التجربة والخطأ في السياسة خطأ مجرب

mainThumb

28-10-2012 03:12 PM

لم يعد ضربا في المجهول,أوبحثا في الوهم أو حكماً من أحكام قراقوش,الاعتراف الواضح والصريح بأن زمن الإرادات السياسية الشمولية وفرض مبادئها بأساليب الترهيب والوعيد وأحيانا الترغيب, وتعميم تطبيقات نصوصها دون توافق ودون استئذان واللجؤ إلى الحيلة,قد ذهب عن الاستطاعة الحكومية بعد موجات الوعي العام المتلاحقة التي حملها انتشار التعليم بأدوات ابداعتها وسائل الاتصال والتواصل الحديث في نقل المعلومات ونشر المعرفة في مختلف المجتمعات بغض النظر عن مستوى الإنجازات التنموية التي تحققها وتجني ثمارها بكفاءة وفعالية.والمعنى المقصود بالشمولية في هذا السياق,تلك التي يعتنقها أصحابها ويؤمنون بتعاليمها وأيدولوجياتها ويفترضون إنها ملائمة لغيرهم من الناس ومنها يمكن للجميع حل    مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والفنية والتقنية والثقافية فيعملون على ترسيخها في المجتمع للحفاظ على مواقعهم.والمشكلة الحقيقية  في من يتمسكون بمثل هذه المبادئ الشمولية تركيزهم في التثقيف الذاتي,وقصرقراءاتهم ومصادر تنمية معارفهم  والأصول الفكرية لتلك المبادئ على المرجعيات السردية وعلى المراجع والوثائق التي يقتصر موضوعها,ويقف محورها على شرح تلك المبادئ وأهدافها وتفسيرأغراضها بكل ما يحمله ذلك من التحيز التلقائي لها ومن وعود جاذبة بحلول صافية للمعضلات التي تتراكم سلبياتها في المجتمعات البشرية. وهذايشير إلى الفقرالفكري والفقر والثقافي ويغذي الدوافع الأبوية التي ترى وعيها فوق وعي المجتمع وترى إن موقعها الطبيعي يجب أن يكون في مقدمة مساره التاريخي.
 
التجربة الإنسانية في السياسة بالتحديد,لا تملك خصوصية سياسية من أي نوع كان طالما إنها انتشرت بين المهتمين بالسياسية,وممتهني العمل السياسي في أساليب تعلمها وفي محتوى نظرياتها وإنما تتفاوت نتائجها بذكاء التعامل بمفرداتها وتحسس ذهني دقيق لموضوعاتها وتفهم واع لظروفها الآنية.والدليل القاطع على تلك التجربة تفاوت مخرجات السياسة النابعة من نفس المرجعية الفكرية عندما يختلف أشخاصها المطبقين  لها والعاملين على تنفيذ تعاليمها وفرضياتها بحرص وحكمة , تبعا لتفاوت في قدرات كل منهم العقلية والمعرفية والمهاراتية.وهذه حقيقة مقرّة في كل العلوم الطبيعية ومعترف بنتائجها من كل الفلسفات الإنسانية التي اتفقت عليها مختلف الاجتهادات والتحليلات من المتخصصين في تلك العلوم. 
 
من المعرفة التي نتلقنها من الحكماء والفلاسفة المبدعين من مختلف الأمم بتنوع التراث وتعدد الثقافات     التي تسود المجتمعات,إن طاقة العقل وقدرته التحليلية تميزنا كبشرعن المخلوقات الأخرى,ولكن أيضاهناك تمايز بيّن بخصائصها بين شخص وآخر.فالأفراد وإن كانوا متساوين في قدرتهم العقلية على التعلم إلا أنهم يختلفون في قدراتهم الفردية في درجة استيعاب المعلومة,ولكل أسلوبه في ترجمة ما تعلمه على الواقع المعاش,وفي طريقة أداء الواجبات,وفي نسب الذكاء, وفي المواهب والمهارات الإبداعية, وفي القابليات  على التأقلم مع الظروف المحيطة,وفي الشخصية, وفي الفهم المطابق لللأفكار,وفي ردود الفعل على الحدث,وفي المركز الاجتماعي,وفي المنزلة العلمية,في الدوافع والأفعال..... ولكن كل هذه الاختلافات لا تحرم أيا منهم من العدالة التي يجب أن يتساوى الجميع بالحصول عليها.ولا يجوز أن يتحاذق السياسي في استغلال هذه الفروقات بين الناس كي يسخرها لتخدم مآربه السياسية, وأنْ يجد في بساطة الناس وطيبتهم فرصة تمريرأغراض شخصية أو فئوية كما فعل الأقدمون في عهود كان العالم فيها ضعيف التواصل والاتصال,وكانت نسب الأمية تفوق في قيمها نسب المتعلمين, وكان حرق الكتب واعتقال المفكرين   وتعذيبهم وتشتيتهم تشكل متعة  الانتهازية السياسية التي تعاطى بها حكام  وزعماء وسادة وووجهاء في عصورتاريخية,وصلت أحداثها إلينا لنجد فيها الفرق الواضح بين زمننا وبين زمنهم ذاك,وكيف استطاع الفكروالعلم والقدرة على التعلم على مواجهة الطغيان والاستغلال الذي أبدع الإنسان في ممارسته على غيره من الناس كلما وواتته فرصة لفعل ذلك,وكيف أصبحت المعرفة متاحة ومبسطة المناهج والمفاهيم وساهم  ذلك في ترقية القدرة العقلية على الفهم والاستيعاب, وفي تحفيز الإدراك على ضرورة الاستزادة بالتعلم,كما أدى إلى نمو الوعي لدى كل شخص لحقوقه وجرأته في الدفاع عنها مستعينا بالوعي الجماعي للكرامة الإنسانية ومستندا على دعم أقرانه من أبناء وطنه ومن مختلف أنحاء العالم من المتطوعين لحماية الحريات الإنسانية وحقوقها التي تناقلتها تشريعات دولية ملزمة
 
وربما إن الأهم من معرفة التاريخ بوقائعه النافعة وأحداثه المأساوية هو الحكم العام الذي يصدرعلى فاعليها من الناس ولو بعد حين,أي إن التاريخ لم ولن يعف صانعيه من حكم الأجيال اللاحقة بما صنعوا.وهذا ماأدركه بعض العقلاء من السياسيين في العقود الأخيرة  فحاولوا جهدهم النأي بأنفسهم عما يدينهم في المستقبل,فكان من نجح منهم في ذلك يستحق التقدير والتذكير بصنائعه,أي إن التاريخ ينصفه ,ويعاني من لم ينجح بقصد أم بغير قصد من لعنة تظل تلاحقه,أي إن التاريخ يعطيه ما يستحقه من حكم.والعبرة لمن يعتبر من الزعامات المعاصرة التي تواجه طموحات شعبية تختلف عن ما اعتادت عليه الزعامات السابقة  من أساليب القمع وغيرها من أساليب الترغيب والرشى والوعود المنقوصة الأداء.وليتذكر العقلاء من السياسيين إن حرية التعبير عن الرأي بشتى الأساليب أصبحت فوق طاقة أي نظام على الكذب والخداع وممارسة أساليب التجهيل والتأثير على الرأي العام دون منافسة ومناكفة ومواجهة.والسياسي العاقل,فردا ًاكان أو جهة أو حزب,يعلم إن معرفة المواطن لحقوقه دعمت جهده الذاتي للدفاع عن كرامته الشخصية وعن دوره في مجتمعه وحقوق مواطنته,فقد انقضى عهد شعبي العزيزإلى عهد يسمح للزعامة التخاطب بعبارة أخواتي وإخواني المواطنين.
 
كانت فرضية التعلم بنهج التجربة والخطأ  في البحوث العلمية ودراساتها بشكل خاص,مفهومة عندما احتاج العلماء إلى فيض معلومات علمية مرتبطة بموضوع البحث قيد التجريب,لم تكن نتائج البحوث   العلمية السابقة قد كشفت بعد عنها.وسرعان ما أصبح ذلك النهج من تراث ماض لم يعد صالحا للتجربة مرة أخرى بعد أنْ اتسعت دوائر المعارف العلمية وانتشرت المعلومات العلمية في مختلف الموضوعات وأصبحت سهلة المنال.ثم نهج الأسلوب العلمي منهج برمجة البحوث ووضع التصورات والتوقعات لها ما أمكن ذلك . ولا يختلف الأمر عنه في السياسة وعلومها وفي ممارسة المهمات الحكومية بعد أن ترسخت مفاهيم الحريات وقيمها وتوثقت حقائق التعددية الفكرية والعرقية والثقافية والدينية واللغوية ...وأصبحت من الأسس التكوينية الصميمية لكل مجتمع من مجتمعات العصر, وبعد أن اصطبغ عالم السياسة بالقيم الديمقراطية وأسسها ومفاهيمها وممارساتها التي نُسجت لتتماهى مع ظروف المجتمع وتقاليده الذي يتبنى تطبيقها.
 
نهج منهج التجربة والخطأ في معالجة القضايا التي تهم الناس في اختيار نظم الحكم وانتهاج السياسات الاقتصادية والتنموية في سعيه الحثيث للترقي والتطور كي لا يظل الناس في خانة الجهل أو تجاهل ما هو مجرب وأصبح من بدهيات مفاهيم علوم السياسة والحكم والإدارة يغري الفكر الشمولي في الهروب من الالتزام بما لم يناد به وبما ما يعتقد أن لديه خصوصية فكرية أيدولوجية يريد برمجة المجتمع على أوتارها فيصطدم بمنطلقات متنورة أخذت مكانها في طموحات الفرد وضميره في شتى أقطار العالم متعدد الثقافات والقيم. صُنْع مجتمع وقولبة خصائصه بقوالب مؤدلجة في عالم متصل منفتح ومتنورطريق شائك متعرجه مسالكه ويتوه من يسلكها في تحديد موقعه. وهوبكل تأكيد منهج مصنف في قائمة الأخطاء المجربة!! منْ يكررها يتضرر بنتائجها,وفي الحد الأدنى لا ينتفع من تلك النتائج.  


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد