الباحثون عن الكنوز في أكوام الورق

mainThumb

29-01-2013 08:50 PM

 لم يلاق انتقاد الوصايا المكيافللية للزعماء والقادة والسياسيين أي صدى يذكر لدى أيا منهم,بعد أنْ وجدوا في تلك الوصايا والنصائح وما ترتب عليها من أساليب مداورة ومناورة ما يحقق لهم أغراضهم السياسية والاستزعامية والاستزلامية.وظلت كتابات مكيافللي ووصاياه مرجعا للسياسيين والحكام لا تستغنون عن العودة إلى تعاليمه في مواجهة ما يعترض أعمالهم وقراراتهم من مصاعب ومن تحديات من مجموعات المجتمع أو إحد أو بعض مكوناته التعددية.

 
ويعود افتقاد تلك التعاليم إلى صدى لدى تلك الأطراف المعنية بها مباشرة,إلى أن مصدر ذلك النقد والاعتراض على الأساليب المقترنة بها كان من جانب أصحاب القيم المرتبطة بالأخلاق من جهة والملتزمة بالمصداقية من جهة أخرى,وهاتين السمتين لا تلتقيان عند أي مفصل من مفاصل السياسة في مجتمعات حيوية تلتمس تجاوب الحكام مع مصالح العامة وليس فقط مع مصالحهم في التحكم  والهيمنة , واختزال الصالح العام بما يتحقق لهم من صالح ومصالح وما يضمن بقاءهم في السلطة  وإدامة مراكز القيادة والسيادة!!.
 
ما أطلقت عليه المصادر الغربية تسمية (الربيع العربي),كما سبق وأن تمت تسمية حراكات بعض دول أوروبا الشرقية التي أنتجت تحولا جادا نحو إقامة المجتمع الديمقراطي.مع التأكيد على إن دواعي  الحراك وأسبابه كانت في كل من مصر وتونس واليمن كلها مشروعة لسلميتها وملحة على ضرورة مواجهة واقع متجمد عند شخوص فاسدين مفسدين,ومتجلدي المفاهيم والأساليب في إدارة الدولة وتؤكد على حقيقة تنامي الوعي لدى العنصرالشبابي الذي لم يكن مسيسا بالضرورة ولم يكن متحزبا أو منحازا لأيدولوجيا مقيدة أو لمفاهيم فقدت بوصلة معايشة العصر ومنجزاته,وإنما وعي بطبيعة التغييرالذي تفرضه منطلقات العصرنة وأدواتها, ووعي أنارطريقه صحوة ضميروطني حداثي,بعدأن أيقن بثقافته المدعمة بسعة المعلومات بعقلية متفتحة وذهنية يقظة أن الأنظمة الحاكمة لم تعد تصلح  لما نشأت عليه من سياسات بالية وممارسات باهتة ووعود كاذبة ومنجزات تخص فئة وتحرم شعبا,وثروات تُهدر وتُهرب واستشراء الفساد في كل مفاصل النشاطات الاقتصادية والإنمائية.
 
ولكن مراجعة سريعة وعابرة لما آل إليه مصيرتلك الحراكات,بعد أن تسللت إليها أحزاب تقليدية من مختلف المعتقدات الأيدولوجية والتيارات السياسية  متعددة الانتماءات والاتجاهات وتمكنت من السيطرة عليها التيارات الدينية وأحزابها تمثلها جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست منذ أكثر من ثمانين عاما لم تتمكن خلالها من الوصول إلى حكم أي بلد عربي بالتحديد سوى ما قامت به حركة  حماس من انقلاب دموي قاس على منظمة التحرير والتنكيل برموزحركة فتح في غزة ,(لاستكمال تحرير فلسطين) !!).ولم تكن التجربة السودانية في إئتلاف اخواني (د.حسن الترابي) مع حزب الرئيس عمر البشيرمن التجارب التي يمكن أن يتنصل الإخوان المسلمون من نتائجها المأساوية على السودان برمته وقد ابتدأ مرحلة التقسيم بانفصال الجنوب كمقدمة لمزيد من التجزئة والتشرذم الذين يطالا  الخريطة العربية هذه الأيام بفعل عربي - أميركي - صهيوني مبرمج وممنهج استخباراتيا وعسكريا .
 
ولكن يبقى هناك السؤال الذي نصه : هل تقف عناصر سياسة (الفوضى الخلاقة — خلاقة بالنسبة لأصحابها ومقترحيها) عند حدود التقسيم الجغرافي العرقي أو الديني أو الطائفي للدول العربية لإقامة دويلات متعادية متقاتلة متحاربة ؟؟!,والجواب الذي يدلل عليه مسار الأحداث هو بكل بساطة, بالنفي حيث تعتمد هذه السياسة الخبيثة والخادعة أيضا على العمل الدؤوب والمؤدلج على تقسيم كل مجتمع  منها في دويلته تقسيمات تتعارك على الحكم وعلى السلطة,وتتقاذف الاتهامات بكل الاتجاهات تشمل تقسيم  كل منها ثقافيا وسياسيا وتحزبا وتحالفا مع الأجنبيي,فقد وصل بنا الحال أن تستعين قوى وتيارات سياسية وجماعات دينية وأحزاب ومثقفين بقوى الاستعماروقوى الامبريالية الطامعة والمستغلة على أوطانهم, بعد أن كانت مثل هذه الاستعانة  خصلة من خصال الأنظمة الفردية والمستبدة والفاسدة  وأتباعها للحفاظ على تسلطها والحفاظ على السلطة.!!.
 
كانت إرادة الشباب الذي فجرالثورة في كل من تونس ومصر تهتف للخبز(الفقر),الكرامة (كرامة المواطن في وطنه وخارجه) والحرية (يولد الإنسان حرا,وهي بذلك حق طبيعي ,كما إنها حق قانوني  من حقوق الإنسان في أي مكان),فإذا بالفقر في مصر وفي تونس يشحذ أنيابه على الفقراء والمحتاجين, وإذا الكرامة تُهدر بهدر قيمة القانون الذي يتكفل بحماية حقوق المواطنين ويحفظ لهم كرامتهم وبوأد استقلال سلطاته القضائية التي تعتبر أهم ركن من أركان الدولة باستقلاله أولا وأخيرا,وإذا بالحرية تُختزل في أن تكون حرا في أن تكون إخوانيا أو سلفيا(في هذه المرحلة) أو داعما أو مؤيدا!!.
 
الاستقرارفي المجتمع محصلة نهائية لما تمثله الحالة الديمقراطية في المجتمع من تفعيل لقيم التعددية ولقيم الحرية وترسيخ القيم الديمقراطية التي تكرس معارضة بناءة متنورة مقتدرة على التصدي  لانحراف النظام عن القيم الديمقراطية التي لم تعد بحاجة إلى اكتشلف أو تعريف.وليس الاستقرارقبضة أمنية, وليست حلما ورديا تغذيه خطبة رئيس ووعوده بما ليس في مقدوره أن يفي بها,لأن التعبيرعن صون الكرامة الإنسانية لا يتحقق إلا بصون حريته وتأكيد حقه في لعب دوره في وطنه دون تدخل سلطوي,بعد أن تأكدت العلاقة العكسية بين النظم الأبوية الرعوية وبين الكرامة الآدمية,وما أدت إليه  هذه العلاقة المضطربة من فقدان الثقة بين النظم الحاكمة وبين المواطنين بمختلف مكوناتهم وتنوعها,  فقد سطعت المرحلة التنويرية التي خلصت فيها الشعوب إلى إن جوهرالكرامة الإنسانية يتجلى في   تفعيل حقوقه الأساسية والقانونية والطبيعية,وهذه أصبحت تمثل ألف باء المجتمعات الإنسانية المتطورة.
 
البحث عن الاستقرارفي المجتمع , مما لا شك فيه, يتطلب البحث عن مقومات بناء القاعدة الدينامية الصلبة بين مكونات المجتمع لانطلاق عمليات التحول والتطور والتغيير,ويبتعد عن سلوك طريق   فرض قيم حزب أو جماعة أو تيار على مكونات المجتمع, ولا يمرعبرتأسيس فرق أمر ونهي بحجة الادعاء بالحفاظ على قيم معينة وتقاليد بعينها,وليست الأخلاق في ما تراه في سلوك الآخرين وإنما فيما تقوم به أنت نفسك من سلوك يعطي المثل العملي على مضمونه.والاستقرار رهن بعلاقة ثقة  وتجاوب  بين أطراف السلطة وبين أطراف المعارضة في المجتمع الديمقراطي,وحالة اللااستقرارما  لم تجد مسارها نحوالمقرطة بالتوافق بين مكونات المجتمع وقواه وتياراته, تقع في مأزق الانقسامات والخلافات وتعيق تنمية الموارد واصلاح الاقتصاد,وهي حالة فساد تتحمل السلطة الجزء الأعظم   لنتائجه.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد