القيم بين التدريس و التوظيف

mainThumb

12-05-2012 09:07 PM

  القيم هي التي توجه العملية التربوية برمتها ، وهي في نفس الوقت بحاجة إلى وسائل وأساليب وأنشطة ونظام و كوادر تدريسية كفؤة  ، العلاقة بين القيم والتربية علاقة تبادلية ، فبدون تربية يصعب غرس القيم وتنميتها ، وبدون القيم تصبح التربية عقيمة غير ذات فائدة .

  تبدأ عملية زرع القيم وتنميتها لدى الفرد منذ أيام حياته الأولى ، ولا تنتهي إلا بانتهاء حياته على وجه هذه البسيطة . و تزداد أهمية هذه القيم وضرورة غرسها والعناية بها في عالم اليوم المتغير المتقلب الذي بدأ يتنكر للقيم ويحارب الفضيلة. 
 
ومن أبرز القيم التي ينبغي على  المدرسة غرسها الصدق والعدل والأمانة والوفاء ، وحب العمل والإخلاص فيه، واحترام النفس ، وحسن الإصغاء ، وأدب الحوار ، وتقدير مشاعر الآخرين وآرائهم ، وغير ذلك كثير . فإذا بلغ الطالب هذه المرحلة فقد قطع شوطا كبيرا في سبيل إعداده النفسي. وتتولد العدالة عن الالتزام بالقيم، وبها يسود الخير الذي هو أصل الأخلاق، وتتقدم الأمم وتزدهر الأوطان، وفي حالة غيابها فإن الظلم يطل برأسه ليعيث فساداً في المجتمعات.
 
لم يفلح نظامنا التربوي في إيجاد البيئة الخصبة لبلورة القيم وغرسها في وجدان المتعلم حيث فشل في ربطها بقضايا المتعلمين الحياتية وذلك لغياب السياق و البيئة الحاضنة له. إن  من أشد القضايا خطراً التي باتت تهدد نظامنا  التربوي هي الخلل التربوي المتمثل في تزايد الفجوة بين تقديم المعرفة المجردة وغرس القيم التربوية. فعلى سبيل المثال ، تعلمنا في المدارس حكمة (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد) ، ولكن سرعان ما  اكتشفنا لاحقا وحين خوضنا غمار الحياة , أننا المجتمع الذي يحظى ببراءة اختراع (راجعنا بكرة أو بعد بكرة ) المستشرية بشكل لافت للنظر في الدوائر والمؤسسات الحكومية  ،  فمن المستحيل أن نحظى بخدمة سريعة ومتقنة و محكمة في وقت معقول , فلا وجود لدائرة حكومية  تعي أهمية الوقت كقيمة لابد من احترامها والمحافظة عليها،بل أذهب أكثر من ذلك لأقول  لا وجود لإدارة فاعلة للوقت في جميع مناحي حياتنا.  
 
ونردد كل يوم  قوله تعالى: { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين} ، وقد تلونا هذه الآية مرات عديدة في صلواتنا  ،وكتبناها معلقة على جدران الصفوف  , مع ذلك فنحن  شعب شره وأكول يحتل الطعام جزءا وافرا من نشاطه اليومي , ومناسباته وأعياده ونزهاته ومن ثم نجد أن نسبة السمنة وصلت لدى الأردنيين إلى 81%   , وأن مرض السكري قد بات يمثل لمجتمعاتنا الكسولة وباء مستشرياً يترصد بالكثيرين منا. ودلت الدراسات على أن السمنة الناجمة عن الإفراط في تناول الطعام تعد من أخطر أمراض العصر، إذ ينشأ عنها العديد من الأمراض التي تهدد حياة الإنسان وتعرضه للهلاك ،ومع ذلك نسينا أو تنسينا  المقولة المأثورة :  المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء. 
 
وقال لنا المعلمون يوما ما ونحن نصطف داخل الصفوف  (ماحك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك) وعندما كبرنا انضم هذا المثل إلى قائمة الاكذوبات التي تعلمنا إياها المناهج المدرسية, حيث اكتشفنا بأننا  شعب مستهلك ، نستورد كل شيء  ، بل أن كثيراً منا يشعر بالعيب للقيام ببعض الأعمال ،  وقررنا أن نجلب مئات  العمال المصريين و السوريين و غيرهم من الأشقاء و الأصدقاء للعمل في تلك الأعمال.  
 
كذلك تردد على مسمعنا  (الطمع ضر ما نفع ) فإذا بها قيمة تعلمنها في المدارس و بقيت  داخل الدرج ومعلقة على الجدران ولم  تصحبنا إلى الفضاء المدني العام خارج المدرسة , ولم تدخل إلى قائمة القيم لدينا ،  اكتشفنا إن الكل يجري خلف الطمع و الجشع ووراء مصالحه الشخصية  ، بل هو سلوك إنساني متجذر جعل كل فرد منا  لا يشبع ولا يرضى فيبقى ساخطاً حتى نهاية حياته .
 
أخشى بأن نكتشف يوماً بأننا شعب يعاني من ضبابيةً وغموض في سلم قيمه الثقافية , أو أننا شعب بلا قائمة قيم ، لذلك لا بد من الانتقال من منظومة تعليم القيم المعتمد على نقل المعارف والمعلومات إلى مرحلة غرس القيم و تنميتها وهي مرحلة تتجاوز نقل المعلومة إلى مخاطبة الجانب الوجداني ثم نقل هذه القيمة إلى الجانب السلوكي و الممارسة الحقة ، و من هنا لا بد  من وضع  برنامج تربوي خاص بالقيم يستند إلى تصميم أنشطة متنوعة تتجاوز مرحلة تعليم القيم إلى غرسها .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد