«الإسراء والمعراج» و«العشائر العريقة»

mainThumb

19-06-2012 01:11 PM

 حادثة الإسراء والمعراج، رحلة خاصة بنبي الأمّة؛ «محمّد بن عبدالله»، صلى الله عليه وسلم، تكريماً له، وتخفيفاً للحزن الذي أصابه بعد فقده بالموت، عمّه «أبا طالب»، ثمّ زوجته «خديجة»، رضي الله عنها، وتجفيفاً للهمّ الذي تسبب به قومه له، في أثناء دعوته إلى الحق، وفيها أراه الله تعالى بعضاً من آياته الكبرى، وفرض الصلاة على أمّته.

ومن ألفها إلى يائها، ومن مكة المكرمة إلى بيت المقدس، وبالعكس، لم يرد في أبجديات القصة، أي دور للشعوب والقبائل والعشائر والعائلات والأسر، بل لم يرد فيها ذكر للبشر من غير الأنبياء، سوى صور لبعض أصناف من أهل الجنة وأهل النار، ثمّ ردّ فعل «قريش» وبعض صحابته، عليه الصلاة والسلام، عليها، بعد عودته.
 
«فلان الفلاني ـ بذكر اسمه ـ من العشائر العريقة»، في الأردن، هكذا عرّفت بضيفها، إحدى مقدمتَي برنامج يبثّه حيّاً تلفاز أردني حديث، وذو مضمون يوحي بالحفاظ على ديننا، في أثناء استضافته هاتفياً، إثر الحديث عن مناسبة الإسراء والمعراج، يوم الأحد الماضي، السابع والعشرين من رجب.
 
 ولقد اعتدنا في الإعلام، التعريف بالآخرين، بأسمائهم، وألقابهم العلمية، وصفاتهم الوظيفية والمهنية والحزبية والاجتماعية ... كل حسب الوصف الذي ينطبق عليه، من دون تمجيد عشائرهم، حتى وإن كانت «عريقة»، ما لم يكن الحديث عن القبيلة.
كان التعريف بذاك الضيف بطريقة تلك المقدمة، مجانباً لأدبيات الإعلام وواقع المناسبة الكريمة، فما علاقة عشيرته بأحداث الإسراء والمعراج؟ كان ينبغي على الزميلة الإعلاميّة أن تُعرِّف به بصفة غير صفته تلك، كـالشيخ أو الوجيه أو الناشط الاجتماعي، إن كان من ذوي هذه الصفة، ولا صفة أخرى له، لأنّ ذلك يزيد تجسيد الولاء للعشيرة على حساب الولاء لله والانتماء إلى الدين والوطن، كما أنّه يوحي بالفئويّة والمحسوبيّة، ويؤثر في تركيبة المجتمع، وبخاصة أنّه صدر عن إعلاميّة لباسها لباس المؤمنات، وأحسبها منهن، ومهذبة، ومحطة تدعو إلى الفضيلة والإخاء والوحدة والنصرة، وتبث ما يرضي الله، عزّ وجلّ.
 
خطأ تلك الإعلاميّة ـ وأظنه عن غير عمد ـ يؤكد تغلغل الجانب السلبي من الفكر العشائري في عقل المجتمع الأردني، وسريان دم العصبيّة في عروق أفراده وجماعاته، والانقلاب على المجتمع المدني المنشود، وكلّنا مسؤولون عن ذلك: الحاكم والحكومة والرعيّة.
إنّ الإعلام النزيه لا يروِّج لجماعة على حساب أخرى، ولا يُقحم عشيرة في أحداث هي ملك للأمّة كلّها، كما أنّ منح طائفة صفة العراقة وحجبها عن أخرى، لا يتوافق ووظائف الإعلام الإسلامي، الذي يفترض أن يحارب ما أصابنا من أدواء العنصرية والمذهبية. 
 
وعلى الرغم من ملاحظتي تلك على هذا التلفاز، فإنّه مشروع إعلامي يبشر بالخير والتغيير نحو الأفضل، إلا أنني آمل منه التروي؛ ليستمر نجاحه. 
 
«الإسراء والمعراج»، فيض من الآيات والدروس والعبر، لنفهمها ونعمل بها، علّنا نعود أمّة عريقة، لا «عشائر عريقة» فحسب.  


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد