أفغانستان وحلف شمال الأطلسي : 24

mainThumb

29-01-2014 04:00 PM

أفغانستان وحلف شمال الأطلسي  : 24

" النموذج الآخر للإمبراطوريات المهزومة "

لم تؤثر خسارة " ساركوزي " في الانتخابات الرئاسية الفرنسية ، ونجاح " فرانسوا هولاند" على الموقف الفرنسي المتأزم من الظروف الصعبة والمعقدة التي يعيشها الجنود الفرنسيين في أفغانستان ، ولا من القرار بسحب قواتهم من هناك ، فأنسحاب القوات الفرنسية المقاتلة في ولاية "كابيسا" الواقعة شمال شرق العاصمة الأفغانية "كابول" ، في نهاية سنة 2012م، بات أمرا غير قابل للنقاش وفق تصريحات الرئيس الفرنسي الجديد "هولاند" ، الذي صرح بذلك من واشنطن ، مؤكدا أن انسحاب القوات الفرنسية المقاتلة في أفغانستان قرار اتخذته فرنسا وهذا القرار سيطبق، وان فرنسا  ستقوم بتسليم المهمة من القوات الفرنسية الى القوات الأفغانية ، بعد الحصول على تطمينات من الرئيس الأفغاني "حامد كرزاي" ، بينما ستتحول القوات الفرنسية المتبقية  في أفغانستان بعد سنة 2012م الى لعب دورا لوجستيا وذلك  من أجل العمل على عودة معداتنا الى بلدنا ، ولكن بحماية قوات حلف شمال الأطلسي " (مفكرة الإسلام، 19 مايو 2012م).

اعتبرت وزيرة الخارجية الفرنسية " ميشال آليو ماري" في (26 مايو 2012) ، أن إنسحاب ألفي جندي فرنسي من أفغانستان أواخر 2012م ، أمر "بالغ الخطورة" ، "واذا ما تم ذلك فأن الخطر الحقيقي هو أن يأتي بعد ذلك طالبان لمهاجمتنا علما منهم أن جنودنا بدون سلاح او شبه مسلحين " ، "وعندما صرح الرئيس الفرنسي قبل بضعة أشهر :"أنه لن يبق اي عسكري فرتسي على الأرض الأفغانية في ( 31 ديسمبر /كانون الأول 2012م)، كان ذلك " هراء" ، والآن يجد نفسه في تناقض حقيقي ، فهو قال ذلك ولا يريد التراجع عن رأيه ، وقد أدرك أنه أمر مستحيل ماديا ، فهو قرار غير محسوب جيدا، ويبدو لي انه بالغ الخطورة "، في المقابل رأت صحيفة " كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية (الثلاثاء 6 مايو 2012م) (الوفد) ، "أن العبء سيزداد على كاهل حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان ، بعد أن أزاح الناخبون الفرنسيون واحدا من أكثر وأقرب وأقوى الحلفاء لأمريكا ، وهو الرئيس  الفرنسي " نيكولا ساركوزي" ، بينما الرئيس الفرسي الجديد صاحب الميول الإشتراكية "فرانسوا هولاند" أعلن أنه سيسحب القوات الفرنسية من أفغانستان ، بحلول نهاية عام 2012 ، واصفة الصحيفة هذا الإجراء بانه سيضعف موقف التحالف الدولي في أفغانستان ، في وقت بدأت فيه حركة المقاومة الأفغانية "طالبان" موسم "ربيع القتال" ، واعتبرت الصحيفة :"أن التحالف ، وخاصة أمريكا، فقدت حليفا استراتيجيا مهما يصعب تعويضه ، وأن هناك 3,500 جندي فرنسي يعملون ضمن قوات حلف الأطلسي في أفغانستان ، وأشارت الصحيفة الى :" أن السلطات الأفغانية أعلنت أنها ليست قلقة من الموقف الفرنسي ، وأن الجيش الأفغاني جاهز لتولي أمورهم الأمنية بأنفسهم" ، في حين أعلن وزير الدفاع الأفغاني " الجنرال محمد زهير عزيمي"  ردا على القرار الفرنسي في الإنسحاب من أفغانستان ،"أن ما يعني أفغانستان هو موقف حلف شمال الأطلسي كحلف وليس موقف الدول الأعضاء في الحلف ، وفي كل الأحوال فإن الأفغان جاهزون لتولي زمام الأمور في بلادهم في عام 2013 " ، ثم أكدت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" :"أن الخطوة الفرنسية من شأنها أن تعقد الأمور على الأرض ، وتزيد من العبء على الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود العملية الدولية في أفغانستان ،واذا كانت فرنسا ، وهي واحدة من أكبر الدول الأوروبية، تشارك بعدد محدود من الجنود في قوات المساعدة ألأمنية الدولية"إيساف" بقيادة الناتو في أفغانستان ، مقارنة مع القوات الأمريكية التي تشارك بـ 90 الف جندي ، وبريطانيا التي تشارك بـ 9500 جندي ، الا ان هناك فرقا شاسعا بين الإنسحاب المتسرع الأحادي الجانب ، حيث أن الإنسحاب المنظم يتم من خلال تسليم المسؤوليات والواجبات الى قوات البلد المضيف ، او لقوات دولة أخرى من المشاركين في العملية ، أما الإنسحاب الفردي فمن شأنه ان يوجد حالة من الفراغ والذعر والإضطراب" .

الإعلان الفرنسي المفاجيء للإنسحاب المبكر من أفغانستان القى بظلاله على اجتماع مؤتمر ميونخ لوزراء دفاع حلف شمال الأطلسي الثمانية والعشرين ، في فبراير / شباط 2012 ، حيث أثارت تصريحات الرئيس السابق "ساركوزي" حرجا في الحلف الأطلسي ، الذي يخشى البعض ان تواكبه اعلانات إنسحاب مبكرة من حلفاء آخرين ، والأمر المهم الذي طرح في المؤتمر ، تلك التوجهات الأمريكية الجديدة تجاه اوروبا ، حيث طلبت مجددا من الأوروبيين على الإمساك بزمام أمور دفاعها لانه لم يعد لدى الإدارة الأمريكية الإمكانيات لضمان حمايتها ، ولأنها تنوي اعطاء الأولوية الاستراتيجية لمنطقة آسيا والمحيط الهاديء ، حيث تجسد هذا الإنسحاب الجزئي مؤخرا باعلان الولايات المتحدة سحب فوجين من الجيش الأمريكي منتشرين في "القارة العجوز" بحلول 2014، وهو ما دفع بوزيرة الخارجية الاوروبية " كاثرين أشتون" الى القول:" ان ذلك يشكل تحديا يجب علينا مواجهته ، ولا يمكننا أن نتجاهله ، رغم أنه يأتي في فترة تقشف وخفض الميزانيات العسكرية " ، حتى مجلس النواب الأمريكي بدا عليه الامتعاض من فكرة انسحاب فرنسا من أفغانستان ،  فبعض النواب لم يستنكروا الإنسحاب الفرنسي ، بل قاموا بتأييده بدعوتهم الإدارة الأمريكية للإنسحاب من أفغانستان ، منتقدين بشدة استمرار الحرب في أفغانستان ، واعتبروها مضيع للأموال وخسارة للأرواح ، ومن هؤلاء النائب" وولتر جونز" الجمهوري عن نورث كارولاينا، الذي صرح بالقول:" لا أستطيع أن أستمر في تأييد تشريع يرسل مليات ومليارات ومليارات من الدولارات الى أفغانستان ، حان الوقت لأن يستمع الكونجرس الى 72% من الشعب الأمريكي يقولون "أعيدوا قواتنا الى الوطن الآن  وليس غدا "(8يوليو 2012، مفكرة الإسلام).

الجهات التي رحبت بإعلان فرنسا الإنسحاب من أفغانستان هما ، حركة طالبان والشعب الفرنسي ، اما حركة طالبان فكانت هي السبب الرئيسي وراء سحب فرنسا قواتها من بلادهم ، نتيجة العمليات الفدائية وايقاع القتل بصفوف القوات الفرنسية ، اما الشعب الفرنسي ، فجاء معُبرا عن غضبه لتلك الضحايا البشرية من الشباب الفرنسي الذين يقتلون على يد طالبان ، من جابنها دعت حركة طالبان الأفغانية قادة حلف شمال الأطلسي ، المشاركين في "مؤتمر شيكاغو" حيث يجتمع اكثر من 50 من قادة العالم ، ويعتبر من أكبر قمم حلف شمال الأطلسي في التاريخ ، تحت شعار" الحرب على الإرهاب" ، دعت الحركة الحلف الى الإنسحاب من بلادهم والاقتداء بما فعلته فرنسا والخروج مبكرا من أفغانستان ، في رسالة شديدة اللهجة وصفت حربهم على الإرهاب بأنه "مجرد تبرير لحملتهم الاستعمارية لبلاد المسلمين" ، وعلى لسان الناطق باسم حركة طالبان " ذبيح الله مجاهد" طالب الدول الاعضاء في حلف الأطلسي في أفغانستان " بأن تحذو حذو فرنسا وتنهي احتلالها لافغانستان وتغادر البلاد  وتترك مصيرها بين يدي الشعب الأفغاني ، معتبرا ان انتهاء المهمة القتالية الفرنسية " مبادرة جيدة للشعب الأفغاني كما للشعب الفرنسي " .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد