تنتشر على صفحات «فيس بوك»، دعوات عدّة إلى مقاطعة «مهرجان جرش للثقافة والفنون 2012»، وتقول إحداها: «أنا مقاطع لمهرجان جرش غير الثقافي وغير الأخلاقي وغير الوطني وغير الأردني».
أتفق مع «غير الأخلاقي»، كون المهرجان منصّة للفاسدين والمفسدين والإفساد، وفرصة لتعزيز الميعة «الميوعة» والتصيع «الصياعة»، كما أتفق مع «غير الوطني»، لأنّ ذلك يتعارض والوطنيّة الحقة، والانتماء الصادق إلى وطننا، فهل هزّ الخصر والصدر، برهان على حب الوطن؟! وهل تقبيل الفنانين والفنانات مؤشر على حسن السلوك الوطني؟! وهل يفرز الرقص بمال الشعب المُجَوَّع، مواطنين صالحين؟!
وأمّا «غير الثقافي»، فينبغي الاعتراف أنّ في المهرجان جانباً أدبياً، وهو الشعر، والندوات أو الجلسات الحواريّة، إلا أنّ هذا لا يشفع له، كون مادته الرئيسة الغناء والرقص، ما لم يعدّ ذلك (الغناء والرقص) ثقافة.
وأختلف مع «غير الأردني»؛ لأنّ المهرجان ينظم على أرض أردنيّة، وبعقول وسواعد أردنيّة، وجلّ حضوره من المجتمع الأردني (منّا وفينا)، فلماذا نرمي ضلال فئة منّا على غيرنا؟ وما ادّعاء أنّه يستقطب حضوراً من غير الأردنيين من خارج بلدنا، إلا ادّعاء باطل؛ فأردننا ليس وجهة مفضلة للسياحة الفنيّة، وحتى الذين يتابعونه من غير الأردنيين، لم يحضر غالبيتهم لأجله، وإنّما تزامنت زيارتهم مع عقده.
وعلى الرغم من تهافت أردنيين عليه، فإنّهم لا يمثلون الصورة الحقيقيّة لعامّة أهل بلدنا، وهي الالتزام بالدين والعادات والتقاليد الرافضة كل أشكال الترفيه غير المباح، والغيرة على وطننا الصغير ووطننا الكبير، والبكاء أو التباكي على قتلى أمّتنا غرباً وشرقاً وشمالاً، والتألّم لآلام ذوي القربى؛ نسباً ومصاهرةً وجيرةً، آلام الإهانة، والشتم، والتجريح، والتشويه، والتمثيل، والاغتصاب، والتجويع، والتهجير...
يحق للأردنيين الشرفاء، بل يجب أن يرفضوا هذا المهرجان وما هو على شاكلته؛ لأنّهم ليسوا أهل طرب وفنون، ولم يعتد أحدهم الفرح فرحاً مبالغاً فيه وجاره حزنان، كما تربوا على أن يقسموا قطرة الماء ولقمة الطعام بينهم وبين أشقائهم، وحتى أصدقائهم، وهذا الرفض نابع من دينهم وقوميتهم ووطنيتهم وأخلاقهم وعاداتهم وعهودهم...
ومن السخف أن يدّعي الدكتور «فايز الطراونة»، رئيس الوزراء، الرئيس السابق للجنة العليا المنظمة للمهرجان، أنّه ـ أي المهرجان ـ «أثبت للعالم أنّ الأردن واحة أمن واستقرار». أي معيار هذا الذي يستند إليه؟! لم يرد في العلوم الأمنيّة، ولم تكشف الدراسات ذات العلاقة، ولا برامج التقييم، أنّ التمايل بالمؤخرات، والدوران بالخصور، والرط بالأثداء، والتعاكس بين الجنسين، وكذلك شرب الخمور، معيار أو مقياس للأمان والطمأنينة والاستقرار في المجتمع، بل إنّ المهرجان عبء على أجهزتنا الأمنيّة، المبتلى بعضها بحراسته وحمايته.
وأخشى أن يخرج «الطراونة» ذاته، ثانيةً، أو غيره من محاربي الإصلاح، فيقول: مهرجان جرش، أو مهرجان كذا، أثبت للعالم أنّ الأردنيين مترفون (أي أبطرتهم النعمة وسعة العيش)، ولا صحة لادعائهم الفقر، والحاجة، وغلاء الأسعار، وقلة الماء والمأوى.
آمل أن يلفظ مهرجان جرش، في ختام أنشطته، هذه الأيّام، أنفاسه الأخيرة، ليمسي «روحة بلا رجعة»، فهو أساء أكثر ممّا يُدّعى أنّه أحسن، وكلّ شين يُتمنّى زواله.