هل ينجح العرب فيما خشي منه الغرب

mainThumb

03-10-2012 05:13 PM

مع كل صخب الحراكات الشعبية التي نتصرت فيها الثورة السلمية على نظم حكم مهترئة بحكم الزمن  الذي قضته في السلطة بنهج ثابت ما ينوف على العقدين أو ثلاثة تبنته نفس الوجوه بنفس السياسات التي   بدل أن تتغيربتبدل الوجوه,انصاعت الوجوه الجديدة لرغبة الحاكم المطلق في نهج السبل ذاتها ومناهجها في العمل العام بمختلف القطاعات.أنظمة مل قادتها من روتين إداري وأداء نمطي وحملة منافقة من المنتفعين  من السلطة وأزلامها والطامعين فيها من السياسيين وأحزابهم وجمعياتهم ,على حد سواء.كنا نتوقع   كمواطنين أن نستعيد بعضا من الكرامة الوطنية بعلاقات ثورة تجديد وتحديث تنقل  العرب من جمود  الحاضر وتخلفه وعيوبه إلى مسار التنور والتحديث الذي تستضيئ به دول العالم القريبة منا والبعيدة عنا. 
 
تشيخ الأنظمة عندما يظل الحاكم وحزبه يتمسحون بإرادة الشعب ويتوهمون تأييد الشعب بالتمسك بذات الأشخاص ونفس المرجعيات الفكرية والفلسفية والأدوات المحركة للعمل البيروقراطي والمتصدية للقضايا العامة في معترك الصراعات الإقليمية والدولية,كما تشيخ الآلة التقنية الحديثة التي تبتهج بها كوادر المهندسين والعمال عند بداية دورانها,ثم يجدون بعد انقضاء عمرها التقني, إن الزمن التقني تفوق على كفاءتهم الإنتاجية  وتجاوز العلم معارفهم الفنية,فتسؤ نوعية سلعتهم وترتفع كلفتها,وتضعف قدرتهاالتنافسية في سوق تتلاطم فيه المعارف التجديدية والعلوم المبتكرة والنظريات الابتكارية.فالنمطية الناتجة عن الفكر الشمولي تذهب بقدرة السياسيين على تجديد ليس فقط الطاقات الإنتاجية التي تساهم في تنمية المجتمع وترقي أدائه ومواكبة العصرنة باقتدار وتنمي مصادرها والقدرات الإبداعية ومنجزاتها, وإنماأيضا تكلس الفكر وتبلد العقل وخمول الجهد في البحث عن مصادر تجديد أو تحديث يطال الأساليب المتبعة في الحكم  والإدارة على الرغم من كل التطورات التي يشهدها العالم في فلسفة الحكم وطرائقه وتوفير الوسائل والأدوات  التي تمخضت عنها العولمة والسياقات الحضارية في ميادين الفكر التجديدي لكل الفعاليات الإنسانية المعاصرة,وهذا ما يعبئ القوى الواعية والصاعدة في البحث عن التغيير.
 
الحراك الثوري في كل من تونس ومصركان حراكا شعبيا حقيقيا,ولكن امتداده كي يحقق ثورة بالمعنى المهني شابه خلل تمثل في إنه لم يكن مرتبطا بتوجه لتغييرالنظام وإحلال بديله مسبق التصميم والتصور في بداياته ( وهذا ما أقر به العديد من القائمين والمحرضين عليه), ولم تكن الرؤية لطبيعة النظم الدكتاتورية مدركة لصفة الجبن التي تسود أطرافه , وسهولة هزيمة القساة لأنهم ضعاف النفوس والإرادة .وذلك على الرغم من تجارب شعبية مثيلة سابقة عليها في دول أوروبا الشرقية تماسكت فيه الأهداف التي فجرت الحراك الشعبي مع النهايات التي صُممت مسبقا,لهذا ولغيره من الأسباب الثانوية الأثر,تمكنت القوى المنظمة فيهما من الالتفاف الذكي والمناورات السياسية مما مكنها من جني ثمار الحراك الشعبي إذ عملت على اختطاف إرادة التغييرالشعبي وتصدر المشهد السياسي وإقامة نظام شمولي يحل بدل آخر بوجوه جديدة سرعان ما كشفت عن نواياها التنظيمية المتلهفة على السلطة بطروحات مبهمة أكدت إن تاريخها السياسي لم يغير منهجها في الحكم وفي إدراة شأن البلاد دون الاستئثاروالاستبعاد والتهميش   والتعالي وادعاء التقرب من السماء بدرجات عن الصالحين من الناس, والخلط بين العقيدة الدينية وقيمها السامية وبين السياسة وأساليبها التحايلية والتخادعية والتي يقاس المبدع فيها بقدرته على تغليف الأكاذيب بقشور المصداقية والإيهام وإثارة المشاعر والغرائزبمناسبة وبدون مناسبة.
 
الاستقرار في المجتمع الإنساني المتحضرلا يتأتى عن سياسات حزب حاكم مقيد بطروحات أيدولوجية  نخبوية فئوية. وليس هو المجتمع المزدهر اقتصاديا في المقاييس المعيارية للازدهار,ولا يكفي أن يكون الحاكم عادلا (والعدل هدف فوق قدرة الإنسان على تحقيقه) والنظام منصفا بالمعايير النسبية. وليس هو مجتمع الأمن والأمان الذي تستقر به النفس البشرية في سكنها وفي ترحالهاالاستقرار الحقيقي رهن  بالمشاركة العادلة لكل مواطن في صنع القرارات وفي اتخاذها,وهي التي تهم الوطن وتراعي رغبات     فئاته ومكوناته وتحترم الثقافات التعددية لكل مكون,ويرتهن تنفيذ قراراتها إلى التوافق المنصف بين الجميع بما لا يلحق أذى ماديا أو أدبيا أو معنويا بأي فرد من أفراده لأي سبب كان.والغليان الشعبي حسب التعبيرات المنفعلة للقادة الجدد لا نعزوه إلى عامل الزمن وإعطاء الفرصة للنظام الجديد,فهذه تبريرات  هزيلة الحجة وساذجة التسبيب,لأن السلوك تعكسه المواقف من التشبث بالحكم وتطويع إداراته لرؤية    الحاكم الجديد وحزبه, هوما يشكل مرثاة ثورية لانتكاس الأهداف التي قامت الثورة من أجل تحقيقها.
 
النظم الجديدة التي استطاعت اختطاف الثورة في تونس ومصر,ونظام التحرر بقوى الاستعمارفي ليبيا التي أعادت المستعمرين إلى ديارها,والدول العربية التي تتاجر بتغيير الأنظمة وبمد المقاتلين بالمال والسلاح  لنشر الفوضى المرتدة على أصحابها في الأزمة السورية المفتعلة وبكل التأييد من القوى الإمبريالية التي   تديم بعزها معظم هذه النظم,تتنادى اليوم وبدعم من أصحاب الأوهام بالعودة إلى تاريخ العثمانية,لإرسال   قوة عربية للتدخل العسكري, لإنهاء الأزمة السورية,أي لمواجهة الجيش العربي السوري (وحماية الشعب السوري من جيشه الوطني!!!)وعلى الرغم من امتناع الدول الغربية والأميركية عن مثل هذه المجازفة الخاسرة وتأكيدهم المتواصل على عدم تمكنهم من تكرار السيناريو الليبي المحزن في تاريخنا العربي الحديث والتي تتعدى في نتائجها مجالات جغرافية وحكومات احتلال استيطاني ,وحكومات توسع عقائدي على حساب المبادئ الوطنية والقومية .
 
الاستقرار السياسي والأمني في مصريستحق تركيز السيد مرسي المباشر بادعائه بأنه يقود الحرب في سيناء ضد جماعات يريد دعمها مثيلاتها في سوريا,وترك القوات المسلحة  المصرية صانعة انتصار أكتوبر التاريخي حائرة بين مقتضيات واجبها الوطني وبين غموض بنود اتفاقية (السلام !!!) مع الصهاينة المحتلين لفلسطين (المنسية من ذاكرة النظم نفسه) وقيودها على تحركه في سيناء وغيرها.وليبيا ما زالت  نهبا للفوضى والاقتتال, ولم تستقرفيها سوى أوضاع الشركات الأجنبية (قوى التحرير!) في منابع البترول ومكامنه,ما فتئت ترسل (المحررين) بأسلحتهم إلى سوريا,ورئيس الغفلة المقيد اليدين وقد جلس على عرش رئاسي بلا سلطة في تونس محتار بين الموقف من سلفيي تونس ومن دعم سلفييه في سوريا,وأردوغان (تلميذ الناتوالمدلل) لم يصحو بعد مما أدت إليه سياسات معاداة سوريا الفجائي في بلاده من تفجير الأوضاع الداخلية منها وما تبقى لها من علاقات ساءت مع جميع جيرانه والمحيطين به بفعل أطماع عثمانية طائفية موهومة,ولا ينفع تجاهل للتحرك الشعبي المتصاعد ضد النظام السعودي في البحرين والسعودية بوهم توقفه بإمكانية مقايضته بدعم الإرهاب في سوريا.ونسأل إن كان بإمكان أي من الحركات الإسلامية أن تعمل في المجتمع القطري مع إنها تنشط في كل دول الخليج العربي الأخرى, وما   هو الثمن المقابل لقبول جماعة الإخوان المسلمين حل نفسها في داخل قطر؟؟!!.
 
ظل موقف الجامعة العربية من الأحداث الجارية في الدول العربية بشكل عام,موقف صامت مُقفَل الفم مُغمَض العينين, وإذا به يستأسد على الدولة السورية دون مقدمات ودون مبررات ويصبح مدعاة تدخل  أجنبي ضاربا أمين الجامعة العربية بذلك عرض الحائط بنظام الجامعة وأهدافها ومرجعياتها وأصول  التعاطي بالقضايا العربية وأخلاقياته,وتجاهل دور الغرب وأميركا في تدميرالدول العربية,وتابط شر لوم موقفي موسكو وبيجين بجهل تام لتاريخ العلاقات الدولية- العربية خلال أكثر من سبعين عاما.
 
المال نعمة للتنمية الاقتصادية والقيمية والثقافية والسياسية التي تتحصل عليها المجتمعات بأدواتها وتقنياتها ومعارفها, والمال نقمة على الذي يقايض به قيمه الأساسية وكرامته الشخصية,لأن الذي يملك عشرة آلاف دولار يستطيع أن يعيش بكرامة مالك المليارات منها.فالمال وسيلة ضرورية وبيع الكرامة الشخصية رذيلة  لا تدانيها في لانطاط رذيلة,لا يزيل مال قارون آثامها. والضعيف في دولنا العربية لا تحميه سوى الروابط القومية ودعاتها وقواها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد