المبادرة المصرية في سوريا

mainThumb

18-08-2012 02:52 AM

 يبدو ان الرئيس المصري الجديد والمنتخب، الدكتور محمد مرسي بدأ يستعيد دور بلاده القيادي في المنطقة بصورة اسرع مما توقعه الكثيرون، خاصة ان هذا الدور انكمش بل واختفى من دائرة الفعل طوال الاربعين عاما الماضية، سواء بسبب عزلة مصر في عهد انور السادات بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد، او لتنازل خلفه الرئيس حسني مبارك عن هذا الدور لقوى اقليمية اخرى.

الرئيس مرسي وبعد سيطرته على القوات المسلحة والإعلام، والاطاحة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، واستعادة السلطتين التنفيذية والتشريعية على اثر ذلك، بدأ ينشط على الصعيد الاقليمي ليقول لمن اختطفوا الدور المصري: نحن هنا. 
 
فالمبادرة التي طرحها الرئيس مرسي لمعالجة الوضع السوري، وايجاد حل سلمي يحقن الدماء، وتتمثل في تشكيل "مجموعة اتصال رباعية" تتكون من تركيا وايران والمملكة العربية السعودية الى جانب مصر، تأتي تكريسا لهذا النهج المصري الجديد الذي يريد إحياء الزعامة المصرية مجددا.
 
الدول الاربع هي المراكز ذات الثقل الاقليمي الرئيسي في منطقة الشرق الاوسط، وهي الوحيدة، مجتمعة، القادرة على التدخل بفاعلية وحسم في الملف السوري، بعد ان فشلت جميع المبادرات الاخرى، سواء تلك الصادرة عن جامعة الدول العربية او الأمم المتحدة.
 
الأزمة السورية تؤثر بشكل مباشر على جميع هذه الدول، باستثناء مصر، لأن الدول الثلاث الاخرى، اي السعودية وايران وتركيا، متورطة فيها بشكل مباشر، سواء بتزويد الاطراف الرئيسية بالسلاح والمال، مثلما هو حال كل من ايران والسعودية، او بالتسهيلات اللوجستية العملياتية، مثلما هو حال تركيا التي باتت قاعدة رئيسية للمعارضة وقواعد تدريبها وتسليحها.
 
الدور المصري غاب، او بالأحرى "غُيّبَ"، لأسباب عديدة منها الانشغال بترتيب البيت المصري الداخلي، واعادة بناء مؤسسات الدولة على ضوء نتائج الانتخابات الديمقراطية، وتنظيف المؤسستين العسكرية والأمنية من بعض رموز النظام القديم. ولعل العناق الحار بين الرئيس مرسي ونظيره الايراني على هامش قمة مكة الاسلامية الاستثنائية، هو اول رسالة قوية وبليغة تؤشر الى استرداد مصر لعافيتها، وتأكيد رغبتها في لعب دور نشط في قضايا المنطقة.
 
ان عدم تورط مصر في الأزمة السورية يؤهلها لكي تكون وسيطا محايدا ومقبولا من طرفي الأزمة، السلطة والمعارضة، وان كان النظام السوري قد هاجم الرئيس مرسي بطريقة متسرعة وغير دبلوماسية، عندما ايدّ في احد خطاباته الثورة السورية، ووصف مطالبها في التغيير الديمقراطي بأنها مطالب مشروعة، ونقول بأنه هجوم متسرع وغير دبلوماسي لأن الرئيس احمدي نجاد كرر الشيء نفسه، واكد على مشروعية مطالب الثوار السوريين في الاصلاح والتغيير الديمقراطي، ولكن اجهزة الاعلام السورية الرسمية لم تتعرض له مطلقا بأي نقد لأسباب معروفة للجميع.
 
" " "
 
فرص نجاح هذه المبادرة المصرية تبدو افضل كثيرا من كل المبادرات السابقة، ليس لأن الاخيرة قد فشلت في حقن الدماء، بل زادت الأوضاع تعقيدا، مما ادخل البلاد في صراع مسلح، وحرب اهلية طائفية يتفق النظام والمعارضة معا على إنكار وجودها.
 
فرص النجاح افضل لأنها تبدو مبادرة تعترف بالحقائق على الارض، والتدخلات الاقليمية في الأزمة، مضافا الى كل ذلك عدم وجود اطراف اجنبية تقف خلفها مثل الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية الاخرى.
جميع المبادرات السابقة استثنت ايران من اي دور في الحل، وعملت على إبعادها كليا من الاتصالات الجارية، وعندما ادرك كوفي عنان هذا الخلل الاستراتيجي وبدأ يعمل على اصلاحه من خلال رفع هذا "الفيتو" الامريكي والغربي عنها، قررت واشنطن وبعض الدول الاوروبية والعربية الاخرى افشال مهمته، واستبعدته كليا من آخر اجتماع لمنظومة "اصدقاء سورية" في باريس، الأمر الذي دفع الرجل لفهم الرسالة وقرر الاستقالة من مهمته كمبعوث للامم المتحدة والجامعة العربية.
 
بالأمس اعلن السيد الاخضر الابراهيمي الدبلوماسي الجزائري المعروف، قبول قرار تكليفه من قبل الامين العام للامم المتحدة بخلافة كوفي عنان، رغم التحذيرات العديدة التي تطالبه بالبقاء بعيدا عن هذه المهمة المحكومة بالفشل، فالرجل الذي اسس للمحاصصة الطائفية والعرقية في العراق، التي قادت الى تقسيمه الى عدة كيانات وحلّ جيشه، يريد ان يجرّب حظه مرة اخرى في سورية التي باتت حقل تجارب، وارضية للصراع بين القوى العظمى التي تخوض حربا بالوكالة على ارضها.
 
المبادرة المصرية يجب ان تجبّ ما قبلها من مبادرات، بما في ذلك مبادرة السيد عنان التي سيرثها السيد الابراهيمي. فحلّ الأزمة السورية يجب ان يكون اقليميا، واي دور للامم المتحدة، او حتى جامعة الدول العربية يجب ان يكون مساعدا وعن بُعد، لأن المطلوب بداية جديدة وجدية، بعيدا عن اجندات الغرب والشرق معا وبما يوفر الحد الأدنى من فرص النجاح.
 
واذا كانت بعض الدول العربية والغربية تفرض "فيتو" على اي مشاركة ايرانية في جهود الحل في سورية، فإن العناق الحار الذي حظي به الرئيس الايراني احمدي نجاد من قبل العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز اثناء قمة مكة الاستثنائية، من المفروض ان يكون اسقط هذا "الفيتو" وأزال العوائق من امام اي مشاركة ايرانية في الحل.
 
" " "
 
ايجاد حل سياسي للأزمة السورية يرضي جميع الاطراف، ويعيد للشعب السوري كرامته وحقوقه المشروعة كاملة في ادارة شؤون بلده، ويوقف نزيف الدم، ويحول دون تحوّل البلاد الى دولة فاشلة تسودها الفوضى، هذا الحلّ في مصلحة دول الجوار السوري، قبل ان يكون في مصلحة سورية نفسها. فسورية تعرضت للدمار واستشهد اكثر من عشرين الفا من ابنائها، ولكن دول الجوار هي التي ستواجه تدميرا اكبر في حال وصول نيران الأزمة الى ثوبها.
 
الدول العربية التي استخدمت التحريض الطائفي لاشعال نيران الحرب الاهلية في سورية لا بدّ انها ادركت حجم الخطيئة التي ارتكبتها وبدت تهددها بالخطر نفسه، ولعل المبادرة المصرية هي طوق نجاة لها من خطر التقسيم والتفتيت على اسس طائفية وعرقية الذي بات يهددها انطلاقا من الأزمة السورية.
 
الخلل الاستراتيجي الذي جمّد المنطقة طوال الاربعين عاما بسبب غياب مصر بدأ يتآكل تدريجيا وبسرعة، فمن كان يتصور ان يفرض الرئيس المصري الجديد تعديلا، بل تجميدا لاتفاق كامب ديفيد وارسال قوات مصرية مدرعة وطائرات عمودية الى سيناء رغم انف اسرائيل ودون موافقتها، ومن كان يحلم بأن تتحرك مصر الجديدة لتطرح مبادرة اقليمية خلاقة لحلّ الأزمة السورية بعد فشل الجميع؟
 
المارد المصري بدأ يخرج من القمقم بقوة وثقة، ويستعيد زمام المبادرة والزعامة معا، مؤسسا لمشروع عربي جديد يملأ الفراغ، ويكون ندّا للمشاريع الاخرى غير العربية، ولا نملك إلاّ ان نصلي من اجل نجاحه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد