الأيام والشهور التي انقضت من عمر الحراك الشعبي في الأردن يُظهر لنا التطبيق الحقيقي لعملية التهميش المُـتعمد للمواطن وإقصاء للإرادة الشعبية حتى في تمثيله المُزور, لقد مارست الدولة الأردنية وبكل مستويات إداراتها عبر عقودها العُهر السياسي والنهب الاقتصادي وتشويه نسيجها الاجتماعي, الدولة وأدواتها عبثت في مجتمعنا بالنوايا قبل المسلمات والظواهر, وفتت النفوس قبل الأجساد والثرى, وجعلت من الأطراف البقاء في حالة صراع باحتضان طرف ومناكفة طرف آخر, وأدخلتهم في متاهات ليتساقط مشروع التغيير ويتناثر سطراً وكلمة وحرف.
 
الدولة كانت تؤمن أن الثورة هي استحقاق تاريخي قادم, فالمسببات والعوامل والدوافع هي نفسها كما كانت مرافقة للثورات البشرية عبر العصور, فالإنسان أياً كان موقعه الجغرافي أو ألزماني هي نفسها الأنماط السلوكية, والوعي التاريخي والحاجة الإيديولوجية التاريخية هي التي تحرك مشاعر الناس وتقودها إلى التغيير الحتمي وتجديد الشعوب والأمم لنفسها, فليس للاختلافات الجغرافية أو الديمغرافية أو الثقافات السائدة بين الشعوب المختلفة اعتبارات, فالغاية هي نفسها منذ قِدَم الإنسان على الظلم والقهر والاستبداد, فتطلعاتها هي نفسها على المعمورة وان اختلفت الأدوات, هي الحقوق الدستورية والإنسانية(خبز,حرية,عدالة اجتماعية).
 
الدولة الأردنية تحكمها إدارة ذكية تستقري الحاضر ومعطياته -فهو موروث انكليزي بامتياز- ويرسم للمستقبل ما يزيد من عمر الدولة وديمومتها, ولكن في هذه الطفرة العربية الربيعية تختلف كل الحسابات, فما كان سابقاً مُرضي على مضضٍ لحجج واهية, كانت مقبولة سابقاً لظروف مصطنعة سادت عقود عُرفية الحكم وحالة الحرب الوهمية والعدو الصديق, فما الفرق بين ما كان من وهمية الحرب وممانعة الأسد؟!!
 
الشعوب والأمم منذ بداياتها وحتى أوج تقدمها تثور على القيود بكل أشكالها, فالكرامة والحرية والعدالة هي غاية ما يبحث عنه الإنسان في تقدمه ورُقيه, فالظلم والطغيان والدكتاتورية لا ينتج عنهما إلا استعداداً يتراكم داخل النفس البشرية والفكر الجمعي للشعوب, لينفجر ثورة في وجه الاستبداد والجبروت حتى وإن اختلفت الأدوات والوسائل, فالمُسيطر هو الوعي الجمعي التاريخي في المنظومة الاجتماعية والحالة النفسية لهذه الجماهير-وإن اختلفت الأزمنة- متقاربة إلى الحد الذي لا يمكن فصله.
 
حكوماتنا التي تعاقبت على الحراك الشعبي, وما قامت به من عنجهيات وارتجال في قراراتها, من استقواء على المواطن وأمنه الاجتماعي والوطني وإقصاء لحقوقه السياسية والسيادية واغتصاب لسلطاته الشرعية ونهب ممنهج لمقدرات وطنه, وتأمين الناهبين والعابثين بمستقبل الوطن في تفتيته ورهنه في التبعية لصناديق لا تضمُر لنا إلا العبودية وتمكين الصهيونية من أرضنا والتنكيل بإنساننا, من قبل اللقطاء السياسيين وأصحاب المال, ومن لا يملكون الضمير والحسّ الوطني, هؤلاء, يعتقدون بأنهم قادرون على تجاوز الاستحقاق التاريخي وحتمية التقادم, ولا يعلمون بأنهم في كل قرار يرفعون من وتيرة الفكرة الجمعية للمنظومة المجتمعية, أن التغيير وجوبي وحتمي.