كرت احمر للإعلام

mainThumb

27-12-2012 10:46 AM

 كل مهتم بالشأن العربي لابد انه تابع معركة الدستور في مصر الكنانة ’ لأن مصر هي الأخ الأكبر حضاريا وسياسيا واجتماعيا وعسكريا وإعلاميا وثقافيا وحتى اقتصاديا رغم كبوتها المؤقتة  , وتأثيرها ممتد من قبل زمن سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام إلى اليوم. لا ينكر هذا إلا جاهل أو كاره أو حاقد . 

 

نعلم أهمية الاستقرار السياسي والتشريعي في إعادة بناء أي دولة . وهدم هذا الاستقرار هو الهدف الأول لكل كاره  أو خائن .
 
قرأت الدستور المصري الجديد , و أقول انه دستورا ممتازا , ويشكل خطوة اكثر من ممتازة في نقل مصر من دولة  ديكتاتورية إلى دولة ديمقراطية  ترعى كرامة الإنسان وحريته , وتوزع  السلطات التنفيذية بطريقة تجعل من المستحيل تركز السلطات في يد شخص أو مجموعة أشخاص , فهناك سلطات موزعة بين الرئيس ورئيس الوزراء ومجلس نواب ومجلس شورى وهيئات رقابية مستقلة وصحافة حرة . فلماذا جوبه هذا الدستور الجيد بهجمة إعلامية مدعومة قوية مدفوعة القيمة ؟
 
الصحف اليومية خصصت معظم صفحاتها للهجوم على الدستور , إعلانات مدفوعة في أهم الصفحات ومنها نصف الصفحة الأولى وكامل الصفحة الأخيرة وإعلانات تلفزيونية مدفوعة ذات إخراج مشوق تحث المشاهدين على التصويت بـ "لا" للدستور الجديد . ناهيك عن برامج الحوارية "التوك شو" تحاول أثارة الغبار على الدستور الجديد , وظهور الكثير من النخب  الإعلامية لكي تحارب هذا الدستور , ونشرات كثيرة توزع على المنازل والسيارات والمحلات تطالب المواطن بقول "لا " للدستور , ولوحات في الشارع كبيرة وصغيرة وملصقات . كلها تطالب بلا . نسخ مزورة عن الدستور ملأت الشوارع والبيوت والانترنت , تحوي مواد لا يحويها الدستور الصحيح .
 
كنت أتمنى سماع  نقدا موضوعيا للدستور فلم أسمع ولم أقرأ , ولكن ما سمعته كان كلاما مرسلا أو اتهاما لا دليل عليه وكثر مما سمعت كان كذبا وزورا .
 
الشارع المصري والفضاء المصري ملئ بسموم الكذب والهجمات الغير مبرر على الدستور , وحملات عنف وهجمات على مقرات الأحزاب والمساجد حرقا وتدميرا  ورغم ذلك نجح الدستور . ورغم ذلك اختار الشعب المصري بدء عملية بناء الدولة  , وفشل الإعلام , وسقطت الكثير من القامات الإعلامية التي كنا نتابعها ونحترم أرائها. سقطت من أعين الكثير من العرب , وسقطت من أعين الشعب المصري .
 
أما سبب سقوطها, فلأنها لم تلتزم الحياد المطلوب من الإعلامي , وحتى عندما نقدت الدستور فلم تنتقده  نقد بناء , النقد الذي يبني وينير الطريق.  بل نقد اقل ما يقال عنه انه كان نقد بعيد عن الموضوعية .
 
الأعلام أحتقر رجل الشارع واستهان بقدرته وذكاءه , احتقر العامل والفلاح وظن الإعلاميون أنهم يستطيعون توجيه الرأي العام  ولكنهم فشلوا. لأن نقدهم لم يكن موضوعيا , بل كانت محاولة توجيه من الأعلى , محاولات فوقية . 
 
وهنا يقع الإعلام في نفس الخطأ الذي وقع ويقع به الحكام , فكان سبب سقوط من سقط منهم , وسيكون سبب سقوط من لم يسقط  , يجب على الإعلام أن ينزل إلى رجل الشارع , يحترم عقله والمخزون الحضاري والثقافي لديه , يخاطبه بالحقائق ويبين له بالوقائع والحقائق, وإلا فل يحقق الإعلام  رسالته .
 
الشعب المصري أعطى كرتا اصفر للإعلام , ينبهه انه واعي , رغم الأمية ومحاولات التجهيل عبر عشرات العقود . فالشعوب تملك مخزون حضاري ووعي أخلاقي وقدرة على التحليل ومعرفة الغث من السمين .
 
إذا لم ينتبه الإعلام إلى هذه الحقيقة  فلسوف يحصل على الكرت الأحمر ,  ويخرج من المشهد الحضاري ويخرج حتى من المشهد الإعلامي , ويتحول إلى فكاهة  يتندر بها المواطن . 
 
انتبهوا أيها الإعلاميون , معركة الدستور المصري أعطتكم كرت اصفر , فلا تقعوا بنفس الخطأ حتى لا يخرج لكم الشعب الكرت الأحمر .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد