لـعـنة الـديـمقـراطـية

mainThumb

11-08-2012 12:05 PM

التحول إلى الديمقراطية ( المقرطة ) سياسة بدأت تجد صدى لها في العديد من المجتمعات المعاصرة. ترتكزمبادئ المقرطة على قواعد منهجية راسخة وموجبات أخلاقية واضحة النصوص تعبرعن آلياتها بمفردات مفهومة ودلالات معانيها عصية على التحويروالتزوير ومتقنة في تنظيم التزامن بين عناصرها .


جاءت موجة المقرطة الأولى مع بدايات تفكك دول المنظومة التي كان يتشكل الاتحاد السوفياتي السابق منها,كردة فعل على عجز الديمقراطيات الاشتراكية عن التجاوب مع قضايا الحريات الفردية , والتماهي مع دوافع الفرد على تحقيق ذاته بتلمس معالم طريق التنافسية بين أقرانه    ليأخذ مكانة يستحقها في دوره في مجتمع يروم العدل بين الكفاءات في مواقع البناء الدينامي  لقدرات المجتمع وتنمية ثرواته بالوسائل التي تعود على مجتمعه بمنجزات التحضرالتي تشهد انجازات مدهشة يتسابق فيها روادها مع الزمن في ملاحقة الابتكارات التكنولوجية ومخترعاتها واستيعاب التجديد الدائم في أدواتها وفي مصطلحاتها ونظرياتها المتلاحقة في الكشف عن مزيد  من المعلومات التي يمكن  للعقل البشري أن يسخرها لخدمة أغراضه التنموية .


جرى وما يزال الخلط المفاهيمي بين الديمقراطية كمصطلح دينامي تضم قيمه تراثا ً ضخما ًمن   القيم الأخلاقية والإنسانية التي تحققت بالتطلع الدائم للإنسان للحرية والكرامة والتساوي في  الحقوق والواجبات الوطنية بأقرانه ومواطنيه, وبين آليات الممارسة الديمقرطية ووسائلها التي   تقع الانتخابات في صدارة قائمتها الراسخة في الممارسة الديمقراطية منذ آلاف السنين وذلك عند اختزال تراث الديمقراطية ومفاهيمها الحضارية ,والتدليل على وجودها بإجراء بالانتخابات وحسب. ويجري ذلك الخلط غالبا ً بتعمد واضح من السلطة الحاكمة أو من نخب التيارات   السياسية وأحزابها الشمولية في محاولة بائسة لتضليل الرأي العام والتحايل على برمجة دورالمواطن بمكونات الوطن التعددية, والقوى السياسية وتياراتها الوطنية في إدارة شؤونهم وتسييرأمورهم الحياتية ضمن نطاق تراث الديمقراطية الغني والمتجرد والمتنوع لمحاكاة قضايا المجتمع ومعالجة معضلاته.


الانتخابات وسيلة ضرورية من وسائل الديمقراطية تمكن المواطن من اختيارمن ينوب عنه في المجالس النيابية وغيرها, ولكنها ليست كافية لادعاء التمثل الديمقراطي . وقدهلل الأثرياء لحق الدعاية الانتخابية للمرشحين فألغى قدرة الفقيرعلى الترشح وحد من قدرة الطبقة الوسطى على المجازفة في الترشح لكلفته المادية الباهظة.ولم يسع استخدام المال في السياسة سوى لغرض   شراء الذمم أو شراء القرارالذي يحقق مزيدا ًمن الثراء للأغنياء. ومن النادر أن تجد أحدا ً يسرد لنا حكاية من تراث القيم الأخلاقية كان للمال دوراعلى رفدهاأو تشجيعها أوالوقوف على الحياد من تبني الناس لها,ولكن الأدلة على تناقض المال بقيمه المادية والأخلاق بقيمها الإنسانية عديدة وتملأ صفحات من التاريخ قديمه وجديده ومن الزمن ماضيه وحاضره.وهكذا تركزالاختيار للممثلين بهذه الطريقة (الانتخابات) في عدة  أنشطة ديمقراطية في أعرق الدول ممارسة للديمقراطية.


ولما كان المجتمع الدينامي المتحضروالمستقرهومجتمع  الحرية والتعددية والديمقراطية  التي تشكل كل منها منظومة بحد ذاتها من القيم والآليات الدينامية ,المتضامنة في عناصرها    والمتكاملة في فكرها والمتعاضدة في معاني مفرداتها والمفعلة مكوناتها بضمانة دستورية ,تشكل الأهداف الرئيسة للمقرطة غيرقابلة للتلاعب والتحايل وأنصاف الحلول وتبدل الأمزجة    والرغبات في استهداف إقامة دولة مؤسسات واضحة فيها معالم السلطات القضائية والتشريعية والتفيذية الأساسية بصيغ اللامركزية الضامنة لأفضل سبل مشاركة المواطن التوافقية في صنع القرارالذي يمس المسائل الثقافية والانتمائية والفكرية له الملتزمة بالتشريعات والقوانين التي يتساوى الجميع عندها دون تفرقة بين الناس من أي لون أو مصدرأوجهة كانت ,أولأي سبب كان.


ولعله من العسيرعلى أي محاولة إسقاط أي من هذه المنظومات لوحدها منظومة الحرية ومنظومة الديمقراطية ومنظومة التعددية على أرضية مجتمع كالاكتفاء بخداع انتخابي لادعاء تمثيل   الشعب والتخفي بالممارسة الديمقراطية, فالمصوتون ينقسمون عادة بين فئات منها:-
*- فئة مؤيدة عن قناعة ذاتية.


*- فئة ملتزمة بروابط عقائدية أودينية أو سياسية أوعرقية أوعشائرية.
*- فئة تعطي أصوتها لمنافس نكاية بمرشح آخر.
*- فئة تعتبر أصواتها سلعة لمن يدفع أعلى الأسعار!!.
*- وهناك من يصوت لصديق أولمن لا يعرف وإنما أداء لما يعتبره واجب.
وهذا ما يجعل من ثقافة الديمقراطية المنفصلة عن الحرية والتعددية  ثقافة أسيرة للمصالح الشخصية والفئوية .


ولما كان نصف حرية أوبعضا َمنها لا يساوي حرية ولا يتماهى مع أي جزئية منها ,وافتعال  تعددية تقسيمية لأغراض انتهازية لا تدخل في تصنيف التعددية البنائية الوحدوية,كل ذلك أو   بعضا منه يؤدي إلى خلخلة مفاهيمية لمعاني الديمقراطية وقيمها ولمعاني الحرية وقداسة مضامينها ولمعاني التعددية وإرادة السماء في تشكيلها وتكوينها,فيدخل المجتمع ,شبه الديمقراطي والمتوهم إنه إنما يمارس الديمقراطية دون اكتمال متطلباتها الأساسية والضرورية واللازمة في مرحلة تهلهل الكيان الاجتماعي- الثقافي,وتسيب المفاهيم السياسية والقانونية , واستبداد الرغبة الفردية في الاستئثار بالمنفعة بين مختلف فئاته وتنوع مكوناته, وترتبك العلاقة بين المواطن وأقرانه من شدة الإحباط من جهة وبين المواطن والسلطة من شدة القلق وانعدام   الثقة من جهة ثانية متزامنة مع الأولى. وتسودالريبة والتوجس بين العقلاء من القوم وغيرهم    كما ينسحب ذلك الارتباك على مختلف العلاقات الأخرى ومنها العلاقة بين المواطن وبين المؤسسة,وبين العامل ورب العمل وبين البائع والمشتري ....وتتوترالمشاعرعند لزوم المطالبة بالحقوق كما يقدرها المطالبون بها وحسب أهوائهم وتستقوي العصابات على قوى الأمن بحجج الحقوق المدنية,وتعلو أصوات تهتف لتبدُد الخوف من السلطة لتحل محلها مبررات الفوضى   العامة في الشارع وفي المنتدى وفي الجامعة وفي المؤسسات والنقابات المهنية والحرفية وتبررها.


في المجتمعات التي  تتلكأ إثناء التحول في عملية المقرطة في تطبيق مبادئ هذا التحول    الواضحة المعالم بإخلاص ودون مواربة تتحول إلى مجتمعات شبه ديمقراطية,تحل الفوضى في أرجائها محل الاستقرار, وتكثر مسببات الاضطرابات السياسية والاقتصادية ودوافعهما وتحدث الانشقاقات الوهمية والعملية بين مكونات المجتمع بإثارة الغرائزالعشائرية والإثنية والطائفية والأقاليمية وأي منفذ إلى تمزيق الروابط المجتمعية, فتصبح شبه الحرية لعنة على ممارسات أفرادها وحرياتهم وشبه التعددية لعنة على تكاتف عناصرها وتعايشهم وشبه الديمقراطية لعنة   على سيادة القوانين والتوافق والوئام الاجتماعي.


تكامل الصيغ الديمقراطية والحرياتية والتعددية مسألة لا تقبل التقسيم أو التجزئة أو تأجيل بعضها أو تجاوزأي صيغة من صيغها لأن من شأن ذلك أن يجلب غضب أي منها لتحل لعنته على الجميع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد