الاصلاح التربوي و الأوهام

mainThumb

07-09-2012 07:58 PM

 ينتشر في الثقافة العربية التربوية العديد من الأوهام  تتعلق بعملية التطوير و  الاصلاح التربوي  ، وهي رزمة من القناعات التي تشكلت نتيجة  عوامل ثقافية واجتماعية و إدارية و تربوية بسبب غياب الحوار التربوي العميق و المعمق  والهادئ والهادف ، بحيث أصبحت هذه الأوهام تتحكم في القرارات  التربوية وتهيمن على الخطاب التربوي .

 

  في الثقافة التربوية العربية ، يعتقد التربويون العرب من أصحاب القرار بأننا لا نستطيع أن نبدأ اصلاحاً تربوياً محلياً و من بنات أفكارنا ، وأن التطوير و الإصلاح  التربوي لا بد أن يأتي من خارج الحدود وبالتحديد من دول العالم الأول التي تختلف عنا من حيث الثقافة و البيئة و الامكانات ، فنحن نحاول دائماً استنساخ تجارب الدول الأخرى حيث عشش لدينا الوهم القاتل المدمر بأننا لا نستطيع أن نبدع حلاً من الصفر ، نحن بحاجة إلى من يعيد لنا الثقة بأنفسنا، أو ينشئها، بحيث نشعر أننا نستطيع . علينا أن نقتنع بأن ما يصلح في الدول الأخرى قد لا  يصلح لنا ، و إن كل بيئة تربوية هي نسيج وحدها، على رغم من القواسم المشتركة الظاهرة. نعم ، نجاح برنامج تربوي اصلاحي أو تطويري  ما في مكان قد يكون مؤشراً لاحتمال نجاحه في أماكن أخرى، لكن لا يصلح أن يكون ضماناً للنجاح.
 
  وثمة وهم آخر في الثقافة التربوية العربية مفاده أن ثمار التطوير و الاصلاح التربوي يجب أن تجنى بسرعة وأن تكون النتائج ملموسة للمجتمع على جناح السرعة ، أعتقد  أن هذه سمة من سمات ثقافتنا المتجذرة ! نلاحظ هذا حتى في سلوكنا الفردي، ولو كان هذا نابعاً من حرص على الوقت واستثماره لكان لنا عذر، لكن الملاحظ أنه لأسباب تتعلق بقلة الصبر و الجلد  من جهة وعدم التخطيط من جهة أخرى، هذه العجلة تنسحب في رؤيتنا للبرامج التطويرية و الاصلاحية  ، نادراً ما يكون تخطيطنا للتطوير و الاصلاح  على المدى البعيد. من المعروف إن برامج التطوير التربوي من أصعب أنواع التطوير، وذلك لأننا نتعامل مع ظاهرة بشرية معقدة، وتتنوع العوامل المؤثرة فيها، فكثيراً ما تظهر عوامل جديدة لم تؤخذ في الحسبان، وكثيراً ما يوجد برنامج الاصلاح  التربوي مشاكله الخاصة التي تحتاج إلى من يعالجها، وكثيراً أيضاً ما تكون المعطيات التي يبنى  عليها البرنامج غير متيقنة وربما تكون اجتهادية ، فلذلك دائماً تكون برامج التطوير و الاصلاح التربوي من الصعوية بمكان ، لأن عناصر المخاطرة وعدم اليقين والتغير متوافرة فيها وبقوة، وعدم التنبه لهذا يساعد على التسرع في الحكم عليها  وتقويمها، ويؤدي إلى الإحباط وكثرة التذمر من الممارسين التربويين، وربما أفراد المجتمع بشكل عام.
 
وثمة أمر أريد أن الفت نظر  وزارة التربية و التعليم إليه التي هي مطالبة بإعداد تصور تربوي اصلاحي شمولي هو كثير  ما تحث صدمة عندما يبدأ التطوير من المرحلة الثانوية! مهما قيل من المبررات و التي يمكن أن تدور في فلك استعجال النتائج ، من الأفضل أن يبدأ التطوير رؤية ومنطلقاً ومستوى من الصفوف الأساسية الأولى ، وربما قبل ذلك، بحيث نخرج لبنة تصلح لبناء تعليم  متميز، البرنامج  التطويري يجب أن يكون شاملاً ، لكن للعوامل المتعددة والمتشابكة وربما المتعارضة في المشهد التربوي قد لا يكون من المستطاع تنفيذ مشروع شامل للتطوير، ففي هذه الحالة لا ضير من تبني مشروعات تطوير مرحلية ، لكن يجب أن نفرق بين المشروع التطويري والرؤية التطويرية، فالمشروع التطويري يمكن تجزئته، لكنه لا يكون فاعلاً إلا إذا كان ضمن رؤية شاملة.
 
 هناك وهم مستشرٍ في الميدان التربوي بين الممارسين بشكل واضح ويسبب هدراً كبيراً في الجهود التربوية، وهو يجب أن تزال جميع العوائق قبل البدء في التطوير و الاصلاح التربوي ! ومصدر خطورته أنه يظهر بالمظهر المنطقي ويسهل تقبله من عناصر العملية التتعليمية ، خصوصاً في ظل حالة الإحباط التي تسببها لهم تلك العوائق، لكن لا يوجد مشروع تربوي اصلاحي دون عوائق! إن مصدر التحدي في الإصلاح التربوي  أن العوائق لازمة لأي جهد تطويري بحكم طبيعة المجتمع التربوي، ولو أمكن إزالة العوائق لكان التطوير سهلاً! و هناك بعض العوائق موهومة، أي غير حقيقية بل توجد فقط في أذهان بعضنا، بل ربما هي من صنعنا، وسببها في كثير من الأحيان عدم التركيز على الهدف، وقد يكون بعض العوائق ليست بالصعوبة التي نتصورها ، بل يمكن البدء بتنفيذ المشروع التطويري مع وجود تلك العوائق، مع أن بعضها يزول بمجرد تجاهله ويكون جزءاً من الحل بدلاً من أن يكون جزءاً من المشكلة.
 
الوهم الأخر هو أننا في  التقويم للتطوير التربوي ، نميل إلى عقلية إما – أو ، بمعنى أنه إما أن يكون نجاحاً كبيراً أو فالمشروع فاشل، ومن وجهة نظري لو صح هذا الأمر في كثير من الميادين فإنه لا يكون مقبولاً في الميدان التربوي، والحقيقة أن تحقيق الأهداف ولو بنسبة غير عالية يعتبر نجاحاً يجب أن يُحتفى به ويقدر، خصوصاً أن كثيراً من الآثار التربوية لا يمكن رصدها بدقة، أو على المدى القريب .  
 
و الملاحظة الأخيرة التي أريد أن أسوقها في هذا المجال إن الاصلاح و التطوير التربوي لا يبدأ بالممارسات ، و أنما بالقناعات التي قد تكون غير واضحة حتى لاصحاب القرار أنفسهم ، بل تحتاج إلى من يستجرّها ويكشف عنها! فالتطوير يجب أن يبدأ بالقناعات والمسلمات ويستمر معها، إضافة إلى التعامل مع السلوك والممارسة. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد