بددوا طاقة دفء الحضن المصري

mainThumb

25-12-2012 04:04 PM

 في التاريخ العربي الحديث,ونعني بالتاريخ الحديث,ذلك الذي مضى عليه حوالي نصف قرن من الزمن,تمييزا له عن التاريخ المعاصر,تصل معاناة الأمة العربية إلى قمة لم تعد قادرة على التمدد بما هو أوسع منها أو أكثر منها  ارتفاعا ,لأن الأيام كما يُقال دول,وعمر الدول لا يتجدد إلا بعد جهد مضن,ولاتنقلب أحوال الدول,إلا   بعد أن يتوجه الزمن بغدره إلى حضن أمة ليتم تشتيتها عمدا  وبالتواطؤ مع بعض الطامعين في السلطة ممن ينتمون إليها تسمية ونسبا وليس فكرا وتراث حضارة دارت بها دائرة الزمن إلى الوراء وتركت منها ما لم تقو على تبديده من كرامتها وإيقاف نبضها التحرري الحيوي الوثاب إلى إعادة الدورلأمة حملت إلى العالم رسالات السماء لتنقذ البشرية من ضلال مهلك ,وتنير سبل إسعاد البشرية ليس فقط بتبني الشعائر الدينية وطقوسها,وإنما بحثها على الاستنارة بالعلم,وعلى تحقيق تقدمها ليس بالتمسك بمكارم الأخلاق وحسب بل بالإصرارعلى بذل الجهد لتطبيق المعرفة وتحويل الفكرة إلى منتج, بضوابط التعاون والتكامل وربط عناصر العمل النافع بروابط  أقرتها أصول تكون الأمة ,وضرورات تشكل الأوطان بالضمير الوطني المستعصي على البيع أوالكسل أو الاستسلام لقدر القوة الغاشمة. 

 
لقد صنع العرب بالإسلام حضارة عالمية حملت المثل والقيم,والمبادئ والفلسفة والفكر التنويري الذي ساهم في إنقاذ البشرية من قرون من التخلف وقد أنارت أمام العقل روابط العلوم وحوافز التفكير بالمستقبل,وأيقظت في النفس البشرية مشاعر التحدي للطبيعة,ليس بالسيف والخنجر والوعيد,لأن العلم وحده ومعارفه هي السبيل الذي يكشف حقائق الكون وأحقية العقل المتنور في تطويع الطبيعة وخيراتها وثرواتها لإنعام حياة أحب الخلوقات للخالق وهو الإنسان بالحاضر,وهم اليوم يضعون الإسلام بتسييسه في مواجهة التقدم والتحضر!!.
 
حمل اندثار الامبراطورية العثمانية وتفككها بعد هزيمتها,وباء تسليم إدارة الولايات العربية إلى القوى الغربية المنتصرة بالحرب والمندفعة بسياسة النهب والسلب لخيرات الأمم وثرواتها,بعد أن عمدت إلى سياسات التجهيل والحرمان من التعليم للمواطنين العرب بشكل خاص.وكان للمشاعرالقومية والوطنية التي بدأ المتعلمون والمثقفون نشرها لتوعية الأمة بمصيرها وبحقها في صنع مستقبلها دورها في شحذ الهمم التحررية وفي توحيد جهود الأحرارلمواجهة قلاع الظلم التي أسست لها الحركة الطورانية وتوسعت في استخدامها قوى الاستعمارالبريطاني – الفرنسي التي عمدت إلى تجزئة المراكز   والأطراف للجغرافيا العربية بما يحقق لها مطامعها ومصالحها,والتي ما زلنا حتى يومنا هذا نعاني من آثارها ومن بقايا أفعالها المشينة,ومن إحلال القواعد العسكرية الأميركية في قواعد شملت أكثرمن    عشرة دول عربية.
 
لعبت مصربعد أن تسلم الرئيس المرحوم جمال عبد الناصردورها الطبيعي في المنطقة العربية وفي الربوع الأفريقية وكانت محور ارتكاز الحركات العالمية التحررية,وعضوا مؤسسا في مؤتمرات وتحالفات الدول المتحررة من نير الاستعمار والساعية إلى تأسيس قوة تقف بين قطبين يسعيان إلى   تقاسم العالم بعد تقسيمه إلى مجرد دول ولاءات للشرق أو للغرب محافظة على سيادة قرارها في الاختيارالسياسي والاقتصادي وفي تحقيق مصالحها الحيوية بدون تدخل القوى الأجنبية.وكانت القوى الشعبية وتياراتها الوطنية تعتزبعروبتها وتحافظ على تقاليدها وتصون تقواها بإرادتها الحرة,وكانت مصر حضنا دافئا للعروبة والإسلام,وملجأ آمنا للثوار والأحرارمن كل الأوطان,فأخذت الأمة العربية موقهعا على خريطة الأمم الفاعلة في الرأي العام الدولي والمتفاعلة مع أحداث العالم وحركاته وتحركاته.
 
كانت مصرالناصرية صوتا عربيا في كل الوطن العربي ,وفي كل أنحاء العالم.وكانت ,دولة استعادت ثقلها السياسي والقومي من خلال التعبية الجماهيرية الوطنية,والمواقف التحررية في مواجهة سياسات قوى الاستعمار وأحلافه المشبوهة في غاياتها وفي نواياها.تصدى العرب بالقيادة الطبيعية للدولة المصرية التي أخذت موقعها الذي يليق بها, لمشاريع رجعية,وتحالفات معادية للمصالح العربية,وكانت,استجابة القوى الوطنية وتيارات التحرر والتقدم فورية وتلقائية لأن تلك القيادة كانت   قيادة في المبادئ وفي الأماني الشعبية في الحرية,ولم يكن للمال فيها دور,فدور المال السياسي مفعم  بالفساد في دافعه وفساد متلقيه وهو بهذا مال ملوث خلقيا وماديا.
 
لم يتورع السادات الذي اعترف بأنه كان يعاني من عقدة الأنا,وهو يصارع العرب ويهزأ بهم ويطرد الروس ويحتضن الإسرائيليين ويعترف باحتلالهم ويجرد سيناء من سيطرة مصر,فسقط كسياسي,وأضعف الدور المصري عربيا وأفريقيا ودوليا ليتمتع بصداقة العزيز هنري(لمن نسي:هو هنري كسينجر) وتبني المواقف السياسية المعادية لكل حلفاء الأمس وأصدقاء مصر.ولم يكن الرئيس المطاح به مبارك إلا شخصية وجدت نفسها في قمة السلطة,فترك الأنساب والمنافقين والمنتفعين  يتناهبون ثروة مصر,وينأى بمصرعن اشقائها العرب وينصاع إلى خدمة المصالح الأجنبية على حساب كرامة مصر الوطنية,فأنهى الدور المصري في غير مصر وجمده ,ولم تنتفع مصر من سياساته بل على العكس من ذلك,إلى أن قامت الثورة الشبابية فاندحر هو ونظامه,لتحل قيادة إخوانية شمولية المبادئ  محل قيادة خاملة متعثرة,فتبعثر دورمصربتأكيد القيادة المصرية الحفاظ على أصدقاء الرئيس من الصهاينة,وعلى خدمة منطوق السلام المصري – الصهيوني الذي يحفظ سلامه, على علاقة إخوان   غزة بذات العدووفاء للدعم الأميركي للتيارات الإخوانية على تسلم السلطة في البلاد العربية,بضمانة تركية أيقظت فيها شهوة الامبراطورية التي انطوت صفحتها على آلام ما جلبته على الأمة العربية من تخلف وتجهيل,وقامت بتسليم ولاياتها العربية إى قوى الطمع والجشع الغربية. 
 
كانت مصر محركا ديناميا لقوى التحضرفي كل ارجاء الوطن والعربي, وكانت تواجه عداء الإمبريالية وأعوانها ومجنديها من العرب.وهي اليوم يتم تحريك مفاصلها الحاكمة من قطر!!والمال السعودي يحرك بعض فصائلها,إنه حقا الزمن المعاكس لتير الوطنية والجهود البانية لمستقبل الأمة.وها هي مصر تغرق في مأساة تطبيق مناهج الشمولية التي عانت البشرية  من مثلها على أيدي الفاشية والنازية,وتكرر(وتونس كذلك) تجربة اللجان والمنظمات التي تتولى حماية الثورة!! بالعنف والاعتداء والإرهاب وهي حركة تحمل معان خطرة على صيرورة المجتمع,وهي  أخطر على أصحابها الذين ما زالوا يظنون أن التاريخ متوقف عند أقدامهم,وخلف ظهورهم.
 
تطويع المجتمع لمفاهيم نظرية تخص تنظيما بعينه أو جماعة معينة,وفرض طروحات عقيدة تطبيقية    تؤمن بها هذه الفئة أو تلك تحت ذرائع واهية,كان في الماضي السحيق ممكنا,وهو اليوم عمل يذهب بالمجتمع إلى صراعات تفتقد في وسائلها آدميتها,وتنفض عن أساليبها المعنى البناء للمعارضة, وتهدر أهمية الرأي الآخر وضرورته,وتلغي دورالقوى الأخرى وتياراتها بوهم قدرتها على التفرد في إدارة شؤون البلاد والعباد.
 
لم تقصر السماء رحمتها على فئة دون أخرى,فرحمة السماء تعم على كافة المخلوقات التي رعتها إرادة الخالق بحكمة التعددية وعبقرية الاختلاف المولد لعناصرالمعرفة لصنع المستقبل وتقبل التغيرات وترسيخ قيم التحضر والتطور.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد