب النادرة للبيع، لا لحاجته إلى المال، بل خوفا عليها من أن تباع على الأرصفة أو تلقى في المستوعبات، كما حدث لعلماء وأدباء عاصرهم ويعرف أخبار مآل مكتباتهم جيدا.
ومسار محمد يوسف نجم العلمي كان مثاليا، ساهم فيه أمران: جِدّه وذكاؤه وإخلاصه للعلم، ويكفي أن نلقى نظرة عجلى على مؤلفاته ليتجلى لنا الجهد الجبار الذي بذله فيها، وثاني الأمرين دراسته في مؤسسات لها سمعتها العلمية الكبيرة بدءا من الكلية العربية في القدس، وكانت كما وصفها صديقه وشريكه في الترجمة والتأليف إحسان عباس «ملتقى النخبة من جميع طلاب المدارس الحكومية في فلسطين»، ويكفي أن نذكر من خرّيجيها جبرا إبراهيم جبرا وناصر الدين الأسد ونقولا زيادة وتوفيق صايغ، ومنها انتقل إلى دراسة الأدب العربي في الجامعة الأمريكية في بيروت التي حصل منها على شهادة الماجستير الأولى، التي أصبحت أول كتاب يصدر له سنة 1952 بعنوان «القصة في الأدب العربي الحديث 1870 – 1915»، وبعكس رغبته في الذهاب إلى أوروبا لاستكمال دراسته، رسمت له الأقدار مصيرا مغايرا حين نصحه أستاذه أنيس الخوري المقدسي، بمتابعة دراسته في القاهرة بدل أوروبا، فحصل من جامعة فواد الأول كما كانت تسمى على الماجستير الثانية واختار لأطروحته في الدكتوراه موضوع «المسرحية في الأدب العربي الحديث» بإشراف شوقي ضيف تلميذ طه، وقد حصل نجم على الدكتوراه وهو دون الثلاثين من عمره، عاد بعدها إلى الجامعة الأمريكية في بيروت أستاذا، وبقي فيها يدرّس ويؤلّف ويحاضر إلى تقاعده منها سنة 1998، ولكن الجامعة التي وهب لها عقودا من عمره لم تنكر فضله، فعيّنته أستاذ شرف فيها، بعد أن أتاحت له من خلال مؤلفاته أوّلا وعمله فيها ثانيا أن يحاضر في أرقى جامعات العالم من أنديانا ونيويورك في الولايات المتحدة، إلى برلين وتوبنجن في ألمانيا، وأن تعرفه جامعة هارفارد أستاذا زائرا.
كان محمد يوسف نجم شعلة من النشاط، يدرّس ويؤلف ويترجم ويشارك في الملتقيات، وقد تقلّد رئاسة اللجنة الدائمة للثقافة العربية في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ALECSO) كما كان عضوا في مجامع اللغة العربية في دمشق والقاهرة وتونس، ومع هذا تنوعت مجالات اهتماماته العلمية نتيجة تكوينه المحكم باللغتين العربية والإنكليزية، وهو تنوع يشي بموسوعية أصبحنا نفتقدها في زمن التخصصات الدقيقة وتشظي العلوم. وتبرز أهمية ما قدمه نجم في نواحي متعددة أبرزها، التأسيس لعلم تاريخ المسرح العربي، فقد أبدى اهتماما مبكرا بالمسرح باعتباره الوجه الآخر للرواية، فهما في رأيه مرآة المجتمع الحديث، ولا يزال كتابه «المسرحية في الأدب العربي الحديث 1847-1914» مرجعا لا يمكن إغفاله لكل دارس لبدايات المسرح في القرن التاسع عشر، الذي تأسست فيه الثقافة العربية الحديثة، كما أتبعه بجزء ثان بالعنوان نفسه «المسرحية في الأدب العربي الحديث 1905 – 1920» تناول فيه المسرح الغنائي في مصر، ولم يكتف محمد يوسف نجم بالتنظير للمرحلة المبكرة من ظهور المسرح العربي، بل نشر نصوص مسرحيات أهم أعلامه، فتحت سلسلة «المسرح العربي دراسات ونصوص» أخرج مسرحيات اللبناني مارون النقاش والشامي أبو خليل القباني والمصري يعقوب صنّوع، وآخرين غيرهم، إضافة إلى كتاباته عن توفيق الحكيم والمسرح الكوميدي في مصر.
كما اهتم بالترجمة، فترجم إلى العربية من الإنكليزية خمسة كتب أهمها «النقد الأدبي ومدارسه الحديثة» لستانلي هايمن في جزأين، بالاشتراك مع توأمه الفكري إحسان عباس، والكتاب يقدم منهجا نقديا متكاملا وعلميا لدراسة الأدب، معتمدا على تقنيات وأساليب متعددة من مختلف المدارس النقدية. أما الكتاب التأسيسي الثاني الذي ترجمه فهو «مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق» لدافيد ديتشز، وكان السبب الرئيس في حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1992، وقد جاء في براءة الجائزة: «ومن ذلك ترجمته عددا من الأعمال من أبرزها كتاب ديفيد ديتشز «مناهج النقد الأدبي»، وهو كتاب مرموق في تاريخ النقد الأدبي الحديث، في فترة شهدت نهاية حقبة كاملة من تاريخ النقد الأدبي في القرن العشرين، وبدايَة أفول نجم ما يسمى بالنقد الجديد». وأهمية هذا الكتاب تنبع من كونه مسحا شاملا ومنهجيا للطرق التي جرى بها تفسير الأدب وتقييمه عبر التاريخ، بدءاً من المناقشات الكلاسيكية حول طبيعة الشعر وصولاً إلى المناهج الحديثة في زمن تأليفه، وقد كان الكتاب يدرّس في عدة جامعات غربية.
وللإنصاف فمجمل ما كتبه محمد يوسف نجم، أو ترجمه كان الغرض منه ملء مساحات فارغة في الأدب العربي بمفهومه الواسع، فحين كتب عن فن المقالة مثلا، أو فن القصة كان يضع بيد طلبته والباحثين مفاتيح معرفية تمكنهم من التوسع، وتختصر لهم الطريق، وكذلك فعل في كتابه بالاشتراك مع إحسان عباس «الشعر العربي في المهجر»، فقد جمعا فسيفساء الأدب المهجري في جدارية كبيرة تعطي صورة وافية عنه. وهو جهد لا يدرك قيمته إلا من ابتلي بالتنقيب في المظان المتفرّقة والصحف القديمة، وهو شغف لازم نجم، يبدو لنا أكثر ما يبدو من خلال اهتمامه بتحقيق المخطوطات التراثية، فنجم الذي يترجم عن الإنكليزية أحدث الكتب النقدية، ويُدرّس في الجامعة الأمريكية ملتزما بالمناهج الغربية في التعليم، هو نفسه الذي حقق دواوين دعبل الخزاعي وأسامة بن المنقذ وأوس بن حجر الجاهلي ورسائل الصابي والشريف الرضي، وهذا الشغف بالمخطوطات عنده قديم فقد نشر تحقيقه لديوان عبيد الله بن قيس الرقيات سنة 1958. وهذه الخاصية في التمكن من التراث والدراسات الحديثة نجدها عند قلة لا شك أن صديقه إحسان عباس على رأسها.
كل هذه الاهتمامات المتعددة التي يستوعب مجال واحد منها العمرَ كله لم تصرف محمد يوسف نجم عن نشاطات أخرى لا تقل أهمية في الحراك الثقافي فقد أشرف مع إحسان عباس والمترجمة سميرة عزام على مؤسسة فرانكلين في بيروت وهي من المؤسسات الثقافية الأمريكية، التي موّلت وساهمت في نشر كتب عديدة مهمّة من الإنكليزية متعاونة مع دور لبنانية في الخمسينيات، وكان لحضور نجم فيه دور في اختياراتها الموفّقة، وإعطاء نشاطاتها صبغة ثقافية بعيدة عن جذب الحرب الباردة وتداعياتها، كما كان لمحمد يوسف نجم دور لا يقل أهمية في الإشراف على إعادة نشر المجلات القديمة ووضعها بين أيدي الباحثين، وأبرز مثال على ذلك إعادة طبع مجلة «الرسالة» التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات في أربعين مجلدا، وما كانت تطبع ثانية لولا حرص نجم الشديد على إحيائها.
هذا هو محمد يوسف نجم الباحث الموسوعي والرائد الثقافي، الذي أصبحنا لا نكاد نعرف عنه شيئا أكثر مما ورد في ويكيبيديا، وهي مسؤولية يتحمّل وزرها تلاميذه الكُثُر، إذ لم يبادر أحد منهم لتتبع جهوده المتنوعة، عسى أن يُعرِّف بها جيلا أتته المعارف على طبق من إنترنت، ويا ليته أحسن الاستفادة منها!
شاعرة وإعلامية من البحرين
عشرات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى
الزراعة: لا نتدخل في أسعار زيت الزيتون .. وفتح باب الاستيراد قريبا
تراجع عدد المنتسبين للأحزاب السياسية الأردنية
فصل التيار الكهربائي عن مناطق بالأغوار الشمالية غداً
بمشاركة الأردن .. بدء الاجتماع الوزاري بشأن غزة في إسطنبول
نقابة الصحفيين تقر تسويات ورسوما جديدة للمواقع الإلكترونية
التربية تعلن جدول امتحانات الثانوية العامة للامتحان التكميلي لعام 2025
نتنياهو يمنع خروج مسلحي حماس من الخط الأصفر
الفوسفات الأردنية تتكفل بحل مشكلة المياه الملوثة في البربيطة بالطفيلة
جرش تخصص مأوى وتعقيم للكلاب الضالة
%80 نسبة إنجاز متحف الخط الحديدي الحجازي في عمّان
9.6 مليون دينار حجم التداول في بورصة عمان
أهالي غزة لا يمكنهم الانتظار للحصول على المساعدات
ارتفاع تاريخي لأسعار زيت الزيتون في الأردن .. تفاصيل
أمانة عمان لا "تمون" على سائقي الكابسات .. فيديو
إحالات للتقاعد وإنهاء خدمات موظفين حكوميين .. أسماء
الحكومة ترفع مخصصات الرواتب والتقاعد لعام 2026
مدعوون لإجراء المقابلة الشخصية في وزارة التنمية .. أسماء
فوائد مذهلة للقرنفل .. من القلب إلى الهضم والمناعة
التربية: دوام المدارس المعدل الأحد .. والخاصة مستثناة
تشكيلات إدارية في وزارة التربية… أسماء
أسرار الحصول على خبز هش وطري في المنزل
وزارة الصحة تفصل 18 موظفاً .. أسماء
عقوبة مرور المركبة دون سداد رسوم الطرق البديلة
مأساة سوبو .. ظلم مُركّب في أميركا

