هو الصراع الدائم منذ الأزل والمستمربين السلطة وبين المواطنين الذي لم تتوصل العلوم النفسية والسيكولوجة ولا العلوم السياسية والإدارية إلى وضع حلول مرضية لأطرافه أو مقنعة ولو لطرف واحد دون الآخرعلى أقل تقدير.ويأخذ هذا الصراع في العادة ,أشكالا عديدة تتراوح بين السلوك المعارض الذي يواجه الحجة بالحجة والرأي بالرأي والأسلوب المعتدل بالأسلوب على أي شاكلة أتى,ويتخذ الموقف الواضح في طروحاته وفي شعاراته القابلة للمراجعة, ويضع المصلحة الأعم نصب عينيه,سعيا وراء كسب ثقة شعبية تقبل به وبأساليب عمله في صراع ودي تنافسي مع ما يقابلها من أساليب البيروقراطية البليدة والمتبلدة من الفكر التنفيذي التقليدي الذي ينسب السلطة إلى الخدمة الواجب تقديمها للمواطنين دون مفاضلة أو تمييزللوصول إلى حلول ببدائل تقبل الأطراف المتصارعة بها باتفاق على التقيد بما جاء بها.
وهناك الصراع الذي يتم بين المعترضين ( لتمييزهم عن المعارضين) وبين السلطة, وهوالصراع الذي يبتعد عن الحوارالبناء أي الحوارالذي يٌبنى في نتائجه على التوافق ,حيث يُعد التوافق الصيغة المهذبة للتفاهم من خلال نظرة احترام كل جانب إلى نظيره والتمسك بمرجعية الحقوق المتساوية في حدهاالأقصى والمتماثلة في حده الأدنى.فالمعترضون لا يستعيضون عن رؤيتهم لمصالحهم بجدل الحقائق والوقائع وإنما يتمسكون برأيهم وكأن الأمرمحسوم بتلقائية خارج إطار زمنها أو قدرية تنفع كل الأزمنة دون حاجة إلى تدقيق او تمحيص.
بين المعارضة والاعتراض فجوة تدخرأزمة تتفجردون إذن من أحد,لأن الاحتماء وراء الحتميات المفترضة يجيش الطبع على العنف ,ويهيئ القدرة على الاستحواذ بالإقصاء حينا والإهمال للآخر حينا آخروتتيح الفرص المناسبة للانقسام والاستئثار بمقدرات الوطن ومصيره. وهي الفجوة التي تفصل بين الليبرالية الوطنية الواعية والمتنورة والمتحررة من كوابيس الفكرالمتجمد عند حدود القناعة بما لا يجوز قبول سواه وبين الفكر الشمولي الذي إنْ جنح نحو التنورحينا فقد تماسكه التنظيمي,وإن خطى خطوة واحدة نحو التحررالفكري واجه انقساما عموديا,وإن قبل مرة فكرة أخرى واجه التمرد والعصيان وإنْ لجأ مرة إلى التماهي مع الواقع فقد توازنه الأيدولوجي وليس مرد ذلك إلى حالة من العقم العقلي وإنما إلى استعباد الغاية واستبدادها بالقدرة العقلية .المعارضون سياسيون ومفكرون بنائيون متجاوبون مع ظروف الساعة ومع ما يدورعلى الساحة من أحداث وتطورات وتغيرات,والمعترضون يضخمون الأنا بتمسكهم بما يعتقدون به الصواب دون حاجة إلى الحوارأوالتماس عذرالواقعية وقيم مبادئ التعددية.
لا يرتبط حق التظاهروالاعتصام بنوع النظام الحاكم ومنهجه السياسي مهما اقترب من الوسيلة الديمقراطية أوابتعد عنها وأنما تقوم التظاهرات وتقف الاعتصامات وتنشط الحركات تحت كل الظروف وفي المجتمعات المتحضرة (المجتمعات الديمقراطية) والمجتمعات شبه الديمقراطية, والمجتمعات الشمولية والاستبدادية والمتخلفة وغيرها.
الوعي المستنيرهوالوعي الذي يربط أوضاعه بما تمليه عليها أزمانها.والزمن لم يعد وقتا ً يمضي هكذا ننتظرفيه غدنا كي يمركما كان يومنا أو كما مربنا أمسنا,الزمن أصبح منجزا ً في كل جزء من أجزاء مُضِيه بنا,ويحمل المنجزمعه أثرا ً جديدا ً أو تجديديا لما اعتدنا عليه وألفناه. والأمة التي تقضي زمنها تألف منجزا بما يفرضه الزمن عليها لم تعد تصنف في مقام الدولة التي تؤلف لما يحمله الزمن لها ولغيرها في عصرنا من الأمم. ويشكل الزمن في هذه لمقاربة تمييزا ًوصفيا ً بين – المُعارَضة— وبين – المُعترِضة— حيث تتميزأطراف المعارضة بمتابعة التغيروارتباطه بزمنه,بينما المعترضة جماعة تركت للزمن حرية المضي دون مراقبة أو متابعة ,فوجدت نفسها تبحث في الماضي وتتمسك بما ألفت , معطلة قدرة التأليف ومذهبة الرغبة فيها.
نجد أن المعارضة تُعمل الفكرالذي يعبرعن غضبه برفع الصوت كلما بانت في الأفق محاولة فساد أو إفساد,وكلما تمادت سلطة في تجاوز حدودها القانونية أو صلاحياتها المنوطة بها,وتُعمل الفئة المُعترضة السوط وتشعل الحرائق وتدمر الممتلكات في غضبها وتثير الهياج من عدم الانضباط العام بضوابطها هي,ومن نظرة الغير لما لا ترى فيه عيونها الصواب.والسلوك هذا أو ذاك تعبيرعن فكرحدد به أصحابه طريقة التعبير ووضعوا له الوسائل المستخدمة المتآنسة مع ذلك الفكروالمستأنسة بوسائله. المعارضة تتبى رؤية مجتمعها وتساهم في بلورة أركانها , والمعترضة تفرض رؤيتها على مجتمعها بالترهيب والوعيد.
كل من التحولات التاريخية الجذرية التي انتقلت بها البشرية إلى مراتب حضارية أفضل ووسائل تعامل أرقى وأساليب تداول أكثر حداثة , جاءت كل منها من فكرة معبرعنها برأي بحرية وشجاعة, وترافقت الهمجية والعنصرية واحتكارالحقيقة وادعاء الصواب بالحروب والقتل والتدميرفأعاقت أصحابها وحطمت قدرتهم على إدراك أهمية علاقتهم بالزمن وأنهت فاعلية وجودهم وتركتهم نهبا ً للجشعين ولنهم الطامعين.
غضب المعارضة تترجمه إلى أفكارتجديدية تطرحها بحماس متقد , وتدافع عن وجهة نظرها برصانة تفرض على الطرف الآخرالاستجابة إنْ كان هذا الطرف سيجد نفسه في موقع المعارضة في حقبة ما. وهي بطبيعة وظيفتها تداولية تتناوب على مهامها الفئات ديمقراطية المنهج واليقين, وغضب المعترضين تترجمه بالدماء حدود السيوف ومقابض السكاكين وشتائم وإهانات لا تستثني شرفا ولا توفرعرضا وإن دانت لهم السلطة فلا مجال لتركها أو التخلي عنها إلا بتكلفة باهظة ,فخطابها الوعيد والتهديد ,وقسوة المعاملة على من ليس منهم , وما هو أقسى منها على من لا يواليهم.
المعارضة صيغة متقدمة من صيغ المعالم البارزة من معالم الممارسة الديمقراطية, وتعمل دائما ,حتى في أشد حالات الغضب الفكري تحت شعار أنا وهم والجميع – الصيغة التعددية الأزلية الوجود والبقاء- , والمعترضة معلم من معالم سلوك حاملي العقائد الشمولية والنظم الأوليغاركية والاستبدادية ,تعمل رافعة شعارالأنا التفخيمية- والذات التضخيمية . –الصيغة الإقصائية والاستحواذية التي ما صنعت غير التوتروألحقت الضرر بالمنجزات وأغلقت أبواب الترقي – .ويتحول الغضب الفكريعندها إلى حالة من الهياج لا توفر فيه إلحاق الضرر بأحد أو بشيء.
المعارضة من هذه الزاوية ضرورة تقتضيها طبيعة العصرالتعددي لذلك فإنها أداة من أدوات المشاركة في نشاطات العصرنة ومنجزاتها, والمعترضة تبحث عن المعاصرة بجهد ضائع وثيق الصلة بخيبة الأمل والإحباط.