تسييس القضاء أشد ظلما من تسييس الدين

mainThumb

18-10-2012 06:05 PM

 المحاذير التي طالما نادت بها قوى سياسية ومجموعات من المفكرين ودعاة تنوير وتحضر من تسييس الدين ارتبطت بعدد من الأسباب التي من شأنها أن تلقي على القيم الدينية أعباء السياسة التي تتبدل وتتغير من  قضية إلى أخرى وتتلون فيها التيارات والمواقف من ذات المصدر تبعا لمصالحه التي يفترض إنها تمثل مصلحة عامة.الأسس التي تبنى الأديان عليها راسخة وثابتة لأنها مرتبطة بقيم الخير والدعوة إلى تبني أدائه ,وإلى السلام النفسي والسلام مع الآخر وإلى محبة الإنسان لأخيه الإنسان,وتقرب النفس البشرية من خالقها كي  تلقاه في آخرتها وهي مطمئنة إلى حسن الثواب.وفي الدين عبادات وطقوس تعمل على مدار الساعة في تذكير الإنسان بما يحق له أن بفعله وما لا يحق له القيام به من أعمال أو تصرفات تجاه نفسه وتجاه الآخر.

 
وتظل بفعل القدرة الإلهية التي لا تدانى في ما أرته للإنسان وفيما تدخره ليراه في أوقات تدبرها هذه القدرة القيم الدينية راسخة وثابتة على مر الزمن ,قواعدها واضحه,ومخالفوها يجنون عقاب إثمهم, ومطبقوها ثواب إيمانهم.أي لا يضير القيم الدينية الخروج عليها من أي كان من السياسيين وحيلهم ونفاقهم واستغلالهم العواطف الدينية لأنها مصانة ومحمية من السماء ولا تقبل التأويل والتبديل الانتهازيين,ويظل الدين متأصلا في الوعي الفردي والشعبي وفي ضمير الفرد وضمير الأمة في ذات الوقت.وسماحة السماء تتسع للعودة بالتوبة وتصحيح المسار فالذي يسيس الدين بالخطيئة إنما يظلم نفسه,ولكن المجال أمامه يظل مفتوحا على التوبة ورفع الظلم عن نفسه بما جنت والعودة إلى جادة الصواب,وتظل العدالة السماوية محيطة بكل المؤمنين متحققة بصورها الجلية.وهكذا فالخطر في تسييس الدين  أو منه,إنما يقع على مسيّسيه ولا يصيب القيم الدينية وشعائرها بأي أذى أو إخلال بما ارتسمت عليه خلال قرنين ونيف, ويحافظ الدين على طقوسه وشرائعه تحت كل الظروف دون أن تعاني أو تتبدل من نكوث المتدينين بعهودهم ,وقصورهم عن أداء واجباتهم الشرعية.ويظل قانون السماء سيد القوانين ومتسيد عليها جميعها.
 
القضاء ابتكار إنساني يعمل من خلال قوانين وضعية وأعراف اجتماعية أنجزتها أرادة عامة حفاظا على العدل بين الناس وحماية الحقوق والحريات,ولفض النزاعات بين الناس, وتوفيق قضايا الاختلاف بين أطرافها منعا لتفاقم الخصومات بينهم ,ورفع الظلم الذي يلحق بأي مواطن من السلطات أو المجموعات أو المؤسسات العامة منها والخاصة وغيرها وتعويض المتضررين بما يتناسب مع حجم الضرر ونوعه,  وإحقاق حقوق الناس فيما اتفقت عليه التشريعات التي يراعى بها أن لا تخالف التشريعات السماوية في بعض الدول,ومن أهم الميزات التي تقترن عادة بسمعة القضاء هي ميزة العدالة في الأحكام والقرارات التي تصدر عن قضاة المحاكم. ويصدر القاضي العادل أحكامه بعد التوصل إلى القناعة التي تؤيدها الوقائع والوثائق الثبوتية التي يرتاح ضمير القاضي إليها طبقا لأحكام القانون الساري وقتئذ.
 
 وقد صنفت المؤسسات القضائية كواحدة من سلطات ثلات بالسلطة القضائية إضافة إلى السلطة التشريعية التي يمثلها البرلمان والسلطة التنفيذية التي تتمثل في الحكومات ومؤسساتها.ومما يستوجب التذكير,إن التصنيف السلطوي للجهات الثلاث,في الدول المتحضرة والمتطورة المشار إليها في الفقرة السابقة يُحرم تدخل أيا منها في شؤون الأخرى ,فكل منها سلطة مستقلة بذاتها استقلالا تاما,إن التنسيق بينها منوط بكل منها برضاها ومبادرتها إلى ذلك. وقد اقترن هذا التصنيف بخاصيتين إثنتين : 
 
الخاصية الأولى ؛إن لكل سلطة واجبات واضحة ومحددة ومعرفة بالتشريعات النافذة.
والخاصية الثانية ؛ إن كلا منها خاضع للمراقبة والمحاسبة,بجهات ومرجعيات محددة كذلك بالقوانين المعنية بهذا الشأن.
 
وهكذا لم تعد دول المعرفة المتجددة تتحدث عن أو تطالب بـ * حاكم عادل* فقد ولى ذلك العهد   الذي يجمع الحاكم بيده كل السلطات ولهذا تعذرالعدل على قدراته القيادية,والحديث يجري في عصر العلم والمعرفة حول القضاء العادل المستوعب لطبيعة الروابط الراسخة  بين البشر.وتتباهى الدول المتحضرة في قضائها عندما يكون قضاء مستقلا عصيا على الضغوط المالية والسياسية من أي جهة كانت.وقناعة العامة في مجتمع ما بعدالة القضاء يقع في مقدمة عوامل استقرار المجتمع نفسيا واجتماعيا,وارتقاء أداء العمل والتعامل بين الناس في مختلف المواقع ومجالات العمل بكافة أنواعه وأشكاله.
 
كما نشيرهنا إن الإعلام (أو الصحافة)  لا تمثل سلطة أسماها البعض بأنها تستحق أن تكون الأولى,ويسميها البعض السطة الرابعة لسبب بسيط وهو: نقبل بصلاحياتها ولكن قبول شرط المراقبة والمحاسبة يخل    بحرية الصحافة ويقيد الحريات الإعلامية التي من أهم ميزاتها الحرية دون قيود أو شروط من أي نوع كان.فإذا رغب الإعلاميون في تصنيف مهنتهم عليهم إبعادها عن التصنيف السلطوي التقليدي.
 
يسعى القضاء إذن إلى احتراف الوصول إلى العدالة الدنيوية في أحكامه التي ارتبطت بالتشريعات التي  يحتكم القضاة إليها بقناعة ورصانة التفسير للقرار المتخذ.ومع إن علاقة العدالة – الإنسان من العلاقات  شديدة التعقيد وتظل هدفا يسمو فوق طاقة بشرية (عندما أراد أرسطو أن يصف العدل قال : إن ما عادل يقع ضمن ما هو شرعي أو مطابق للقانون ومنصف ايضا ,وهو توصيف تكمن في تطبيقاته اجتهادات بشرية تشي بطبيعة العلاقة بين التفسير البشري وبين العدالة المرجوة,مع الإشارة إن هذا المفهوم حسب أرسطو يطبق على علااقات الناس الأحرار المتساوين نسبيا بعضهم بعض) ,فإن تسييس القضاء من أبرز مسببات الأحكام الجائرة المجانبة للعدالة القانونية الوضعية,والمحرفة للتشريعات. ويعود تسييس القضاء في أحد أهم أسبابه غير الشخصية إلى إصدار أحكام لخدمة أغراض السلطة التنفيذية,أوجهة  سياسية متنفذة بالتعرض لضغوط منها أو إغراءات تُغيب ضمير القاضي وتحفز قدرته على تحدي العدالة بتحريف نصوص التشريعات والتلاعب بمعانيها ومقاصدها التي,في العادة تتحيز للمتهمين(مبدأ المتهم بريئ حتى تثبت إدانته,ومبدأ الشك في  مصلحة المتهم ),أو ما نشهده هذه الأيام في مصر من احتجاجات الأحزاب الدينية   ضد قرارات المحاكم التخصصة العريقة بموضوعها وعلومها وتهديد القضاة واتهام القضاء المصري برمته بأنه قضاء فاسد!!والمناداة بهتاف الشعب يريد تطهير القضاء!!.
 
المشكلة الأساسية في ظلم الأحكام القضائة القطعية يتمثل هذا الظلم المتعمد في عدم  إمكانية الرجوع إلى الحق ورفع الظلم الذي وقع على أحد أطرافه بالضرورة,وإن تعدى الحق الشخصي إلى الحق بالحياة التي يفقدها المحكومون بالإعدام لأسباب أمنية بضغوط سياسية,وهذه حالة لا تحقق صحوة الضمير فيها أي فائدة في رفع ظلم أو إعادة حق إلى أصحابه!.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد