قبل الحرب

mainThumb

11-06-2013 01:00 PM

 ارتبط النيل في ذاكرة التاريخ بمصر، مع أنه يعبر عشر دول أفريقية فائضا ومدرارا ومخصبا كل قحل من حوله. النيل لم يصنع مصر، لكن المصريين أقاموا من حوله الحضارات والمذهلات حتى طغى وجوده في مصر على أسماء بلدان المنابع والروافد. لعل شوقي وحده تذكر مرور «النهر الخالد» في الحبشة عندما كتب يناجيه بالعامية: «النيل نجاشي، أسمر حليوة».

 
تطغى الحضارات العظيمة على حقائق الجغرافيا. هكذا حدث لدجلة والفرات في العراق الذي سمي بلاد ما بين النهرين، مع أنه ليس منبعهما ولا المصب أيضا.
 
أنداد النيل من أكابر الأنهر ونبلائها، ظلوا غالبا ضمن حدود واحدة. الأمازون القاري في البرازيل، والمسيسيبي الذي طال واستطال وبقي ضمن حدود الولايات المتحدة. في الصورة التاريخية والرمز، النيل مصر. لكن حكاية السد المزمع في إثيوبيا ذكرتنا بأنه غيرها أيضا.
 
دقت طبول الحرب قبل أوانها. لم يبق زميل جالس خلف مكتبه إلا ودعا إلى الحرب وقصف السد وتلقين الإمبراطورية السابقة درسا تتعظ به دول الحوض جميعا. أتمنى أن يكون كل النيل لمصر، وبدل أن يصب في البحر، تنقل مياهه إلى السعودية، بدل أن تنقل إليها جبال الجليد من القطب الشمالي.
 
ولكن أيضا، فلنتذكر أن الحرب آخر الحلول لا أولها، وأن المسائل الخاضعة لحسابات علمية لا يحلها السياسيون ولا الصحافيون. هناك علماء يمكن أن يشرحوا لنا إذا كان السد الإثيوبي سوف يخفض حصة مصر بمعدل خطير أم لا. وهناك خبراء يمكن أن يقولوا لنا إذا كانت ادعاءات أديس أبابا مبنية على علم أم هي تبريرات لا أساس لها. وهناك محاكم دولية لمثل هذه الخلافات.
 
قبل نحو 15 عاما، بشرنا معمر القذافي بأن حرب مياه النيل سوف تبدأ بعد 5 سنوات. المفترض ألا تبدأ أبدا، بل أن تقوم مكانها مؤسسة علمية مشتركة تفيد منها جميع دول الحوض، سقيا وريا وإنتاجا ومولدات. وسوف تبقى مصر زينة النيل. لن ينزع منها أحد ملحمته.
 
أليست مثيرة، في أي حال، حكاية المياه ومصر؟ بلد يقع على بحرين، ثالثهما النيل، وعندما يشق نيله الآخر، القناة، يقرب المسافات في الأرض ويختصر على أهلها طريق القارات؟ المتوسط ينشئ الإسكندرية حاضرة الغرب، والنيل يشق القاهرة منصة الشرق، والقناة تغير مجرى البحار ومسار الملاحة.
 
مياه حلوة، مياه مالحة، وموانئ في كل النواحي. مصر هبة المياه، يبني عليها المصريون السدود ويشقون البحر، ويمر النيل بالأرض موزعا الخصب وروايات نجيب محفوظ.
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد