السائح والفاجر والخراب

mainThumb

22-03-2013 03:53 PM

هل تستطيع عزيزي القارئ ان تتكهن بما يمكن ان يكون عليه الوضع في مصر بعد خمس سنوات؟ وهل تستطيع ان تتصور ما يمكن ان يكون عليه الوضع في لبنان؟ هل تقدر ان تتنبأ بما يمكن ان تكون عليه سورية؟ هل تستطيع الجزم بأن الاردن سيكون مستقراً؟ هل تستطيع الاجابة عما سيكون عليه العراق؟ وهل صحيح ان الإعصار تخطى مرحلة إطاحة الحكومات ليصل الى التهديد بتمزيق بعض الخرائط على وقع حروب الكراهية بين المكونات؟

اعرف عزيزي القارئ انك لا تستطيع تقديم جواب اكيد ومقنع ومتفائل. وأعرف انك تميل الى اعتبار المستقبل القريب قاتماً كي لا نقول كارثياً. ولأن الأمر كذلك، يصعب عليك ان تطالب سيد البيت الابيض بأن ينوب عن حكومتك في المطالبة باستعادة الحقوق الفلسطينية والعربية. الحقيقة انني احتراماً لمشاعرك، لم افتتح الاسئلة بالسؤال الجوهري وهو: هل تعتقد ان النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي لا يزال يحتل الصدارة في اجندات هذه الدول التي تتلوى على ألحان الحروب الاهلية او تستعد لها؟

كانت صورة باراك اوباما وبنيامين نتانياهو قاسية. وصادمة. ومستفزة. ليس لأنها الزيارة الاولى لإسرائيل يقوم بها اوباما رئيساً. وليس لأن اوباما يفتتح بها ولايته الثانية. وليس لأن العالم يعرف ان الود مفقود اصلاً بين الرجلين. وأن نتانياهو خاض بوقاحة وعلى مدى سنوات حرباً على الارض الاميركية لتأديب الرجل الجالس في المكتب البيضاوي وتطويعه. ليس فقط بسبب كل ذلك، بل قبله بسبب المشهد العربي المريع.

شعرت أمام الصورة بالإحباط. بالقهر. بالذل. وبالعار ايضاً. مذ كنت صغيراً وأنا اقرأ عن «العدو الغاشم». وها هو رئيس حكومة العدو الغاشم يستدعي رئيس الولايات المتحدة في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة. استدعاه ليبلغه أمام الشاشات أن اسرائيل «لا يمكن ان تتخلى عن حق الدفاع عن نفسها حتى لأقرب حلفائها». جاء ذلك بعد وقت قصير من افتتاح اوباما رحلته «الاستكشافية» بالتشديد على صلابة العلاقات «الابدية» بين الدولتين. وبوقاحة استثنائية، تحدث نتانياهو عن ايمان حكومته بـ «حل دولتين لشعبين»، متناسياً ان مستوطناته تلتهم يومياً ما تبقى من اراضي الفلسطينيين وحقوقهم.

خذ منظاراً عزيزي القارئ وحدّق في المنطقة. ذهب الكيان المصطنع الى انتخابات. عكست نتائجها انقساماته وتشظي مجتمعه. المخاض الطويل انتهى بتشكيل حكومة تطمئن المستوطنين وتضاعف شهياتهم المفتوحة. هذا صحيح. لكن الاسرائيلي يستطيع الادعاء ان لديه حكومة تستطيع الاجتماع واتخاذ القرار والدفاع عن مصالح الدولة.

هل تستطيع عزيزي القارئ ان تخبرني عن انجازات حكومة هشام قنديل. عن انجازاتها في الامن والاستقرار والازدهار وفي طمأنة المواطنين الى خبزهم وكرامتهم وحقوقهم، هذا من دون ان ننسى طمأنة المستثمرين والمقرضين والسياح. أعرف الجواب وأنت تعرفه.

هل تستطيع عزيزي القارئ ان تطلعني على انجازات السلطة السورية. لا شك في انها منتجة. كانت سورية تنتج مئة جثة في اليوم. في الاسابيع الماضية ازدهرت هذه الصناعة. صار المعدل اليومي اعلى وأدى «الازدهار» الى تحويل الحدائق العامة الى مقابر عامة. يمكن تسجيل التقدم نفسه في انتاج الأرامل والأيتام. الازدهار متواصل وبدل العيش في ظل حكومة واحدة ستعيش سورية، على الاقل لفترة، في ظل حكومتين، وستكون الحروب طويلة ومريرة مع النظام اولاً ثم مع من هبّوا لـ «نصرة» الشعب السوري.

أعفيك عزيزي القارئ من قراءة الوضع العراقي. فحكومة نوري المالكي تغرّد في وادٍ، فيما تغرد المكونات الاخرى في اودية اخرى. العملية السياسية تلفظ أنفاسها. تحرر العراق من الاحتلال وتفرّغ لإنجاز التفكك بين المكونات.

الحكومة اللبنانية صندوق عجائب وويلات. الاقتصاد مريع. الأمن مريع. العلاقات المذهبية مريعة. إطلالات السياسيين مريعة. البلد الذي أعلن قبل سبع سنوات انتصاره على العدو الغاشم، يستعد الآن للجلوس تحت الركام. مؤسساته مخلّعة. حكومته تشبه أرخبيلاً من الجزر غير المتحدة. لكل حفنة وزراء استراتيجية ومرجعية. كل وزير يغرّد على ليلاه. أُصيبت البلاد بتخمة في الأقوياء وتعاني نقصاً رهيباً في الحكماء.

لن أتطرق الى الوضع الفلسطيني. بلغ التدهور حداً جعلنا نحتفل بصورة تضم محمود عباس وخالد مشعل ونعتبرها إنجازاً تاريخياً.

عزيزي القارئ، إذا كان الخراب العربي بهذا الحجم ومرشحاً للتصاعد والانتشار، فلماذا يمارس اوباما ضغوطاً على نتانياهو ولماذا يمتنع عن الإدلاء بتصريحات مريعة؟ غداً يغادر السائح عائداً الى بلاده ويبقى الفاجر مقيماً مع ترسانته وجرّافاته ويتسلى العربي بإحصاء عدد اللاجئين والحروب الاهلية وقوافل الأيتام وطاولات الحوار الوطني من بيروت الى صنعاء.

 

* الحياة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد