العنف في الجامعات بين الحقيقة والوهم

mainThumb

13-05-2013 11:26 AM

بداية لا أود أن أدخل في تحديد المصطلحات حتى لا أتيه بين أن العنف الجامعي حالة أم ظاهرة , أم غير ذلك .... ولكن ارغب أن أعلن للقراء بعض الافكار التي أعتقد أنها تفسر العنف الطلابي في الجامعات الأردنية .. ولا أريد من تفسيري هذا أن ألقي اللوم على القبيلة  أو العشيرة أو الأسرة أو إلى أي نسيج اجتماعي على جغرافية المملكة الأردنية الهاشمية , ولكني أرغب في تقديم هذه الأفكار لعلها تقدم تفسيراًﹰ سليماً إلى العنف في الجامعات الأردنية بهف الإفادة منه في تكوين قاعدة من المعلومات النظرية التي تؤسس إلى  حالة العنف أو ظاهرة العنف في المؤسسات التعليمية...

أنا لا أعتقد ان العنف مقصور على مجتمع الجامعات في المجتمع الأردني, بل هو موجود في البنية الاجتماعية بعامة سواء أكان ذلك على مستوى القبيلة  أم العشيرة أم الأسرة أم البنى الفكرية أم السيكولوجية للفرد الواحد , فالافرد ما زالوا رعايا على الجملة, ولم يتحولوا إلى مواطنين في دولة مدنية... فالرعايا انتمائهم إلى نسيج القبيلة والعشيرة , بل إلى شيخ القبيلة الواحد أو شيوخها المتعددة في القبيلة الواحدة , فالرعايا هم أفراد ينتمون إلى رئيس القبيلة الذي يمثلهم أو يلتفون حوله أو ينتسبون إلى دم القبيلة  أو العشيرة التي تميزهم عن غيرهم من الرعايا الآخرين الذين  ينتمون إلى دم قبيلة أخرى تعيش فوق الجغرافيا الأردنية سواء أكانت في الجنوب أو الوسط أو الشرق أو الشمال أو أي مكان يشير إلى التراكيب القبيلية في المجتمع الأردني..

صحيح أن القبيلة مقّوم اجتماعي يحمل منظومة من القيم الاجتماعية النبيلة التي تغنى بها المجتمع العربي في مسيرته التاريخية , وصحيح ان القبيلة كانت مصدر حماية لابنائها , ولكنها في نفس الوفت كانت أداة صادقة في أخذ الحقوق من أبنائها إلى الآخرين من أبناء القبائل الأخرى, لانها كانت تمثل السلطة العليا في الحياة الاجتماعية داخل القبيلة وخارجها ... فالافراد الرعايا تحت سلطة قبائلهم في كل الظروف ... لذلك كانت القبيلة العربية تشكل حالة من ضمان الحقوق لابنائهم أو لغيرهم من رعايا القبائل الاخرى .. حتى يبقى الوئام بين القبائل قائما بصورة عأمة..

لهذا كانت القبائل, تتبادل روح الحماية وتضمن الحقوق للرعايا الآخرين, سواء أكان ذلك داخل القبيلة أو خارجها.

ولكن بقيت القبائل الكبيرة لها سلطة أكبر من سلطة القبائل الصغيرة, فالقبيلة الكبيرة كانت تجتاح القبيلة الصغيرة , وتاخذ ما تملكه من ثروة حيوانية غنيمة لها , بل كانت تاخذ بعض بنات القبيلة المغلوبة سبايا , أي زوجات بالقوة لابناء القبيلة الكبيرة المتنفذة... وعلينا أن نعترف بأن القبائل التي دخلت الإسلام وأمنت بما يحمله الإسلام من مفاهيم وقيم قد اقلعت عن هذا السلوك العدواتي , لآن الإسلام قد ألف بين قلوبهم فاصبحوا بنعمته اخواناً في الدين يتقاسمون لقمة العيش فيما بينهم .... ولكن هذا الوئام بين القبائل العربية لم يستمر , بعد ان ضعفت الدولة الإسلامية  وأخذت بعض القبائل إحياء ما كانوا عليه من عداوة قبل الإسلام يتقاتلون فيما بينهم على أقل الاسباب قيمة... واستمروا على هذه الحالة مؤمنين ملتزمين بالقيم الإسلامية , أو مسلمين غير ملتزمين بالقيم الإسلامية ... حتى يومنا هذا ..... بعد سقوط الخلافة الإسلامية وتقسيم البلاد العربية من قبل سايكس بيكو إلى بلاد متعددة, بانظمة سياسية مختلفة , تبدلت احوال الوطن العربي , فأصبح لكل بلد عربي سكانه, ومجتمعه ودولته, وظروف معيشته ... وكأن هذا التفكيك أدى إلى تباين في المجتمعات العربية , وتركيبتها السكانية , وظروف معيشتها الحياتية , وأصبح الناس يعيشون في أطار ثلاث مستويات بيئية المدنية والريف والبادية وهو تقسيم معيشي وليس تقسيم حضا ري , لانهم على اختلاف هذه التقسيمات , ظلوا ينتمون بل ينتسبون إلى العقيدة الإسلامية وما ترتب عايها من حضارة.... ولكن الفئات الثلاث ظلت منتمية إلى الإسلام  وما يحمله من مفاهيم وسلوكات.... ومع هذا فاننا نرى ان هناك تفاوتا في التزام  المكونات الاجتماعية بمنظومة القيم الإسلامية , في كل من المدنية والريف والبادية وهي تقسيمات معيشية وليست اصول متباينة..... فالجميع يعلنون أنهم يجمعون على انتمائهم للعقيدة الإسلامية , وولائهم لله سبحانه وتعإلى . ولكن الذي يتبصر في هذه المكونات الاجتماعية , يجد أن هناك تبايناﹰ في حمل هذه المكونات الاجتماعية للعقيدة الإسلامية وقيمها , على اختلاف مستويات الحياة في المجتمع. أنا لا أريد أن أفاضل بينهم لأن الله وحدة هو العليم الخبير .... ولكني أريد أن الفت نظر هذه المكونات الاجتماعية أن هناك بعداﹰ شاسعاﹰ بين الحقيقة والواقع الاجتماعي.

فالإسلام وحّد بين قلوبهم , واصبحوا بنعمة الدين الإسلامي اخواناﹰ , يرحم غنيهم فقيرهم, ويتعاونون على البر والتقوى , ولا يتعاونون على الآثم والعدوان ... دماؤهم بينهم حرأم, واعراضهم حرأم, وجعل الله بينهم مودة ورحمة, فاصبحوا كالجسد الواحد, اذا اشتكى منه عضو سهرت له جميع الاجزاء بالسهر والحمى, دلالة على المحبة والوئام والأمن الاجتماعي فيما بينهم.

واذا كانت سلطة الدولة سائدة في الحياة الاجتماعية بين المواطنين في دولة الإسلام المدنية, فان هذه الحالة لم تستمر بعد سقوط الخلافة , وتراجعت الحياة الاجتماعية في البيئات الإسلامية حتى كاد الانسان يقول: ان المسلمين حالة متباينه فيها من التناقضات ما لاتحصى , وابتعد الكثير عن تعاليم الإسلام , أو الابتعاد عن الالتزام به, فاضطربت حياة الناس ولم تعد تنظمها القيم الإسلامية الواضحة التي كانت تنظم حياة الناس بكل أبعادها داخل المجتمع , وانفراط عقد القبيلة الضامنه للمرؤة والحق , وضعف تطبيق العدل على الناس بدرجة واحدة, ولم يعد القوي عند الحاكم ضعيف حتى يأخذ الحق منه, والضعيف قوي حتى يأخذ الحق له... فاستقوى  الناس بعضهم على بعض , والاستقواء أشكال وأنماط , يتباين في مصادره , واسبابه وبواعثة ولم تاخذ الدولة في الوطن العربي , سلطة الدول الديمقراطية المستقرة التي ينظمها القانون بل ما زالت في طور التكوين أو التطويع أو تدريب الرعايا ليكونوا مواطنين في دولة القانون أو الدولة المدنية التي ينتمي اليها المواطن ولا ينتمي إلى سلطة اخرى غير سلطة الدولة, عندئذ يقدر المواطن القانون ويحس به على أنه يحميه ويحمي غيره بنفس الدرجة, ولكن القانون في سلطة الدولة العربية لم يصل بعد إلى سلطة مدنية تطبق بعدالة على كل المواطنين لانهم على درجة واحدة أمام القانون... لان الذين يطبقون القانون لم يزل لا يرغبون في تطبيق القانون بعدالة, لأن الكثير منهم لأيؤمن بالقانون الذي يسوي بين المواطنين ,لأنهم عنصريون لأن بعضهم لا يؤمن أن دمه هي نفس دماء الآخرين من المواطنين, فهو أقرب الى السلطة من الآخر... لهذا يتعثر تطبيق القانون على كل المواطنين بنفس الدرجة أو العدالة , لان البعض يريدو ان يوجهوا القانون لاشباع رغباتهم أو اهوائهم أو مصالح من يحبون ضد من يكرهون, أو لمصالحهم الشخصية.... وبهذا فان القانون لا يؤثر على سلوك الناس ويعمل على تعديل سلوكاتهم المخالفة... لانهم يملكون السلطة أوالقوة التي تحميهم من تطبيق القانون عليهم بسب نفوذهم أو قربهم من السلطة الحقيقية...

وهكذا يستمر الفرد منا في مجتمع الجامعة , على ما يحمله من مفاهيم وقيم تلقاها من اسرته أو عشيرته أو غير ذلك , وهي الدفاع عن النفس والانفعال لحماية من يحب , أو الفزعة لبيان الرجولة التي تشكل عليها , وهي الفزعة لابناء قبيلته أو عشيرته أو دفاعا عن اشياء كثيرة قد تنشأ عليها داخل الاسرة قبل أن يصل حرم الجامعة , فتصرفه يعود إلى تنشئته السابقة وليس إلى عقلانيته الراهنة التي ترتبط بمستواه التعليمي في الجامعة و لذلك فهو ينسى كل المبادىء المنطقية والاخلاقية , ويسلك ما يثبت رجولته وكأن الرجولة هي في اللجوء إلى العنف ... وليس الرجولة هي في الذهاب إلى المسؤولين في الجامعة لاخذ حقوقه, فالجامعة مؤسسة وطنية لها ثقافتها وتشريعاتها التي تحافظ على حقوق افراد مجتمعها, ومع هذا لا يلجأ إلى تشريعات الجامعة لآخذ حقوقه فالرجولة تمكنه من العدوان وكأن الذي أمامه هو عدو القبيلة الغازية , والآن نريد أن ناخذ بالثأر لذلك عليهم... عليهم ....

وكأن الذي يحرك الشباب الجامعي إلى العنف , هو استمرار حمية العشيرة في سلوكه الفردي, وتبني رجولة الفزعة , لأن الفزعة قيمة عشائرية و ما زالت سائرة حتى يومنا هذا وأن الذي لا يفزع الى أولاد عشيرته يلحقه مثلبة, ونقيصة اجتماعية, ويشك في رجولته, هذا ولم يعتد ابن العشيرة  الكبيرة اللجوء إلى القانون أو المسؤولين في المؤسسة لأخذ حقة , فهذا السلوك الحضاري لم يتبلور لدى الرعايا في عشيرة الدولة, بل تبلور عند المواطنين في دولة القانون أودولة العدل وليس دولة الرعايا الذي يستقوى فيها القوي على الضعيف, والقبيلة الكبيرة على القبيلة الصغيرة....

وعلى الطلبة ان يتعقلوا وينتمون الى المعرفة التي تبصرهم بالحق وليس الى التنشئة السابقة التي مازالت توجه الشباب في سلوكهم الجامعي.

وحتى تستقيم الحياة في الجامعات عليكم ان تجعلوا منها جامعات لكل الوطن بل لكل المجتمع لكل الأردنيين, وليس جامعات جهوية لا يختلط فيها سكان المجتمع كله حتى لا تبقى هذه الجامعات على نموذج واحد من المواطنين ... لا يتشكل فيه التباين والتعددية في النماذج والسلوك والحضارة  حتى يستفيد بعضهم من بعض, ويقبل الواحد الآخر على اختلاف ثقافته أو جنسه أو  دينه أو غير ذلك من اسباب التباين , عندئذ يعيش المجتمع في حالة من الوئام لان افراده قبل بعضهم بعضاً في تعايش مستقر.

وان زعمت القبيلة انها لا ترضى عن العنف الذي يرتكبه ابناؤنا الطلبة في جامعاتهم, الا أنها تشد أزرها للدفاع عن ابنائها الذين يشتركون في العنف... على الرغم من علامات الغضب أو عدم الرضا من سلوك ابنائهم هذا ... وصحيح أن الابناء حينما يشاركون في العنف الجامعي , لا يستأذنون قبائلهم مسبقاﹰ , ولكنهم يتأكدون من أن قبائلهم سوف تفزع لهم لانها ستعمل ما وسعها الجهد لاخراجهم من هذه الورطة أي ورطة العنف لاحقاً... ولكن مالذي يدفع الطالب إلى الاشتراك في العنف بالرغم من استياء القبيلة لهذا السلوك؟ ان الاحساس بالأمن المسبق بسب نفوذ قبائلهم , أو على الاقل نفوذ بعض القبائل الذين يحتلون مراكز متقدمة في الدولة , كما ان الاشخاص  الذين يحتلون مراكز متقدمة وادواراً اجتماعية مرموقة ممن ينتسبون الى هذه العشائر يوحون إلى الطلبة  المشتركين بالعنف بالتدعيم أو على الاقل الاطمئنان  والتعاطف الوجداني وهذا يشكل قوة خفية تدعم حالة الفزعة أو العنف عند الطلبة تجاه الآخرين.... لأن العرف العشائري ما زال فاعلاﹰ في النظام الاجتماعي , بل ما زال يحل الكثير من القضايا الاجتماعية التي قد يصعب على الدولة المدنية حلها عن طريق القانون , وبخاصة الحوادث الاجتماعية وما يتصل بها من قضايا تتعلق بالشرف والكرامة والعرض والقتل وغير ذلك من قضايا اجتماعية... التي ما زالت تجمع بين سلطة الدولة وبين سلطة القبيلة أو العشيرة , من اجل تهدئة الخواطر في البنية الاجتماعية , واذا لم يكن كذلك استمرت حالات العنف والعدوان على بعضهم بعضاﹰ , لهذا فان حكمة الدولة ترى ان تستمر حكمة القبيلة في النظام الاجتماعي لتساعدها على حل المشكلات التي قد تحدث في المجتمع , بهدف تهدئة الخواطر , واحلال الوئام بين مكونات المجتمع الأردني على ساحة الوطن كله, وفي المقابل فان حالة عدم اخضاع كل المواطنين إلى القانون في الدولة المدنية بصورة حاسمة وعادلة لتوكيد سلطة الدولة المدنية في كل زمان ومكان , على الناس كلهم دون استثناء حتى لا تبقى ظاهرة العنف في المجتمع وتؤكد التجربة أنه اذا عاش الناس فترة من الزمن في بيئة يطبق فيها القانون على الناس كلهم بدرجة واحدة , فإن الافراد يقبلون سلطة القانون , ويحترمونه , بل ويسلكون فيه ما يسمح لهم , ويمنعون انفسهم من ارتكاب سلوكات مخالفة للقانون, الا من افراد قلائل وتحت ظروف استثنائية, لان القانون ضمن حقوق الافراد كلهم , لذلك التزموا بتطبيقه على انفسهم وقبلوا احكامه العادلة من قضاة عدول ينتمون إلى القانون , ولا ينتمون إلى سلطات اخرى, سوى سلطة القانون الذي ارتضاه افراد المجتمع بارادتهم الحرة , وتنازلوا عن حالات التباين فيما بينهم لضمان هذه الحقوق لكل الناس بعدالة . فهل نصل إلى ما وصلة اجدادنا الأوائل القوي عندي ضعيف حتى أخذ الحق منه, والضعيف قوي حتى أخذ الحق له, أو نظراؤنا في الغرب حيث التزموا كلهم إلى نص القانون بكل عدالة على أنفسهم فحققوا العدالة الاجتماعية في اطار من الحياة الديمقراطية التي تسوي بين الناس دون استثناء...

ولذلك ادعو الدولة الى تطبيق القانون المدني في كل الامور التي تحدث بين الافراد والاسر والعشائر والغاء اية سلطات اخرى, حتى يتذوق المواطنون عدالة القانون المدني العادل الذي يحفظ حقوقهم بكل جدارة وعدالة, واذا لم يطبق القانون بعدالة في الدولة المدنية فاني ادعو الى استمرار سلطة القبيلة الحكيمة التي تحمل المروءة وتكره الظلم وترفض العدوان على الآخرين ليسود العدل الاجتماعي بين المواطنين.

واخيراﹰ تحيه الى كل القوى العلنية والخفية التي تعترف بدورها في اعمال العنف ومن ثم تنسحب عن هذا العنف حتى يستقر المجتمع الأردني ويعيش  في حالة من الوئام والسلام والأمن فيكون قدوة للآخرين من حولنا... وأنا واثق من أن الحكمة ما زالت عند  شيوخ القبائل الذين يدركون أهمية المصلحة الوطنية العامة ويقدمونها على المصالح الخاصة, فتسود قيم البر والتقوى وتختفي عناصر الاثم والعدوان في كل مركبات المجتمع الأردني الاصيل في عروبته والعزيز في اسلامه وايمانه.

وعلينا ان نعيش اسرة واحدة متحابة ذات انتماء للارض والمجتمع وذات ولاء للنظام الذي يتمثل في العرش الهاشمي القاسم المشترك الاعظم الذي يوحد القلوب وصمام الامان للحاضر والمستقبل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد