النهضة والعدل والثورات

mainThumb

03-08-2012 02:24 PM

 كثر الكلام في العقود الماضية عن النهضة في العالم الإسلامي والعربي , ووضع الكثير من المفكرين والدعاة مشاريع للنهضة , مشاريع ليبرالية ومشاريع علمانية ومشاريع إسلاميه ومشاريع قومية , وكل مشروع ينفي الآخر ويقوم على إلغاءه وهدمه ثم إقامة للمشروع الجديد على أنقاضه . 

 
أول انقلاب عسكري قام في سوريا عام 1949 , تلتها الكثير , في مصر والعراق واليمن ليبيا , وكل انقلاب يهدم مشروع النهضة الذي قام به سابقيه , وينحرف عن مساره وهو في عملية الهدم إلى التحول لطاغية وظالم وقاتل ,  وهذا ما رأيناه في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والعراق والسودان وغيرها .
 
وكذلك في إيران وأفغانستان كدول إسلاميه قامت بها حكومات بعد ثورات أو حروب واتخذت مشاريع نهضة يقولون أنها إسلاميه , ثم تحولت إلى طغيان وظلم واستكبار .
 
مشاريع نهضة كثيرة قرأنا عنها أو  سمعنا بها , كلها انحرفت عن طريقها , لأن المبدأ الأساس الذي يجب أن تقوم عليه أي نهضة غير موجود , أو فقد أثناء محاولة هدم المشروع القديم , 
 
الهدف الأساس في أي نهضة حقيقة هو " العدل " . وأي انحراف عن العدل هو انحراف عن مشروع النهضة . وتدمير لها , فلا نهضة يمكن أن تقوم بدون عدل وقسط .
 
فالثورات قامت أساسا على إرساء قواعد العدل , ولو كان العدل موجودا لما قامت أي ثورة , ولا ثار أي إنسان  , وعرض مكتسباته وحياته وأمنه  للخطر . فلو كان الناس سواسية أمام القانون , وكانوا سواسية في الفرص , وأحرار في إبداء أرائهم , واستمع القائم على أمر الوطن لما يقولون , ولو كان الحكم شفافا , والفساد محاربا بغض عن النظر عن قرب الفاسد من ولي الآمر أو بعده . هل سنحتاج إلى ثورات تراق بها الدماء وتزهق بها الأرواح ؟ 
 
لا نحتاج إلى مخططات للنهضة , لا نحتاج إلى تنظير لها,  نحتاج فقط إلى العدل , وعندما يسود , فسوف تنطلق طاقات الناس , وتتفتق عقولهم بالجديد والجديد , وتتطور البلد وتنطلق. والشواهد على ذلك كثيرة.
 
يظن الكثير أن النهضة بعيدة المنال , وتحتاج إلى مخططات من ألآلاف الأوراق المحبرة وعشرات أو مئات المؤتمرات , وعشرات السنين من العمل المضني  لكي نصل إليها .
 
لنتذكر أن اليابان نهضت خلال سنوات قليلة بعد تدميرها وقتل معظم شبابها في الحرب العالمية الثانية  وصدرت أول سيارة إلى أمريكا بعد حوالي 15 سنة , وكذلك أوربا استعادت طاقاتها الزراعية والصناعية خلال اقل من خمس سنوات ,  ولم تستخدم سوى ما يزيد قليلا عن 50% من المبالغ المخصصة في مشروع مارشال الشهير , كل هذا بسبب شيء واحد " العدل ".
 
عدل في توزيع الثورات , عدل في مراقبة الفساد , عدل مقابل القانون , عدل في المجتمع والحكومة . وصدق  ابن خلدون حين قال " العدل أساس الملك " . 
 
العدل قاعدة شرعيه وعقلية وسياسية , فيقول الله سبحانه وتعالى . {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا} , ومعنى الآية واضح لا يحتاج إلى تفسير , ولكني أركز هنا على معنى " ألأمانات " . فهي لا تعني فقط ما استأمننا عليه الآخرون من مال ومتاع  , بل المعنى أوسع وأشمل , فهو يشمل المجتمع والأسرة والابن والزوجة والزوج و ألآب والآم , وحقوق الآخرين المادية والمعنوية , سواء كنا من الحكام أو المحكومين , فهذا أمر , كما أن الصلاة والصوم والشهادة وكل الأوامر الإلهية الأخرى . وعدم أداء الأمانة يعتبر منكرا وفسقا , وفي الأثر عن عبدالله بن مسعود ” من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له " 
 
وعكس العدل هو الظلم الذي هو ظلمات يوم ألقيامه , أخرج الشيخان عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وأخرج مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
 
إذا أردنا النهضة في عالمنا  فلنتعامل حكاما ومحكومين  بالعدل , فلا نحتاج لتنظير النهضة , ولا نحتاج وضع قواعد لها وأصول ومؤتمرات . 
أعطني عدلا فأعطيك رقيا ونهضة , فلا يمكن أن تقوم نهضة دائمة على ظلم , 
 
وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد