الرئيس والصحافة

mainThumb

02-09-2012 04:10 AM

 أصدر الرئيس محمد مرسي قرارا يمنع حبس الصحافيين. يذكرنا ذلك بالعهد الملكي في ظل الاستعمار البريطاني: بدل إرسال أحمد شوقي وبيرم التونسي إلى السجن، أرسلا إلى المنفى، الأول إلى الأندلس الذي هو بيت قديم وموطن دائم. النظام الثوري العربي هو الذي فتح أبواب السجون. فاروق كان حاكما متهتكا لكنه لم يكن ظالما. ارتضى أن يتشارك مع معارضيه الحكم ولم يرسلهم إلى القبور أو السجون.

 
الملكية في العراق وسعت المدارس والجامعات والكليات الحربية التي كانت تعرف أنها سوف تنقلب عليها. والملك حسين في الأردن جعل من أبطال الانقلابات رؤساء وزراء ووزراء وسفراء. الدول الأقرب إلى حكم القانون هي تلك التي لم تدع الثورة. كان حكم إدريس السنوسي محاولة جدية في إقامة دولة مرجعها القانون والعدالة، فجاءت «الثورة» وحولتها إلى مصح وسجن.
 
النظام العربي جاء من الثكنة والثكنة أمر لا رحمة. وجاء من الحزب والحزب لا يعترف بالقانون ولا يقبل الآخر. ومن لم يكن له حزب، كما في مصر، أقام لنفسه حزبا يحكم من خلاله في المدنيين، بينما يحكم الجيش في العسكر والأمن.
 
ألغى النظام العربي القانون كما ألغى الدولة نفسها. أدخل أنور السادات أشهر صحافي عربي إلى السجن، بتهمة سياسية لا مدنية ولا جرمية. أغلق البعث السوري والعراقي بعض أعرق الصحافة في العالم الثالث وأحل مكانها «البرافدا» و«الازفستيا». لا طعم ولا لون ولا رائحة إلا رائحة الورق الرديء والحبر السيئ والمطابع الفاسدة.
 
فيما دخلت هذه الصحف أكثر فأكثر كهف الظلام والتخلف، تقدمت الصحف الحرة على مستويات العالم، ولم يكن أحد يقرأ «الجماهيرية» حتى بالإكراه أو في السجن، فيما نافست بعض صحف لبنان صحف مصر، مع أنه لا حجم لبنان تغير ولا حجم مصر. الصحافة مهنة التغريد. بلا حريات، لا تقوم. يمكن أن تقوم مكانها مهن أخرى كالمخابرات والسجون وكتابة التقارير المريضة بالعفن الأخلاقي ونتانة الضمير.
 
تحولت الصحافة مع النظام العربي من صحافة الفكر والألق إلى صحافة الوشاية. ومن الينابيع إلى المستنقعات. وحُسب على هذه المهنة رجال لم تتعد علاقتهم بالفكر والصحافة الجزم التي كانت ترأس تحريرهم. لكن على الرغم من الطوفان استطاعت الصحافة العربية أن تبقى واستطاعت في حالات كثيرة أن تزدهر، على الرغم مما أضاعت وما ضاع عليها من الزمن. قرار الرئيس المصري قرار قانوني عادي، ليس واردا حتى التفكير فيه في دول القانون، حيث كل مواطن حر ومحمي وحصين، وليس الصحافي وحده. ولكنه خطوة حسنة في كل حال. ونأمل أن يلحقها بما هو أكثر أهمية: أن يقول للمصريين كيف يمكن أن «يختفي» صحافي مثل رضا هلال دون أن يدري أحد أين وكيف.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد