الثانوية العامة و التعليم في خطر

mainThumb

16-02-2013 12:04 PM

 أخشى صحة ما يقال بأن  التعليم أصبح مهزلة رهيبة و مخيفة بجميع المقاييس و المعايير ، إذا قارنا نظام التعليم في الأردن  بالنظم التعليمية في الدول المتطورة سنجده يتبع الآثار الحجرية ، أي سنجده أثراً بلا روح ولا طعم ولا رائحة، وأصبح كابوساً مخيفاً رهيباً على أولياء الأمور وعلى قروشهم و دنانيرهم القليلة التي يتقاضونها ،كل ذلك  بسبب العطل و الخلل و الترهل  الذي أصاب الجهاز الإداري و التربوي و التعليمي الناتج عن تعينات الواسطة و المحسوبية و الشللية في  ، من المعروف إن المخرج الوحيد لمثل هذه الممارسات هو عقم التفكير التربوي السليم  و عدمية القرارات التربوية التي تسهم في التطوير والقادرة على  إحداث الإصلاح التربوي المنشود في المنظومة التربوية برمتها. 

تذكروا أيها الناس ما جرى حول الثانوية العامة للدورة الشتوية الفائتة ،حيث لم يتم التعامل بجدية مناسبة مع ما أشيع من تسرب أسئلة الثانوية العامة ، تاريخياً و عربياً تسربت أسئلة امتحانات الثانوية العامة لأول مرة في العالم العربي عام  1960في مصر ، عندما قام أحد المسؤولين الكبار في مجلس قيادة الثورة أنذاك - وكان زملكاوياً متعصباً – بتسريب أسئلة الامتحان لأحد لاعبي كرة القدم بنادي الزمالك ،  ولأن اللاعب كان نجماً جماهيرياً محاطاً بعشرات المعجبات، فقد منح هو أيضاً الأسئلة لعدد من معجباته، وظلت دائرة التسريب تتسع حتى ضمت شخصاً مجهولاً كان قريب الصلة من المخابرات الإسرائيلية التي تمكنت من الحصول علي الأسئلة بانتظام مثير للدهشة ! أحذروا أيها المسؤولون، إن المساس بسمعة امتحان الثانوية العامة بشكل خاص و التعليم بشكل عام   ينذر بخسارة الاعتراف دولياً به  ، أضف إلى ذلك تهديد الأمن القومي والوطني وفقدان المواطنين ثقتهم بهيبة الدولة وقدرتها على ضبط العملية التربوية والتشكيك بالعدالة الاجتماعية.
 
لقد لوحظ  في الدورات الأخيرة  لامتحانات  الثانوية العامة مظاهر انفلات غير مسبوقة تمثلت في انتشار الغش والتمرد على المراقبين  بشكل فاق حدود الظاهرة فبين اعتداء على مراقب قاعة  أو تحطيم سيارة أو ابتكار لأساليب جديدة في الغش ، و إشاعات تسريب الأسئلة ، مما فتح الباب على مصراعيه حول حقيقة ما يجري وعلاجه وعلاقته بتراجع القيم وانحسار هيبة الدولة ،كل ذلك تم دون التعامل الجدي المناسب و المطلوب من الأجهزة  المعنية لهذه الممارسات مما أثر سلباً على قدسية الامتحان و مصداقية نتائجه، و الأدهى من ذلك يخرج مسؤول تربوي ما  ليقول كل شيء تمام و على ما يرام  ، و الامتحانات تجري بشكل طبيعي .  
أيها المسؤولون لماذا يتم التناسي أو التغاضي بأن الغش أصبح عادياً في كل مناحي الحياة في هذا الزمن الرديء ، فالجو كله غش و السماء ملبدة به ، فما الذي يمنع أن يصيب امتحانات الثانوية العامة خاصة  و التعليم عامة بسوء ، الرشوه موجودة  ولا غرابة إذا اقترنت بتسريب الامتحان، الضمائر الخربة متوفره وليس المسؤولون بمعصومين منها.  
 
  من المعلوم بأن تدمير مستقبل اي بلد  يبدأ بضرب التعليم فيه ، وضرب التعليم يبدأ بتفريغه و تجريده من مضمونه ، فالطالب لا يعرف لماذا يتعلم عمومًا ، ولا يعرف لماذا يتعلم بعض المواد ، لدرجة أنه أتى على الأردن  حين من الدهر جُعل تدريس بعض المواد السيادية اختيارياً  بفضل مسؤول  ابتليت البلد بعبقريته سنوات عجاف ، وضرب التعليم يكون بمناهج تلقن ولا تبدع ، وأناس دخلاء على المهنة ؛ فلا يطلعون  ولا توجد مساحة وقار وجلال ومحبة صادقة بينهم  وبين طلبتهم  ؛ اللهم إلا إذا كانت محبة الأجهزة الحديثة في هذه الأيام  في تبادل المسجات و  التفاهات وما هو أكبر،  وضرب التعليم يكون بتعين مسؤولين هدفهم الشكل لا المضمون ؛ شكل كراسة التحضير ، هندسة  السبورة ، هيكلة  الدرس ، و مسارات التعليم و نظام الرزم  و الحزم ، وضرب التعليم يكون بإقصاء العارفين بالتربية و التعليم ،  لا أريد الإطالة فهناك الكثير!!
 
وفي نهاية  المطاف أقول  ،  سُأل رسول الله – صلي الله عليه و سلم – متى الساعة ؟ قال :  إذا وسد الأمر لغير أهله فإنتظر الساعة  أي إذا أسند المنصب لشخص غير مناسب فإنتظروا الهلاك ، و ها نحن يحيطنا الهلاك من كل حدب و صوب .  في بلاد العم سام  يجلس المرشح لمنصب ما  أمام لجنة من الكونجرس لمناقشته و التعرف على أفكاره و خططه ، ثم لابد من الموافقة عليه قبل أن يشغل مهام منصبه ، أما عندنا فلا نعرف على أي أساس يتم إختيار المسؤول  ، فكانت النتيجة وجود العبد المأمور  في كل مكان يتصرف و يتلفظ بما يوجه به من أتي به ، و رغم التغيير المستمر في شاغلي المنصب على مدار السنين  ، إلا أن معايير الإختيار بقيت  جامدة ، و النتيجة أننا نعاني و سنظل نعاني حتى  يتم الإختيار على أساس المفاضلة بين أحسن من لدينا ، و إلا سنظل ندور في دائرة مفرغة و دائرة الخطر سوف تتسع. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد