تعثر حراك التحول إلى الديمقراطية

mainThumb

21-05-2012 08:51 PM

 التثاقل الفكري الذي ألم بقدرة التحليل السياسي في وسائل الإعلام العربية منها والأجنبية    الناطقة بالعربية على فهم طبيعة الحراك الذي أخذ طابعا شعبيا في عدد من الدول العربية, وعلى ملكة توصيفه بما يتفق مع ما آلت إليه أحوال تلك المجتمعات السياسية والاقتصادية , وما أدت إليه من مصاعب ومتاعب ,أدى إلى خفوت الصوت المنادي بوصفه , أي الحراك ونتائجه,بالربيع العربي وإلى الحيرة في البحث في عناصر ثورية المنجزات وروابطها التي جاءت  في سياق تسارع الأحداث دون أن تكون تلك النتائج ومىلاتها مقصودة أو تشكل أي منجز كان من أمنيات ذلك الحراك وأهدافه.

 
يفضي الراصد الدقيق لحراك تونس ثم بعدها مصر( حراك شعبي سلمي و ووجه بقسوة السلطة آنذاك وحرابها ), إلى القول إن المطالبة بالديمقراطية الموصوفة لم تُسمع في شعارات المنددين بأنظمة الحكم,ولم تشكل محورا في مطالبات المعتصمين والمتظاهرين والمحتجين على ظلم الحكام وعلى تفشي الفساد في تلك النظم التي أهملت حاجة الناس إلى حتمية التغييرفي وجوه الحكام وأبنائهم , وفي أساليب الحكم وفي سلوك الأحزاب الحاكمة شكلا , والمحكومة عمليا برغبة الحاكم ومراده ورغباته. أحزاب أهملت أهمية مراجعة برامجها وتقويم نتائج تلك  البرامج, وتغاضت عن أخطاء زعاماتها, وتوهمت إن في علاقة الحاكم بالشعب دعما يغنيها   عن التعامل مع قضايا الناس ومتاعبهم من جراء القرارات الحكومية وبيروقراطيتها وعسفها وتكسب الفاسدين والمحاسيب دون رقيب أو حسيب,فوجدت نفسها تدورفي فلك تجمع مصالح يحقق المجتهد منهم فيها ثروته بحسب قدرته على التحايل واستغلال المنصب والتخويف   بالعلاقة مع النظام الحاكم ورعاته . 
 
على الرغم من وجودأحزاب سياسية تنادي بمبادئ تغطي مساحة واسعة من الأفكارالمتعددة المشارب, من اليسارية واليمينية والوسطية الدينية والعلمانية والليبرالية والديمقراطية , وعلى الرغم من أعداد المثقفين والمفكرين والفلاسفة التي تشكل طيفا واسعا من المعارف في مختلف المجالات العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية , فإننا ما زلنا,في الوطن العربي وبعدكل هذا الحراك ,نصطدم بموجة من عدم اليقين مما ستؤول إليه أوضاعنا السياسية , ولا زال الغموض يكتنف دروب التغييرالذي سيقتصرعلى تغييرقوى لا ديمقراطية ,بقوى ليس لهاتاريخ ديمقراطي ,وإنما كم من أدبيات تعادي في مضامينها قيم الحرية وآلياتها ,لم تحدد لها مسارا ديمقراطيا أو شبه ديمقراطي يتخطى آلية الانتخابات إلى آليات إدارة الشأن العام    بالمبادئ الديمقراطية وقيمها التي استخلصتها الشعوب المتحضرة عبر تجربة تاريخية طويلة شديدة التمسك بقيم الحرية  ,وتجاوزمسألة الأغلبية الأقلية التي تشوه المعاني الديمقراطية ,  وتحط من قيمها.
 
نتائج الحراك ساقتها تطورات الأحداث التي رافقت الحراك دون رغبة منه أو تخطيط مسبق له, وكانت في بعضها تجتاح الساحة رغما عن إرادة أطرافه وقواه متشعبة الغايات المتناقضة في عناصرها.فقد بدأ الحراك مطالبا بالحريات وبمحاربة الفساد والقمع السياسي والتفرد بصنع  القرار في أنظمة تحكمها أحزاب سياسية تمسكت بقياداتها ردحا طويلا من الزمن بتكرار العملية الانتخابية المجردة ,لذر الرماد في العيون الديمقراطية, والتستر على تحريف مبادئها باسمها, وهذا السلوك ليس غريبا على أعداء الديمقراطية وكاريهيها,فقد قيل :( يستفيد من الديمقراطية أعداءها أكثر بكثير مما يستفيده أنصارها والمؤمنون بها بصدق).   
 
ثم انتقلت المطالبة بتسيير الأحداث لشعاراتها , وليس برغبة أطرافها,إلى المطالبة بإسقاط   النظام , الذي وجد النظام نفسه مضطرا إلى الإذعان لهذه المطالبة تاركة الساحة لجملة من التناقضات التي ما زالت ثورتي تونس ومصر تعاني من نتائجهما للآن والمرشحة للتفاقم   بعد أن قلصت المفاهيم الديمقراطية , وبرزت اتهامات من مثل سرقة الثورةمن الثوارالحقيقيين . فاحتارت موجات الثقافة العربية في الإجابة عن التساؤل : كيف تُسرق الثورة من ثوارحقيقيين؟؟!. وهو تساؤل لا يشكك في نوايا شباب الحراك وأسبابه ونواياه الإصلاحية , وإنما يؤكد على إن الانسياق في اتجاه يقوده انسياب الأحداث وتسارعها منزلق مربك ومحير!.
 
حراك المجتمعات السلمي , المنظم , والمنسق بين كافة قواه ومكوناته , والاتفاق بينها دون التفاف على مراحله وتسارع أحداثه , أو تواطؤ لتحقيق مكاسب فئوية ,الموجه بمسالك لمقرطة الجادة والواضحة الغاية والهدف, تجربة ذاتية في مجتمعات عانت من غياب الديمقراطية ولم تتوصل إلى حدودها الدنيا في مختلف أقطارنا لعربية كما حدث في حراك التونسيين والمصريين لغاية الآن. وهو حراك ,أي حراك المقرطة, يقود الأحداث ويوجهها وينيردرب كل خطوة في مرحلتها التي تكتسب وضعها على أرضية الوصول إلى الديمقراطية.
 
في الوصول بالحراك الشعبي إلى الديمقراطية , جميع الفئات من مختلف الاتجاهات والمشارب وبمختلف المآرب تحقق المكاسب وتؤكد ذاتها العقائدية والفكرية وتتساوق مع مبادئها وقيمها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد